من الذكريات الفارقة التي يعيشها طالب التاريخ في دراسته، وليس غريبا أن ترافقه على مرّ الأيام والسنين، أحداث اعتقدها البعض عابرة لحظة وقوعها -ليس لأنها هينة، ولكن لأن طاحونة الأحداث تجعلها كذلك – لكن ثمة فصولا جديدة يشرع التاريخ في كتابتها فور وقوع هذه الأحداث، فيتطاير هذا الانطباع بمجرد نشأته. هكذا مثلا فكّر البعض عند اغتيال دوق النمسا فرديناند في سراييفو من دون استنتاج أن الحدث ستنجر عنه حرب عالمية
ليس غرض هذا المقال الدخول في سلسلة تكهنات نطبقها على الهجمات المرتكبة على ناقلتي نفط نرويجية ويابانية في خليج عمان، وكذلك هجمات سابقة، لكن ترد في المقابل فرصة استشراف – فالاستشراف من أدوات التحليل – صورة جديدة لمناطق النفوذ في المنطقة. صورة جديدة يرسم ملامحها استقراء آني للتاريخ، خاصة تاريخ النفوذ الأمريكي الذي لم يعد يقدم للمحللين أدوات للقراءة بل أكثر: فقد تصدعت فرص للاستنتاج كان من السهل الممتنع أن تقام عليها نظريات تخلص إلى وحدة الصف الأمريكي في دعم المغالطات.
من بين هذه النظريات، الحرب الإعلامية أو حرب البروباغندا التي عرفناها في موضوع أسلحة الدمار الشامل، التي عجلت بالهجوم الأمريكي على العراق ورئيسه صدام حسين. فلننظر هنا مثلا إلى طبيعة تفاعل المجتمع الدولي، وإلى المسؤولين الأمريكيين أنفسهم مع السيناريو الذي عرضه الصقر جون بولتون عبر مجموعته Gatestone Institute مدعوما بصور أقمار صناعية يقال إنها لهجمات نفذتها إيران فعلا. أول ما يمكن ملاحظته، جو الحيطة والحذر الذي اكتنف تحميل ترامب إيران مسؤولية الهجمات، استنادا إلى معطيات صادرة عن أمانة الدولة (the state of secretary) مبنية أساسا على مزاعم بولتون. هنا، تتالت التحفظات بدءا بالجهاز الاستخباراتي الأمريكي، مرورا، في الوقت نفسه، بالتقاسم الأوروبي بين صوت بريطاني انضم إلى أصوات المتهمين، وإعراب ألماني واضح عن التشكيك في صدقية الفيديوهات الأمريكية، انتهاء بتصريح لافت لأمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، تصريح مؤثر شكلا أكثر منه محتوى، لعدم حدوث سعي دبلوماسي رفيع المستوى، إلى التذكير بأن التحقيق في الحادث ليس من صلاحياته هو، بل من صلاحيات مجلس أمن المنظمة الذي يشرف على أمانته.
خاب توقع أمريكا بـ»انهيار إيران في غضون ثلاثة أشهر جراء «الإرهاب الاقتصادي» الذي حاولت أن تمارسه عبر منع تصدير منتجاتها النفطية، وإلغاء حزمة امتيازات كانت تتمتع بها في هذا المجال. لكن في المقابل، لم يخب أمل المجتمع الدولي بالنشاط في الحقل الدبلوماسي لرسم ملامح خطة معاكسة لتلك الأمريكية الغارقة في ثوابتها، التي أظهرت التجربة أنها محكومة بالاهتزاز. ليست المساعي الدولية التي نجدها حالياً محصورة في منع الأزمة في المنطقة من التصعيد، فهي مساع عضوية تنبني على نقاط إستراتيجية لا يمكن تفاديها، مثل توقي تهديد بإغلاق مضيق هرمز، العصب الحيوي الذي يمر منه أكثر من ثلث صادرات النفط الدولي.
