إيكونوميست: انقلاب السودان يعبر عن توجه مثير للقلق في أفريقيا.. تتغذى من “الجهادية” والتنافس بين الدول الكبرى

إبراهيم درويش
حجم الخط
2

لندن- “القدس العربي”: قالت مجلة “إيكونوميست” إن الانقلابات في أفريقيا وكان آخرها في السودان يبدو أنها أصبحت واقعا لا مناص منه في السياسة الأفريقية.

ورأت في افتتاحيتها أن صعود الجهادية والتنافس بين القوى العظمى يدفع باتجاه تغيير الأنطمة بالقوة في دول أفريقيا. ومنحت سيطرة الجيش على السلطة صورة عن توجه مثير للقلق.

وأضافت المجلة أن طريق السودان نحو الديمقراطية طالما كان مليئا بالألغام. فقد أصبح البلد مستقلا عام 1956، في وذلك العام و1964 و1986 كانت هناك محاولات قصيرة للحكم الديمقراطي، وكلها حرقت برجال يحملون البنادق. وفي عام 2019 وبعد 30 عاما من الحكم الديكتاتوري لعمر البشير، زادت الآمال بقدرة الاحتجاج السلمي على التخلص من الديكتاتور، وحنّ السودانيون لعودة الجيش إلى ثكناته.

لكن الجيش كانت لديه فكرة جديدة، ففي  نيسان/ أبريل، سيطر على السلطة مرة أخرى. وبعد أسابيع أطلقت قوات الأمن النار على المتظاهرين، وقتلت 100 شخص ورمت جثثهم في نهر النيل. ولحل الأزمة، قام الوسطاء بالضغط على قادة الاحتجاج للتنازل والسماح للجيش بإدارة البلاد مدة عامين، مقابل وعد بتسليم السلطة للمدنيين والسماح بتنظيم انتخابات عام 2022.

لكن قادة الجيش قاموا في 25 تشرين الأول/ أكتوبر ومع اقتراب موعد تسليم السلطة، بانقلاب عسكري. وربما كانوا قلقين مما سيحمله لهم المستقبل بعد خروجهم من السلطة والتحقيق بدورهم في الحرب الأهلية بالسودان. وعلى أي حال، فالسودان يعاني من ورطة، سواء خرج الجيش أم بقي في السلطة.

ولم يكن محكوما على تقاسم السلطة، رغم “قذارته” بالفشل، فقد أعطى القيادة المدنية عامين لبناء الثقة مع الجيش، من خلال العفو العام عن الجميع باستثناء من ارتكبوا جرائم خطيرة مقابل الكشف عنها، وهو مدخل نجح في جنوب أفريقيا بعد نهاية التمييز العنصري. وتم تضييع الفرصة.

وكان لدى المانحين الدوليين القدرة على تسهيل عملية التحول الديمقراطي في السودان بمساعدات أكثر وأسرع، ولكن الاقتصاد ظل ينكمش، مما غذى حس الأزمة التي استغلها الجيش. وقبل أيام من الانقلاب، حذر الدبلوماسيون الأجانب، الجنرالات من أي محاولة انقلابية، وهو ما يعطي صورة بأنهم لم يتعاملوا بجدية مع التهديدات الغربية.

وتعلق المجلة أن الانقلابات في أفريقيا عادت، ففي العام الماضي رأينا انقلابات ناجحة في تشاد وغينيا ومالي (التي شهدت انقلابا ثانيا هذا العام) وانقلابا فاشلا في مدغشقر وآخر في جمهورية أفريقيا الوسطى. وهي تحركات سيئة مثلما كانت قبل عقود. ولم تعد سياسة الاتحاد الأفريقي “لا انقلابات” التي تبناها في عام 2000، مهمة في الوقت الحالي.

وتعتقد المجلة أن وراء هذه الظاهرة -أي الانقلابات المتكررة- اتجاهان، الأول هو انتشار الجهادية، ففي عام 2012 عندما سيطر العسكر على السلطة في مالي، علق الاتحاد الأفريقي عضويتها بشكل سريع، وقامت المنظمة الاقتصادية لغرب أفريقيا (إكواس) بفرض عقوبات، وأوقفت الولايات المتحدة دعمها. لكن الجهاديين سيطروا على شمال البلاد.

ويبدو أن الاتحاد الأفريقي و”إكواس” تبنّيا سياسة تحذير الجنرالات علنا وتركهم في السلطة خشية أن يتأثر استقرار البلدان التي سيطروا عليها. ولسوء الحظ، فالحكومة التي لا تخشى من المحاسبة تحكم بطريقة سيئة وتغذي الظروف التي تزدهر فيها الحركات الجهادية. وعندما تفضل استقرارا قصيرا المدى على الديمقراطية، فإنك تنتهي خاسرا للإثنين.

أما التوجه الثاني، فهو التنافس على أفريقيا بين القوى الأجنبية، فقد حصلت الصين على أصدقاء كثر من خلال “سياسة عدم التدخل”. وتعزز روسيا من نفوذها عبر استئجار المرتزقة لحراسة الرؤساء وتدريب الجيوش. وتعرف القوى الغربية أنها لو شجبت انقلابا أو انتخابات مزيفة أو هددت بعقوبات، فهي خاسرة للصين وروسيا اللتان يهرع سفراؤهما إلى القصور الرئاسية عارضين على ساكنيها الخدمات من الدعم والقروض.

وتعتقد المجلة أن بناء توازن بين القيم وسياسة الواقع، أمر صعب، مع أن هناك مبدأين يمكنهما المساعدة. الأول، فرض خطوط حمراء والالتزام بها، والتأكيد على أنه لن يتم التسامح مع الإبادة وانتهاك حقوق الإنسان وجرائم الحرب وستواجه بعقوبات، حتى لو أدت إلى قطع العلاقات. أما الثاني، فهو عدم نسيان أن الأفارقة أنفسهم يريدون الديمقراطية أكثر من رغبة الغرب بتحققها، وعلى الغرب احترام هذه الرغبة، وكذا الدول الجارة للدول التي تحدث فيها انقلابات، والمشكلة أنه لو تم التسامح مع الانقلابات فسنرى مزيدا منها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول ابوعمر:

    الانقلاب أصل الارهاب…

  2. يقول تيسير خرما:

    بدول العرب منتسبوا أجهزة عسكرية وأمنية وأقرباؤهم وأصدقاؤهم يجاوز نصف السكان وبيئة الأعمال والصناعة والأغلبية الصامتة والأقليات تفضلهم على الفوضى، بالتالي لا يصل موقع مسؤولية أو يبقى فيها إلا من كان منهم أو مدعوماً منهم ويتسلحون عادةً بثقافة عربية إسلامية سمحة جامعة مع تمسك بهوية وطنية فتصبح معاداتهم بمثابة خيانة عظمى للوطن والأمة، والأجدى للغرب مراجعة سياساته وتعديل معاييره لتتعامل بمرونة مع تقاليد وأعراف كل شعب على حدى وتغيير مندوبيها الذين لا يحترمون ثقافة وكرامة وسيادة وملكية الشعوب الأصلية.

إشترك في قائمتنا البريدية