لندن – “القدس العربي”:
نشرت مجلة “إيكونوميست” تقريرا في عددها الأخير قالت فيه إن المشكلة أو اللغز بالنسبة للحكام الفاسدين في العراق كان دائما يتمثل في كيفية إخراج المليارات المسروقة من البلاد. فالبنوك الأجنبية تحذر من قبول تحويلات كبيرة من بغداد، كما أن نقل كميات من الأوراق النقدية عن طريق البر أمر محفوف بالمخاطر.
وأضافت المجلة أن الأكراد يراقبون الحدود مع تركيا عن كثب. وتقوم شركة جديدة بتفتيش الشحنات في مطار بغداد الدولي، ففي الأسابيع الأخيرة له كرئيس للوزراء، وافق مصطفى الكاظمي على استبدال الشركة الأمنية البريطانية (جي4 أس)، بشركة أخرى وهي “بزينس إنتل”، وهي شركة كندية ليس لديها خبرة معروفة في أمن المطارات. ويقول أحد موظفي المطار: “من السهل جدا الآن إدخال الأشياء وإخراجها. يتم تهريب مبالغ كبيرة من المال”.
وقالت المجلة إن العراق لطالما عانى من حكام جشعين، فقد تعامل صدام حسين مع موارد الدولة على أنها موارده الخاصة. ومنذ أن أطاحت به القوات الأمريكية عام 2003، ظلت الحكومات المتعاقبة تعاني من فساد مستشر. يأخذ المسؤولون عربونات ويقتطعون من العقود أو يوظفون عمالا وهميين ويضعون رواتبهم في جيوبهم.
ومع ذلك، من الصعب تجاوز السرقة المزعومة التي حدثت مؤخرا. منذ أيلول/ سبتمبر 2021 حيث تم السطو على الودائع الضريبية في البلاد بقيمة 3.7 تريليون دينار عراقي (2.5 مليار دولار)، وفقا لتحقيق أجرته وزارة المالية استشهد به رئيس الوزراء العراقي الجديد، محمد السوداني.
وتعلق المجلة أن فسادا على هذا النطاق يساعد في تفسير سبب عدم حصول الكثير من سكان العراق البالغ عددهم 41 مليون نسمة على إمدادات مياه أو كهرباء يمكنهم الاعتماد عليها، على الرغم من أن بلادهم هي ثاني أكبر منتج للنفط في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك).
على الورق، تم دفع الأموال التي تجمعها لجنة الضرائب إلى خمس شركات وهمية، بعضها أنشأها رجل الأعمال العراقي نور جاسم. ويعتقد المحققون أن الأموال تم توزيعها بعد ذلك على مجموعة متنوعة من السياسيين والمسؤولين الذين يطالبون بأموال مقابل سكوتهم والرشاوى لتسهيل عملية الاحتيال وإفشال التحقيقات.
وكانت هذه الكميات المتداولة سببا في ضعف الدينار مقابل الدولار، في حين ارتفعت أسعار العقارات في الأحياء الراقية ببغداد وفشل النواب والناس في مكتب رئيس الوزراء آنذاك في دق ناقوس الخطر.
وكتب علي علاوي بعد استقالته من منصب وزير المالية في آب/ أغسطس احتجاجا على مناورات الحكومة المخادعة: “تعمل شبكات سرية واسعة من كبار المسؤولين ورجال الأعمال والسياسيين الفاسدين في الظل.. ويسحبون حرفيا مليارات الدولارات من الخزينة العامة”.
ومنذ تركه منصبه، يعتقد أن الكاظمي انتقل إلى أوروبا ونفى هو والمسؤولون في مكتبه ارتكاب أي مخالفات.
وقد تعهد السوداني، أول رئيس وزراء عراقي يعيش في العراق بشكل مستمر منذ الغزو الأمريكي عام 2003، بالقضاء على الفساد. يعتقد أحد المحققين، الذي يشك في أنه سيتم الكشف عن المزيد من الشركات الوهمية، أن ما بين ثلث وربع الميزانية الحكومية للعام الماضي البالغة 92 مليار دولار قد ضلت طريقها.
في الشهر الماضي، تحدث السوداني على شاشة التلفزيون بين كومين من الأوراق النقدية المكدسة بارتفاع يصل إلى طوله، والتي استردت من جاسم بينما كان يستعد للسفر من بغداد على متن طائرة خاصة.
وقد وعد السوداني باسترداد الأموال المتبقية. ويقول مستشاروه إنه سيسعى إلى إعادة المسؤولين السابقين المشتبه في تورطهم بالفساد الموجودين الآن في الخارج، بمن فيهم الذين يعيشون في أمريكا.
وبعد ستة أسابيع في منصبه، قيل إنه قام بتطهير حوالي 900 مسؤول، بمن فيهم موظفو الخدمة المدنية وضباط الأمن. يقول أصدقاء الكاظمي إن السوداني يسعى إلى إحكام قبضته على مكتبه من خلال إلقاء مزاعم الفساد على دائرة سلفه.
ومع ذلك فهناك قلة تعتقد أن هذا سيوقف العفن، مضيفة أن شرعية حكومة السوداني الجديدة قابلة للنقاش، لأنها تتكون من الفصائل التي خسرت الانتخابات العامة في تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي وتضم العديد من الجماعات التي قدمت الدعم للحكومة السابقة. نفس النواب الذين صوتوا لتأييد السوداني كرئيس للوزراء صوتوا أيضا على عزل خليفة علاوي كوزير للمالية بالوكالة عندما سعى لنشر نتائج التحقيق في سرقة عائدات الضرائب.