من هنا لا بد من جهود حثيثة لضبط ما يمكن تسميته بـ»طريق دبلوماسية ثالثة» جديرة بأن تؤتي أكلها إذا ما تبلورت. صحيح أن زيارة رئيس الوزراء الياباني شينزو أبي إلى طهران، وتلك التي قام بها وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف إلى الصين، كانتا منخرطتين أساسا في استراتيجية قصيرة المدى لتفادي نزاع، خاصة أن إحدى الناقلتين المستهدفتين يابانية. لكن بالإمكان تنزيل «حدثية» التحرك الدبلوماسي هذا في مستوى أعلى في سلم الخطوات الدبلوماسية المركزة، بحيث يصبح التحرك الصيني مثلا عنصر دبلوماسية بديلة خليقة بالتأثير في إعادة رسم الخرائط في المنطقة.
لم يخب أمل المجتمع الدولي بالنشاط دبلوماسيا لرسم ملامح خطة معاكسة لتلك الأمريكية التي أظهرت التجربة أنها محكومة بالاهتزاز
ليس العصب الاقتصادى الحيوي الذي تشكله منطقة خليج عمان المحفز الوحيد لتحرك مجتمع دولي، بات واضحا تأثيره على صوت أمريكي آخذ في الخفوت. ثمة طريق ممكنة، وإن لم تكن معبدة، تستشعرها أطراف دبلوماسية بديلة تمكنها من تحقيق اختراق على المدى البعيد، بدءا بإعادة بث الثقة في علاقتها بالطرف الإيراني لينتقل الأخير من موقع الطرف إلى مرتبة الشريك.
والسؤال الذي يطرح بالتالي أيضا هو طبيعة الدور الذي يمكن أن تلعبه دول الاتحاد الأوروبي، وهي التي رتبت لتفعيل الاتفاق النووي بتفان. ذكرنا التحفظ الألماني من الفيديوهات التي سوقها بولتون، لكن ماذا عن فرنسا التي تنشط طائراتها وسفنها وراداراتها في قاعدة عسكرية متموقعة في أبوظبي؟ أليست تلك المعدات جديرة بمساعداتها في تقديم تشخيص لما حدث، فتعلن نتائجه أمام الملأ ليبلغ علمنا هل إيران ضليعة في تلك الهجمات أم لا؟
في مقابل قولة بولتون «ولا (نريد) حتى جهاز طرد مركزي واحد»، في وجه كلام ترامب عن «هجمات هي فعلا من توقيع إيران»، كلام يصطدم نفسه بتحذير شديد اللهحة من القيادة العسكرية الأمريكية من مغبة الوقوع في «فخ أفغاني جديد»، في مقابل هذه التصريحات التصعيدية، يستنكر المجتمع الدولي انخفاض عدد البراميل التي تمر عبر مضيق هرمز من المليون إلى سبعمئة برميل، كما يندد بالحصار المفروض على إيران الذي وصفه سفير فرنسا السابق فرانسوا نيكولو بـ»الأقسى حتى من حصار الحرب الإيرانية العراقية»، فضلا عن تقويض القيمة المضافة السخية التي يمكن أن يقدمها الانتاج البتروكيماوي في المنطقة. من هذا التشخيص، تشخيص المجتمع الدولي، نتلمس أبوابا مفتوحة في وجه مقاربة قابلة للتحقيق قصد خروج من الأزمة يذهب في اتجاه تثبيت التطور الحاصل في العلاقات بين إيران والمجتمع الدولي بعد ابرام الاتفاق النووي سنة 2015. لكن، ومرة أخرى، الأيام بيننا.
باحث أكاديمي وإعلامي فرنسي
الحل الجذري لصد عدوان حرس ثوري إيران على خطوط ملاحة بحرية وإعاقة تجارة دولية يتم بإبعاد إيران مائتي كيلومتر عن الساحل الشرقي للخليج العربي وشط العرب وبحر عمان ووضع تلك المنطقة الحيوية ومواطنيها وثرواتها الهائلة تحت حماية دولية وحكم انتقالي من مواطنيها وصولاً لإنتخابات حرة شفافة برعاية أممية وقصر إنفاق ثروتها على تحسين معيشة مواطنيها، وبالتوازي يجب تدمير دفاعات إيران الجوية ومطاراتها ومنصات صواريخها وقواعدها العسكرية وحظر الطيران لحين سقوط العصابة المتحكمة فيها واستعادة شعوب إيران حريتها وكرامتها
تيسير خرما. لا اقول الا صه. ومثلك من الخانعين