لندن ـ “القدس العربي”:
نشرت مجلة “إيكونوميست” في عددها الأخير تقريرا عن الانتخابات اللبنانية، وقالت إن النخبة العفنة هي نفسها ولكن اللبنانيين سيقترعون وسط أسوا أزمة مالية تمر على البلاد. وأضافت أن النظام الانتخابي يعمل في صالح الأطراف الحاكمة الفاسدة وضد المعارضة المنقسمة على نفسها.
وقالت إن واحدة من الطرق للتكهن بمستقبل الانتخابات اللبنانية هي النظر إلى لوحات الانتخابات وتخيل العكس. ففي آخر مرة ذهب فيها اللبنانيون للانتخابات عام 2018 كانت الشوارع مزينة برسائل مفرحة “ميناؤنا سيعود”، في إشارة للميناء السياحي الذي يجذب إليه السفن السياحية وتعطي دفعة للاقتصاد. وهناك رسالة أخرى افتخرت باستقرار لبنان المالي “العملات حولنا تنهار والليرة ثابتة”.
النخبة العفنة هي نفسها ولكن اللبنانيين سيقترعون وسط أسوأ أزمة مالية تمر على البلاد، حيث خسرت الليرة نسبة 94% من قيمتها ودمر ميناء لبنان الرئيسي
وفي السنوات اللاحقة دمر ميناء لبنان الرئيسي في واحد من أسوأ الانفجارات غير النووية في التاريخ وخسرت الليرة نسبة 94% من قيمتها. وينسحب هذا على لبنان هذا العام، حيث سيعقد انتخابات تشريعية في 15 أيار/مايو. ويطل المرشحون الباسمون من اللوحات الإعلانية بملابسهم الأنيقة، والكلمة المستخدمة كثيرا في كل اللوحات هي “التغيير”، ويعد كل مرشح بالإصلاح، لكن النتائج ستكون نفسها ولا تغير في الوجوه. وترى أن الانتخابات الحالية هي فرصة حقيقية لاستبعاد الوجوه القديمة. فلبنان يعاني من أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه الحديث ومنذ عام 2019، تراجع الناتج المحلي العام بنسبة 58% وأصبح التضخم السنوي أعلى من 200% وبات الأجر اليومي بقيمة دولار واحد. وباتت الأمم المتحدة تعتبر ثلاثة لبنانيين من كل أربعة فقراء. والعاصمة التي كانت حية مرة، أصبح فيها الشباب يبحثون في الليل بمكبات النفايات عن شيء يمكن بيعه. وعند الغروب يخرج المتقاعدون للتسول من المارة إن كان معهم “فراطة”، وعندما يحل الليل يحمل معه ظلاما مخيفا، فمعظم الشوارع بلا إنارة ولم تعد إشارات الطرق تعمل، ويبدو أن الوجوه في اللوحات الإعلانية هي الوحيدة المبتسمة.
وتضيف المجلة أن السبب التقريبي لهذا الانهيار المالي الذي بدأ عام 2019 هي خطة “بونزي” التي أدارتها الدولة لدعم العملة وتمويل العجز المالي في الميزانية، لكن أصل الأزمة يمتد أبعد ببعيد. فهي مرتبطة بالطبقة السياسية التي رسمت لنفسها مواقع سلطة بعد نهاية الحرب الأهلية عام 1990 وبنت نظاما فاسدا وعقيما. وسرقت مليارات الدولارات عبر عقود مشبوهة وأنفق أفرادها 40 مليار دولار لدعم مؤسسة الطاقة المملوكة للدولة والتي لم تقدم أبدا خدمة كهرباء لمدة 24 ساعة. وقال الاقتصادي روي بادرو إن “الحكومة والنواب والوزراء هم كيان واحد يتحمل المسؤولية بطريقة مشتركة” و “كان النظام السياسي حصرا عليهم حتى لو كانوا أعداء من الناحية السياسية”.
وسجل 1،043 مرشحا للتنافس على 128 مقعدا، وهو عدد كبير رغم انسحاب 42 مرشحا لاحقا. ووصفت مجموعة من الناشطين أطلقت على نفسها “صوتي” أن 212 من المرشحين هم “بديليون” لا علاقة لهم بالنخبة الحاكمة. ففي منطقة المتن، خارج بيروت، يأمل الناشطون بهزم إبراهيم كنعان الذي عمل بشكل قريب مع البنوك لمنع خطة تعاف مالي. ومنافسه الرئيسي هو جاد غصن الصحافي الذي نشر تقارير عن المصاعب الاقتصادية والسياسية. ورشحت مجموعة من التكنوقراط “بيروت مدينتي” 11 مرشحا في العاصمة على أمل استثمار الغضب النابع من انفجار ميناء بيروت عام 2019. وكان سببه انفجار أطنان من نترات الأمونيوم التي خزنت بطريقة غير مناسبة ولسنوات وقتلت 218 شخصا ودمرت معظم المركز. ولم تتم معاقبة أي من المسؤولين في السلطة، بل وعمل الساسة على عرقلة أي محاولة تحقيق في الانفجار.
