لندن- “القدس العربي”:
نشرت مجلة “إيكونوميست” تقريرا قالت فيه إن إسرائيل تريد فتح جبهة مع حزب الله، فهي تراه تهديدا غير مقبول، لكن حسابات الحذر تظل قائمة.
وقالت إن مناطق الجنوب والساحل اللبناني تبدو هادئة تحت شمس الشتاء اللامعة إلا أن الهدوء يخفي وراءه مخاطر تتجه نحو حرب واسعة بين إسرائيل وحزب الله، الذي تدعمه إيران، وبخاصة بعد غارة الضاحية الجنوبية التي قتلت القيادي البارز في حركة حماس، صالح العاروري، وتهديدات الحزب بأن القتل لن يمضي بدون “عقاب” وأن أصابع المقاتلين على الزناد.
ويخشى مسؤولون أوروبيون من انفجار الجبهة خلال أيام أو أسابيع. وأضاف إلى الوضع الغامض تفجيران أثناء إحياء الذكرى الرابعة لمقتل الجنرال قاسم سليماني في بلدته كرمان، والذي قتل في 2020 بغارة أمريكية في بغداد. وحملت طهران في البداية، إسرائيل والولايات المتحدة المسؤولية. وزادت مخاطر الحرب على الحدود اللبنانية في الساعات والأيام الأولى التي أعقبت مباشرة الحملة العسكرية الإسرائيلية ضد حماس، حيث خافت إسرائيل من غارات يقوم بها حزب الله، كتلك التي نفذتها حماس في إسرائيل.
بحلول ليلة 7 تشرين الأول/أكتوبر نشرت إسرائيل ألوية كاملة قرب الحدود، المعروفة بالخط الأزرق
وبحلول ليلة 7 تشرين الأول/أكتوبر نشرت إسرائيل ألوية كاملة قرب الحدود، المعروفة بالخط الأزرق. ودعمت القيادة العليا للأمن في إسرائيل بمن فيهم وزير الدفاع يواف غالانت، توجه القيام بعملية وقائية، ضد حزب الله. وظلت الخطة متأرجحة حتى انضم بيني غانتس، وزعيم المعارضة إلى حكومة الحرب في 11 تشرين الأول/أكتوبر، ثم تبع ذلك دعوات ضبط النفس من الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي قام بنشر حاملتي طائرات مع طواقمهما في منطقة شرق البحر المتوسط وقرب الساحل اللبناني، ولعب دورا في إقناع الإسرائيليين بالانتظار.
واستغل بايدن زيارته لإسرائيل في 18 تشرين الأول/أكتوبر وأطلق تحذيرا لـ “لأي دولة أو أي لاعب عدواني آخر يفكر بالهجوم على إسرائيل”، “لا تفعل، لا تفعل”.
وما تبع ذلك كان مواجهة قاتلة من الغارات التي أطلق فيها حزب الله صواريخ ومسيرات باتجاه إسرائيل وتبع ذلك رد عليها. وضرب الطرفان أهدافا قريبة من الحدود والتزما بالقواعد التكتيكية للاشتباك والتي تم التوافق عليها عبر السنوات. وفر عشرات الآلاف من البلدات والقرى حيث تحولت شلومي وكريات شمونا إلى مدن أشباح.
وخسر حزب الله خلال الأشهر الأخيرة 46 من مقاتليه وقتل 15 جنديا إسرائيليا بسبب الصواريخ القادمة من لبنان. وقتل 3 صحافيين لبنانيين في القصف الإسرائيلي.
ولم يحدث وضع كهذا من قبل، ففي تموز/يوليو 2006 قتل حزب الله خمسة جنود وجر معه جثتين إلى داخل لبنان، حيث تطور الهجوم إلى حرب شاملة استمرت 34 يوما، وشن الجيش الإسرائيلي هجوما بريا كبيرا داخل لبنان وتصدى له حزب الله حتى الوصول إلى طريق مسدود. وعانى لبنان الأكثر، حيث قتل الآلاف من المدنيين وحصل دمار واسع على البنية التحتية. ويصر حزب الله على حق الدفاع عن النفس والمقاومة وبنى ترسانة صاروخية ضاربة من 150.000 صاروخ، مئات منها دقيقة وبمدى يصل إلى أي مكان في إسرائيل. ولديه أكثر من 100.000 مقاتل حسبما يتفاخر، وحصل الكثيرون منهم على خبرات قتالية في سوريا حيث لعب حزب الله دورا في دعم نظام بشار الأسد.
وهناك عدة أسباب لتجنب حرب شاملة، ولكن هجوم حماس أدى لتفكير عدد من قادة الأمن الإسرائيلي بأن بقاء تهديد حزب الله، خطر لا يمكن تحمله. ويتفقون على أهمية اتخاذ إسرائيل المبادرة، وبخاصة ضد قوات النخبة “الرضوان” في حزب الله والتي تدربت على مهاجمة الأراضي الإسرائيلية بنفس الطريقة التي قامت بها حماس ضد القواعد العسكرية الإسرائيلية.
