لندن- “القدس العربي”: نشرت مجلة “إيكونوميست” تقريرا بعنوان: “جاء الربيع لبشار: الديكتاتور السوري المنبوذ يعود إلى العالم العربي”، قالت فيه إن استقبال الرئيس السوري في الإمارات دليل على تراجع التأثير الأمريكي “ولعدة مرات كان بشار يبحث عن جواز سفره. فالديكتاتور السوري كان محاصرا في بلده منذ عام 2011، عندما قرر سحق التظاهرات السلمية التي طالبت بالإصلاح السلمي. وعندما تحولت المطالب المدنية إلى حرب أهلية، أصبح منبوذا. وكانت رحلاته الخارجية القليلة مقيدة بروسيا وإيران حلفاء الحرب الذين يدين لهم بنجاته”.
ولكن الأسد خرج في 18 آذار/ مارس من عزلته وهبط في الإمارات بزيارة تشبه أي زيارة يقوم بها رئيس دولة، فقد كان هناك حرس شرف في استقباله، ولقاءات مع الشخصيات الكبيرة. ونشر الإعلام الإماراتي صورا للأسد مع الشيخ محمد بن زايد، ولي عهد أبو ظبي، والحاكم الفعلي للبلاد، ومحمد بن راشد آل مكتوم، حاكم دبي.
وتعلق المجلة أن زيارة الأسد إلى دولة عربية منذ عام 2011 كانت متوقعة وصادمة، لأن الإمارات قضت السنوات السابقة وهي تقوم بمحاولات تقارب معه. ففي عام 2018 أعادت فتح سفارتها في سوريا، التي أُغلقت مثل بقية السفارات في الأيام الأولى للثورة. وسافر وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد إلى دمشق والتقى مع الأسد. وكان الإماراتيون أقل رغبة من غيرهم برمي بشار من النافذة، فقد خافوا أن تغييرا للنظام في دمشق سيمنح الإسلاميين فرصة للعودة إلى السلطة.
الإمارات ترى أن عزل الأسد لم ينجح. جعله منبوذا لم يفشل فقط بل زاد من اعتماده على إيران
والصادم في الزيارة هو التوقيت. فتاريخ 18 آذار/ مارس كان الذكرى الـ 11 للتظاهرات الأولى في مدينة درعا جنوبي سوريا، وهو تاريخ يراه السوريون بداية لانتفاضتهم. والرمزية في التوقيت لم تفت الكثيرين. وجاءت الزيارة في وقت شنت فيه روسيا حربا ضد أوكرانيا، مستخدمة نفس الأساليب التي جربتها في المدن السورية لدعم نجاة الأسد. وكانت سوريا واحدة من خمس دول صوتت ضد قرار في الأمم المتحدة يشجب الغزو الروسي.
وتقول المجلة إن الإمارات ترى أن عزل الأسد لم ينجح. جعله منبوذا لم يفشل فقط بل زاد من اعتماده على إيران. وكانت روسيا حاجزا ضد التأثير الإيراني في سوريا، لكنها انخرطت في حرب جديدة في أوكرانيا، وتعاني من عقوبات قاسية، وسيتراجع تأثيرها.
ويجادل الإماراتيون (ودول عربية أخرى) أنه يجب عليهم ملء الفراغ. ويرى مسؤول في السياسة الخارجية: “تغيرت التضاريس، وعلينا التكيف مع التضاريس الجديدة”. ودعت الإمارات لإعادة مقعد سوريا في الجامعة العربية، حيث عُلقت عضويتها في عام 2011. إلا أن الدول الغربية غير راضية، ولم تتغير سياستها الرامية لعزل الأسد والذي قتلت حربه أكثر من نصف مليون تقريبا وشردت 13 مليونا.
وعندما سئل الإماراتيون عن استقبالهم للأسد وأنهم يعززون من قوته، ردوا بسلسلة من مظاهر الفشل الغربي، مثل تراجع باراك أوباما عن خطه الأحمر ضد بشار الأسد إذا استخدم السلاح الكيماوي عام 2013، كما أن بقاءه في السلطة هو في النهاية جاء نتيجة للسياسة الغربية. والاتهامات ليست بدون قيمة أو جدوى، فالحكومات الغربية دعت لسقوط الأسد عام 2011، لكن دعمها للمتمردين الذين كانوا يحاولون التخلص من الأسد ظل مترددا.
