إيكونوميست: من إيران إلى سوريا وباسيل.. عقوبات ترامب غير ناجعة

إبراهيم درويش
حجم الخط
1

لندن – “القدس العربي”: نشرت مجلة “إيكونوميست” تقريرا قالت فيه إن سياسة فرض العقوبات إلي انتهجتها إدارة دونالد ترامب في الشرق الأوسط لم تترك إلا أثرا قليلا. وأشارت في هذا السياق إلى العقوبات التي فرضتها على زعيم التيار الوطني الحر ووزير الخارجية اللبناني السابق جبران باسيل. وقالت: “ربما كان عليه أن يتسوق أكثر في آخر رحلة له إلى نيويورك”.

سياسة فرض العقوبات إلي انتهجتها إدارة دونالد ترامب في الشرق الأوسط لم تترك إلا أثرا قليلا.

ففي الخريف الماضي كان جبران باسيل وزير خارجية بلاده وطمح لأن يكون الرئيس المقبل. وفي رحلة بأيلول/سبتمبر زار ويست بوينت، الأكاديمية العسكرية، حيث شجب الفساد الذي أفلس لبنان. و”قد لا يكون باسيل قادرا على العودة مرة ثانية لأن أمريكا وضعته على القائمة السوداء لفساده المزعوم”.
وكانت العقوبات التي فرضت عليه في 6 تشرين الثاني/نوفمبر هي أعلى العقوبات التي يتم فرضها على مسؤول لبناني بارز. لكن ليس من الواضح ما تريد إدارة ترامب تحقيقه من هذه العقوبات أكثر من تعقيد جهود تشكيل الحكومة اللبنانية في مرحلة ما بعد الانفجار الهائل الذي ضرب مرفأ بيروت في آب/أغسطس. وقدم المسؤولون الأمريكيون تفسيرات متناقضة وراء منطق العقوبات والتي تعكس عدم التماسك في السياسة الخارجية القائمة على العقوبات.

العقوبات لم تؤد إلى تغيير سياسي حقيقي. فلم تجبر إيران على وقف دعمها الميليشيات المسلحة ولم تقنع الديكتاتور السوري بشار الأسد وقف قصفه لشعبه.

وفي السنوات الثلاث الأولى لترامب في البيت الأبيض أضافت وزارة الخزانة الأمريكية ما معدله 1.070 اسما كل عام على قائمة العقوبات الرئيسية، مقارنة مع 533 في ظل إدارة باراك أوباما و435 في ظل إدارة جورج دبليو بوش. ونسبة 20% من قائمة 8.600 من الأسماء مرتبطة بإيران والدول العربية الأخرى الأربع التي تمارس عليها تأثيرا وهي العراق ولبنان وسوريا واليمن. وحققت سياسة أقصى العقوبات التي انتهجها ترامب نوعا من النجاح التكتيكي. ففي نيسان/إبريل تراجع إنتاج النفط الإيراني إلى 70.000 برميل في اليوم مقارنة مع 2.5 مليون برميل قبل ذلك بعامين. وخسر الريال الإيراني نسبة 85% من قيمته، مع أن المعاناة الاقتصادية التي جلبتها العقوبات لم تؤد إلى تغيير سياسي حقيقي. فلم تجبر إيران على وقف دعمها الميليشيات المسلحة ولم تقنع الديكتاتور السوري بشار الأسد وقف قصفه لشعبه. وعادة ما تكون العقوبات وسيلة مغرية للرؤساء، فهي ليست مكلفة وغير دموية وبيد الجهاز التنفيذي ولكنها لا تحقق الغرض منها في غالب الأحيان. وفي بعض الأحيان قد تكون فعالة لو كانت واسعة وتحظى بدعم دولي وتحتوي على أغراض يمكن تحقيقها، كعقوبات على شركات، أفراد أو حظر السفر. فالعقوبات التي دعمتها عدة أطراف ضد إيران قادت إلى الاتفاقية النووية في 2015 والتي حدت من نشاطاتها النووية.