كما أطلق السوداني شركة ممولة من الدولة لإدارة المشاريع الحكومية، تدار من قبل مجموعة من الميليشيات الشيعية الموالية لإيران والمعروفة باسم الحشد الشعبي، والتي تسيطر أجنحتها السياسية على تحالف السوداني. وبعد المساعدة في هزيمة جهاديي الدولة الإسلامية، الذين احتلوا مساحات شاسعة من العراق وسوريا في 2014، يصر الحشد على أن مهمته هي إعادة بناء العراق.
وسمح لهذه الميليشيات بإنشاء شركة تجارية خاصة بها حيث أطلقوا عليها اسم “المهندس”، نسبة إلى نائب قائد الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس الذي قتل على يد الأمريكيين في غارة جوية بطائرة مسيرة على مطار بغداد عام 2020، إلى جانب قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني.
بعد أن انتصروا في المعارك بين الفصائل في العراق على السياسة والأمن، يأمل قادة الحشد الشعبي في بسط نفوذهم على جزء كبير من الاقتصاد، بما في ذلك صناعة النفط والإنشاءات مثلما فعلت الحكومة الإيرانية في إيران. “المهندس” عازمة على الفوز بسلسلة من العقود الحكومية الضخمة. يقول محمد كوبرلي، المحامي المقيم في بغداد: “سيقتل ما تبقى من القطاع الخاص”. يخشى البعض من أن الشركة الجديدة ستربط اقتصاد العراق بشكل أوثق بالاقتصاد الإيراني.
ويشك البعض الآخر في أنها ستكون فعالة. يقول مسؤول سابق: “سيكون مجرد صندوق مجنون آخر للفساد”.
يبدو أن السوداني متردد في السماح للتحقيق في الاحتيال الضريبي الضخم بالامتداد إلى المستويات العليا في حكومته. تم الإفراج عن جاسم بكفالة في عهده ويعتقد أنه فر إلى الخارج. تم تعيين العديد من مسؤولي مصلحة الضرائب الذين أشرفوا على عمليات النقل من قبل حزب بدر، وهو حزب موال لإيران في طليعة الائتلاف الحاكم بزعامة السوداني، ومع ذلك لم يتم توجيه اتهامات لأي منهم حتى الآن. مسؤول سابق يشك في صدق رئيس الوزراء الجديد ويقول: “لا يمكنهم متابعة الخيوط لأن المنزل بأكمله سينهار”.
ولكن الطامة الكبرى والاكثر افتضاحا في التواطئ الحكومي مع نور جاسم تجسدت واقعا بعد القاء القبض عليه وايداعه في السجن حيث تم اطلاق سراحه بكفالة من قبل القضاء العراقي الذي يبدو انه مسيس وغير مستقل في قراراته القضائية وفي احكامه العقابية وانما يتوافق بها لا يقبل الشك مع رغبات وطموحات واهداف الذين يسيسونه ولذلك فهو متواطئ بكل ما يصدر عنه من احكام مع طاقم المسؤولين الحكومين الفاسدين المشتركين في هذه اللعبة الحقيرة وما سبقها من سرقات للاموال العامة من قبل كبار وصغار المسؤولين العراقيين الذين يسطيرون على مواقع السلطة منذ العام 2003م الى اليوم والذين لن يتخلوا عنها مهما كلف الامر والذين دفعوا بحياة الشعب العراقي رغم ايرادات الثروة النفطية العراقية الضخمة الى مستويات معيشية فقيرة غاية الفقر اضافة الى ارهاق كاهل الشعب العراقي بالضرائب الباهضة0
هؤلاء المسؤولون الفاسدون الذين قال عنهم زير المالية المستقيل علي علاوي :- ( تعمل شبكات سرية واسعة من كبار المسؤولين ورجال الأعمال والسياسيين الفاسدين في الظل.. ويسحبون حرفيا مليارات الدولارات من الخزينة العامة ) قد سهلوا امر نور ليغادر العراق مع العلم ان القانون العراقي لا يسمح لمن اطلق سراحه بكفالة بمغادرة العراق لان ادانته بالقضية لا زالت سارية المفعول وفق اقانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي وهذا وجه آخر من وجوه الفساد الذي ليس معه شيئ مستحيل حتى ولو كان خارج على القانون ويض بمصلحة الوطن والشعب الغلوب على امره بالقرارات الجائرة والتي آخرها قانون جرائم المعلماتية وسلاح الميليشيات 0
ان استرجاع بعض الاموال من اصول الضرائب المسروقة واطلاق سراح السارق بكفالة وهروبه الى خارج العراق ينطبق عليه المثل الشعبي العراقي الذي ذكرته قبل قليل : ( قبضنا على المقتول والقاتل هرب ) فهذا المثل يتهم الشرطة بانها سهلت للقاتل امر الهروب من خلال صرف النظر عنه وعدم متابعته وهذا سلوك حكومي مشابه حرفيا قامت به الحكومة باتخاذ اجراءات سهلت فيها اخلاء سبيل المجرم وفسحت الطريق امامه