ولم تؤد العقوبات المؤلمة التي فرضتها الولايات المتحدة وأوروبا على الديكتاتور لتغيير سلوكه. ويناقش عدد من معارضي النظام، أن العقوبات زادت من معاناة الناس. وتعلق المجلة أن الإماراتيين فسروا بدقة سبب استقبالهم للأسد، لكنهم لم يقدموا تفسيرا واضحا عما يمكن تحقيقه من الزيارة. فهو يريد تجارة وإعادة بناء بلاده المحطمة. فسوريا تبدو مثل مكان رهيب للاستثمار، لكن هناك بعض المشاريع قد تكون مربحة، فشركة موانئ دبي العملاقة راغبة بالاستثمار في طرطوس على البحر الأبيض المتوسط، المنطقة الهادئة من سوريا.
وسواء اشترى الإماراتيون موافقة الأسد، فإنه مثل والده الذي حكم ما بين 1971 -2000، ماهر في استخدام ورقة إيران والدول العربية. ونظام الأسد ليس لديه مودة تجاه دول الخليج، فقد وصفهم مرة بأنهم “أشباه رجال” لفشلهم في دعم حزب الله اللبناني في حربه ضد إسرائيل عام 2006. ولا يوجد ما يدعو للثقة أن مال الإعمار والمساعدات ستدفع الأسد إلى رمي حُماته الإيرانيين أو أن سوريا الديكتاتورية والفاسدة ستكون عامل استقرار وخير للمنطقة.
وفي الماضي، كان من الصعب تخيل دول الخليج تتصرف بطريقة لا ترضي أمريكا، فهذه محبطة من الولايات المتحدة، لأنها تريد ترك المنطقة، فهناك عشرات الآلاف من الجنود الأمريكيين في العراق وسوريا ودول الخليج. وبعد إطلاق المتمردين الذين تدعمهم إيران صواريخ باتجاه الإمارات، قامت واشنطن بإرسال سرب من مقاتلات إف-22 والمدمرة الأمريكية “يو أس أس كول” إلى الخليج.
وأمريكا ليست غائبة، ولكن سياستها غير متماسكة، وتريد نهاية الأسد، لكنها سمحت له بالبقاء. كما أن سياستها من إيران تتغير في كل عام. وتعهد جو بايدن بجعل السعودية دولة منبوذة حتى احتاج إليها لكي يخفض من أسعار النفط. ورفض وليّا العهد السعودي والإماراتي تلقي مكالماته.
وتعتقد الإمارات أنها ليست بحاجة لاتباع خط الولايات المتحدة عندما تبدو متعرجة. وبعد أيام من استقباله الديكتاتور السوري، سافر محمد بن زايد إلى شرم الشيخ في مصر والتقى زعيمي مصر وإسرائيل في قمة ثلاثية. وتمت مناقشة كل شيء من أسعار الطعام إلى الملف النووي الإيراني. والمشاركون الثلاثة هم من حلفاء أمريكا، لكنهم يختلفون معها بشكل كبير. وسوريا هي مثال، فقد أعاد عبد الفتاح السيسي العلاقة مع دمشق وبعد وصوله إلى السلطة عام 2014. وعارض عدد من المسؤولين الأمنيين في إسرائيل الإطاحة بالأسد، خشية ظهور دولة فاشلة على حدود إسرائيل. وقد تشتكي أمريكا من مواقفهم تجاه سوريا، لكن أحدا منهم لا يريدون الاستماع إليها.
بكل أسف النظام السياسي العربي وسياسة الأنظمة العربية عمومًا هي مجرد مهزلة بحق الشعوب العربية! ولهذا هي سياسة متخبطة لاتهتم إلا بالحفاظ على السلطة، لأنها لاتملك أي ثقة بنفسها كونها أنظمة متسلطة استبدادية يأكلها أو بنخر بها الخوف على فقدان السلطة.