وأدت العقوبات على شركة روسال الروسية العملاقة للألمنيوم إلى تخلي النخبة المقربة من الكرملين عن إدارتها. ولكن استراتيجية ترامب القائمة على أقسى ضغط لا تفي بأي من هذه المعايير. ومنذ البداية كانت عقوباته من طرف واحد وبعضها بدأ بالترنح. فقد زاد إنتاج النفط الإيراني من مستواه المتدني في نيسان/إبريل إلى مليون برميل في اليوم هذا الخريف، حيث تحدت دول مثل الصين العقوبة الأمريكية وحصلت على النفط الإيراني بأسعار مخفضة. وفي الأسابيع الأخيرة من إدارته فإنها تناقش تصنيف جماعة الحوثي في اليمن كجماعة إرهابية، ويعني هذا قطع الدعم المالي عنها، لكن الحوثيين ليست لديهم مصادر دخل شرعية كثيرة تستطيع إدارة ترامب الحجز عليها. ذلك أن مصادر المال لدى الجماعة تأتي من التهريب والابتزاز.

ولا يشتري قادة الحركة شققا سكنية في ميامي أو يستثمرون أموالهم في وول ستريت. فالعقوبات على الحوثيين لن تكون أكثر من رمزية ولكنها ستترك تداعيات على اليمنيين. فنسبة 80% من سكان اليمن بحاجة لمساعدات إنسانية. ولأن الحوثيين يسيطرون على مناطق واسعة من البلاد وعلى وكالات الإغاثة التعامل معهم لتوزيع الدواء والغذاء على المحتاجين، فإن العقوبات ستجعل من عمليات الإغاثة صعبة. ويلوم الأسد العقوبات بأنها سبب في إعاقة إعمار بلاده التي دمرتها الحرب. وهي ذريعة مضحكة لأن المعوق الوحيد هو النظام السوري الذي قصف المستشفيات واستخدم الغاز ضد المدنيين. ولكن العقوبات تركت أثرا لا ينكر. وحتى يتجنب الأسد العقوبات عليه وقف هجماته ضد المدنيين ويطلق سراح المدنيين ويحاسب المسؤولين عن جرائم الحرب. وبعد انتصاره على جماعات المعارضة فمن غير الوارد أن يوافق على هذا، خاصة الطلب الأخير الذي سيجبره على تقديم أفراد نظامه للمحاكمة.

وهناك من يرى أن هذا نهج سليم “كسرتها فعليك شراؤها” والأسد اختار تدمير بلده ويتحمل مسؤولية إعادة بنائه، وهذا يعني أن العقوبات هي إجراءات عقابية وأن المعاناة الاقتصادية ستصيب في النهاية الناس العاديين وليس النظام. كما أن ترامب كان انتقائيا في عقوباته، فقد رفض معاقبة تركيا التي اشترت نظاما صاروخيا من روسيا. ولم يعاقب مصر على انتهاكات حقوق الإنسان التي سجنت هذا الشهر رموزا في مجال الدفاع عن الحقوق الشخصية في مصر. والعقوبات على باسيل مفيدة، فهناك قلة من اللبنانيين عبروا عن غضب من القرار، حيث ينظر إليه كمتغطرس وكمخول بعمل ما يريد لأن صهره هو الرئيس ميشيل عون.

وكان باسيل مصدر الغضب أثناء الاحتجاجات الشعبية العام الماضي. وتشمل قائمة التهم الأمريكية فسادا ارتكبه أثناء إدارته وزارة الطاقة، وهو ما ينفيه. لكن باسيل ليس هو السياسي الوحيد المتهم بالفساد، ونهب الدولة هو سياسة يتفق عليه كل قادة الفصائل السياسية اللبنانية. وحتى هذا الوقت لاحق الأمريكيون أفرادا على صلة مع الجماعة الشيعية، حزب الله. ورفض مسؤول كبير فرض عقوبات على “رجالنا”. وقالت السفيرة الأمريكية في بيروت دوروثي شيا إن باسيل عرض قطع علاقاته مع حزب الله وبناء على شروط. والمعنى هو أن الساسة الفاسدين يستحقون العقوبة في حالة تعاملوا مع الشركاء الخطأ. ويقول المدافعون عن سياسة ترامب إنها تحتاج لوقت كي تعمل وهو نقاش من المستحيل نفيه. وسيغادر ترامب مكتبه ولا يزال تأثير إيران كما هو وسرعت من برنامجها النووي. وفي النهاية قد تكون العقوبات أداة في السياسة الخارجية لكن يجب أن تكون الوحيدة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول زكرياء:

    المسيحي المتعصب يفرذ عقوبة على المسلم كي لا يقتل أخاه. ويجبر الاخر على الصلح مع أخيه وإزالة الحصار. اي زمن هاذا. لم أعد افهم شيء

إشترك في قائمتنا البريدية