ويقول المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي إنهم يقاتلون حاليا لكنهم لا يزالون في وضع الدفاع. ويشير القادة العسكريون إلى البلدات الفارغة من سكانها في الشمال وأنهم لن يعودوا إليها بسلام طالما ظل حزب الله موجودا على الطرف الآخر.
يقول المسؤولون الغربيون إن الجيش الإسرائيلي لديه القدرة على فتح جبهة ثانية
ويحضر الجنود الإسرائيليون، الذين يعملون حاليا على تحديد فرق الصواريخ لدى حزب الله وتدميرها، للهجوم. ويقول المسؤولون الغربيون إن الجيش الإسرائيلي لديه القدرة على فتح جبهة ثانية، حتى مع استمرار الحرب في غزة وتدمير مواقع حزب الله عند الحدود سريعا.
ومع أن توسع الحرب بدا في بعض الأحيان محتوما إلا أن جهود نزع فتيله مستمرة. فقد سحب حزب الله قواته من جانب السياج الحدودي بعيدا عنه بمسافة 2-3 كيلومترات. وربما كان انسحابا تكتيكيا إلا أنه إشارة لإسرائيل والولايات المتحدة بأنه يريد تجنب الحرب.
وخفض الجيش الإسرائيلي من عدد جنوده قرب الحدود مع أن عددهم لا يزال مرتفعا.
والجيش جاهز للقتال في أي لحظة، إلا أن لدى كل طرف أسبابه المقنعة لتجنب الحرب. فإسرائيل متورطة في حرب دموية في غزة قتل فيها أكثر من 1.400 جندي ومدني. ومن جهة أخرى لن يعرض حزب الله نفسه للنقد من خلال الدخول في حرب كتلك التي تجري في غزة، وقتل فيها حتى الآن أكثر من 22.000 فلسطيني، ويشاهد اللبنانيون الدمار ولم ينسوا ما حدث في 2006. أما إيران التي راقبت تدمير إسرائيل قدرات حماس العسكرية فلا تريد تضييع استثماراتها في حزب الله الذي يلعب دور الرادع لإسرائيل عن ضرب منشآتها النووية، مع أن طهران تستخدم جماعاتها الوكيلة لاستفزاز إسرائيل.
وتقوم الجماعات المؤيدة لإيران بضرب القوات الأمريكية في العراق وسوريا، ويستهدف الحوثيون السفن التجارية، حيث أجبرت الولايات المتحدة على إنشاء قوة للمهام الخاصة من أجل حماية السفن العابرة لمضيق باب المندب في الطريق إلى قناة السويس. ولكن الكثير من شركات النقل البحري غيرت مسارها. لكن الولايات المتحدة تجد صعوبة في الحفاظ على انتشارها العسكري الكثيف في المنطقة. ففي الأول من كانون الثاني/يناير سحبت حاملة طائرات مع أنها أبقت على ثانية في شرق المتوسط. وتخشى إسرائيل من انسحاب القوات الأمريكية مما يؤثر على قدرة الرد من جانبها.
قام مستشار مقرب من بايدن بزيارات متكررة إلى إسرائيل ولبنان وجرى التوصل لاتفاق قد ينزع فتيل التدهور
وتحاول القوى الخارجية تهدئة الوضع على الحدود اللبنانية. وقام مستشار مقرب من بايدن بزيارات متكررة إلى إسرائيل ولبنان وجرى التوصل لاتفاق قد ينزع فتيل التدهور. وربما كان أساس الاتفاق هو قرار الأمم المتحدة 1701 الذي صدر في حرب 2006. ومن المفترض بقاء قوات حزب الله شمال نهر الليطاني الذي يجري شمالا بالتوازي مع الحدود، أي حوالي 29 كيلومترا للشمال. لكن القوات اللبنانية وقوات حفظ السلام “يونيفيل” فشلت في تطبيق هذا.
وتزعم إسرائيل أن حزب الله تحدى القرار وقام منذ حرب 2006 بنصب راجمات صواريخ في المباني المدنية بجنوب لبنان. وفي 2018 كشف الجيش الإسرائيلي عن ستة أنفاق حفرها الحزب تحضيرا للمواجهة المقبلة. وأقام الحزب نقاط مراقبة تحت غطاء حماية البيئة وقد دمرت إسرائيل معظمها منذ حرب 7 تشرين الأول/أكتوبر.
ولم يساعد الخلل الوظيفي في السياسة اللبنانية على خفض التوتر، فالبلد بدون رئيس منذ عام 2022، لكن ساسته توصلوا لاتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل وحلوا الخلاف بشأن حقول الغاز الطبيعي. ورغم الخطابات النارية من زعماء البلدين إلا أنهم أظهروا نوعا من الحذر، فقد تجنب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ضبطا للنفس وبخاصة الدخول بمواجهة عبر الحدود. وكذا زعيم الحزب في لبنان، حسن نصر الله بدا مترددا في الوصول إلى حرب بعد “سوء التقدير” في عام 2006. وتراهن إسرائيل على حذره، حتى مع مواصلتها الهجوم على قادة حماس في لبنان وأنه قد يفضل سحب قواته عبر الليطاني بدلا من مواجهة مع إسرائيل. و”يمكن لنصر الله احتواء هذا” حسب عسكري إسرائيلي “والأمر بيده”.