وتظل المشكلة في ترجمة الغضب إلى أصوات، فالقوانين التي تنظم عمليات تمويل الحملات الانتخابية ضعيفة وتفضل المرشحين الأثرياء. فاللوحات الإعلانية تكلف حوالي 8.500 دولار وهو مبلغ خارج قدرة الحملات النابعة من القاعدة. وحاول المرشحون المستقلون نشر رسائلهم عبر منصات التواصل الاجتماعي. وشراء الأصوات قانوني، وهو ما لا تستطيع الأصوات المستقلة عمله بسبب المعاناة المالية والاقتصادية التي تواجه البلد، مما يعني أن قادة الأحزاب لديهم الوسائل المالية لشراء الأصوات. وسجل حوالي 244.000 من لبنانيي الشتات للتصويت، ثلاثة أضعاف الأرقام التي سجلت عام 2018. ويأمل الناشطون بأن يكون الشتات أقل ميلا للتصويت هذه المرة مع الأحزاب الطائفية. ولم يحصل لبنانيو الخارج بعد على تعليمات حول كيفية التصويت.
وتراجعت ميزانية السفارات وطلب من الدبلوماسيين تقنين استخدام ورق التواليت. ونظرا لاستمرار انقطاع التيار الكهربائي فهناك إمكانية لعد الأصوات في الظلام. وقال وزير الداخلية بسام مولوي إن شركة الكهرباء طلبت 16 مليون دولار لتوفير الطاقة الكهربائية لمراكز الاقتراع، وأكثر من ميزانية الانتخابات. ففي الماضي تم عد الأصوات بطريقة نزيهة، وربما لن يكون الحال هذه المرة. وتقول المجلة إن المعارضة ارتكبت أخطاء، وأهمها الفشل بالمشاركة ضمن كتلة موحدة. ودعم الوزير اليساري السابق شربل نحاس عددا من المرشحين. لكن المرشحين “البديلين” يتنافسون في معظم الأماكن ضد بعضهم البعض وضد مرشحي الأحزاب المعروفة.
ويعقد من الأمر أن القانون الانتخابي اللبناني، الذي لا يفهمه الكثير من الناخبين، يمزج ما بين المحاصصة الطائفية ونظام القائمة النسبية. إلا أن الأحزاب التي تفشل في الحصول على الحد الأدنى من الأصوات لا تفوز بمقاعد. وعليه فالقوائم المتنافسة ستقسم أصوات المعارضة. ويريد بعض الإصلاحيين تحويل الانتخابات لاستفتاء على حزب الله المؤيد لنظام المحاصصة. وهو ما قاد لغزل بين رموز من الحرس القديم مثل سامي الجميل، رئيس حزب الكتائب بعلاقات مع البرلمان، ورفض آخرون التعاون مع أحزاب الفترة الماضية.
وتظل التوقعات متدنية، ويقول بعض الناشطين إن فوز أربعة أو خمسة مرشحين من المستقلين سيكون نصرا. وسيظل حزب الله حاضرا ولن يتم استبعاده نظرا لقوته ودعمه القوي بين الشيعة. وعادة ما يتبع ليلة الانتخابات نهاية الذروة لأن تشكيل الحكومة يأخذ وقتا، ففي المرة الأخيرة لم تشكل الحكومة إلا بعد تسعة أشهر. وبحسب نظام المحاصصة الطائفي فرئيس الوزراء يجب أن يكون سنيا، لكن لا يعرف من سيقود السنة، فرئيس الوزراء الحالي نجيب ميقاتي ليس مرشحا ولا سعد الحريري، رئيس الوزراء السابق، ولن يشارك حزبه “تيار المستقبل” بأي مرشح.
تظل المشكلة في ترجمة الغضب إلى أصوات، فالقوانين التي تنظم عمليات تمويل الحملات الانتخابية ضعيفة وتفضل المرشحين الأثرياء
وبحلول تشرين الأول/أكتوبر يجب على البرلمان البحث عن مرشح للرئاسة بعد ميشيل عون الذي تنتهي رئاسته بعد ستة أعوام. وليس لدى لبنان أي وقت لتضييعه، في 7 نيسان/إبريل وقع صندوق النقد الدولي اتفاقا مبدئيا والذي قد يشمل على قرض بـ 3 مليار دولار.
ولكي يحصل على هذا المبلغ، فعلى لبنان العمل على إصلاح نظامه المصرفي. ولم يمرر البرلمان قانون التحكم برأس المال أو إصلاح تنظيمات السرية للبنوك، من بين عدة أمور. ومن الصعب الشعور بالتفاؤل من الانتخابات. وغادر الكثير من اللبنانيين الأثرياء أو من حملة الجوازات الأجنبية. ويحاول الأقل حظا الخروج، ففي 23 نيسان/إبريل غرق قارب يحمل مهاجرين غير شرعيين أثناء محاولته الوصول إلى قبرص. ومات سبعة وفقد آخرون.