إيكونوميست: نصر الله قد يكون قادرا على هزيمة أعدائه لكنه لن يمنع انهيار لبنان

إبراهيم درويش
حجم الخط
1

لندن- “القدس العربي”: تحت عنوان “السبر العميق.. كيف أدى تحقيق إلى معركة بالأسلحة النارية في لبنان؟” نشرت مجلة “إيكونوميست” تعليقا على أحداث الأسبوع الماضي في بيروت بسبب الخلاف على التحقيق في انفجار مرفأ بيروت الضخم العام الماضي، وهو تحقيق لا يريد معظم ساسة لبنان اكتماله أو الكشف عن أسبابه.

وعلقت المجلة على خطاب الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله الذي ألقى كلمة كان من المفترض أنها في ذكرى مناسبة دينية إسلامية، لكنه خصص الجزء الأكبر منها للهجوم على السياسي المسيحي سمير جعجع، و”مع أنه لم يكن هناك ما يدعو على الاحتفال، فقد كان زعيم حزب الله السياسي ذي الجناح العسكري يتحدث في 18 تشرين الأول/ أكتوبر وبعد أربعة أيام من معركة استمرت لساعات في بيروت وقتل فيها سبعة أشخاص. وكانت أسوأ معارك عنف شوارع في لبنان منذ عام 2008، وحمل نصر الله جعجع المسؤولية”.

 وحسب رواية نصر الله، فقد كان حزب القوات اللبنانية بزعامة جعجع يحاول إشعال حرب أهلية. وأضاف أن حزب الله لديه 100 ألف مقاتل مدربون للحرب، وهو زعم من الصعب التأكد منه، ولكنه مبالغ فيه على أكبر احتمال. وكان التحذير واضحا “لا تسيئوا التقدير.. وكونوا حكماء وراقبوا سلوككم”.

وجاءت عملية القتل في 14 تشرين الأول/ أكتوبر خلال احتجاج تركز ضد المحقق القاضي طارق بيطار، الذي يتولى التحقيق في الانفجار الضخم ببيروت قبل عام.  ويقول حزب الله وحركة أمل التي دعمت الاحتجاج، إن قناصة أطلقوا النار وتسببوا بالقتل. ونفت القوات اللبنانية أي دور. وفي الوقت نفسه، أظهرت كاميرات مراقبة جنديا لبنانيا وهو يطلق النار على المتظاهرين، حيث يقوم الجيش بالتحقيق.

لكن إطلاق النار أعاد الكثير من اللبنانيين إلى الحرب الأهلية التي استمرت 15 عاما وانتهت عام 1990. فقد قضى حزب الله وحركة أمل أشهرا من الضغط السياسي والقانوني لعرقلة التحقيق، واليوم بات منظور العنف يخيم عليه. ولا يجادل أحد أن بيطار يقوم بأصعب مهمة في لبنان. فالانفجار الذي ضرب المرفأ في آب/ أغسطس 2020، هو أضخم انفجار غير نووي في التاريخ، وقتل فيه 218 شخصا ودمر معظم مركز العاصمة بيروت.

وكان السبب هو اشتعال وانفجار 2.750 طنا من نترات الأمونيوم المخزنة في عنبر بالمرفأ منذ عام 2013، وتعرضت للإهمال طوال السنوات هذه. وكان معظم الساسة في لبنان على علم بالمادة المخزنة ولم يفعلوا أي شيء للتأكد من سلامتها. وهذا هو سبب ترددهم في دعم التحقيق. ويقول الرئيس اللبناني ميشيل عون، إنه يدعم القاضي بيطار ولكنه منعه من مقابلة طوني صليبا، المدير العام للأمن اللبناني (مسيحي مثل الرئيس). أما حسان دياب الذي كان رئيس وزراء وقت الانفجار، فقد تجاهل الاستدعاءات للتحقيق وأسرع بالسفر إلى أمريكا.

لكن حزب الله وحركة أمل هما أكثر طرفين في لبنان حاولا تخريب التحقيق. ودعا نصر الله القاضي بيطار للتنحي واتهمه بالتحيز. وقالت صحافية لبنانية إن وفيق صفا، رئيس الأمن في حزب الله، حمّلها رسالة إلى بيطار مفادها: “واصلة معنا منك للمنخار، رح نمشي معك للآخر بالمسار القانوني وإذا ما مشى الحال رح نقبعك” أي “سنمضي معك بالطرق القانونية وإن لم تنفع فسنزيحك بالقوة”.

وقام وزراء سابقون عن حركة أمل بتقديم شكوى قانونية ضد بيطار (رُفضت لاحقا) دعوا فيها لعزله. وطالما دعمت عائلات الضحايا القاضي بيطار، إلا أن المتحدث وممثل العائلات إبراهيم حطيط أصدر بعد أيام من المواجهات المسلحة تسجيل فيديو غريبا، دعا فيه لعزل بيطار وشجب “التدخل الأمريكي” في التحقيق.

وناقض حطيط نفسه وما صدر عنه من تصريحات سابقة. ويرى الكثير من اللبنانيين أنه أجبر على البيان، ولاحظوا لفتاته أثناء التصوير لشخص في الغرفة معه. ورفض رئيس الوزراء نجيب ميقاتي عقد اجتماع لحكومته التي تضم وزراء من أمل وحزب الله إلا في حالة تم التوصل لحل الخلاف.

وتولى ميقاتي منصبه في أيلول/سبتمبر بعد عام ظل فيه لبنان بدون حكومة، وحاول سياسيان قبله تشكيل الحكومة بدون أي نجاح، وقضى دياب معظم فترة كرئيس ضعيف لحكومة تصريف الأعمال.

ويواجه لبنان أزمة اقتصادية ومالية صنفها البنك الدولي كواحدة من أسوأ الأزمات المالية منذ منتصف القرن التاسع عشر. وتراجع الاقتصاد في العام الماضي بنسبة 25%. والليرة اللبنانية التي كانت تباع أمام الدولار بـ1.500 ليرة للدولار بات تباع بـ21.000 ليرة للدولار. وتجاوز التضخم نسبة 100%.

ويتوقع أن يتفاوض ميقاتي مع صندوق النقد الدولي على حزمة إنقاذ وأمامه مهام أخرى، ولم يعد أمامه وقت طويل، وكان من المقرر أن تعقد الانتخابات البرلمانية في أيار/مايو العام المقبل، إلا أن البرلمان صوّت في 19 تشرين الأول/أكتوبر لتقديم موعدها إلى آذار/مارس وذلك لتجنب الحملات الانتخابية أثناء رمضان. كل هذا سيؤدي لتشدد في المواقف، وسيحاول جعجع استخدام دعمه لبيطار لتوسيع قاعدة الدعم له بين المسيحيين الذين كانوا الأكثر تضررا من الانفجار.

وترى المجلة أن العودة للحرب الأهلية من جديد لا منطق لها، فحزب الله الطرف الأقوى في اللعبة ومجهز عسكريا أحسن من الجيش، ويفتقد أعداؤه القوة لمواجهته. وإن لم يكن هناك احتمال للحرب، فالاستقرار غير محتمل، فقد هرب آلاف من الجنود الجيش بعدما هبط راتبهم الشهري إلى 60 دولار نظرا لخسارة الليرة قدرتها الشرائية. وأدت الأزمة لخلق أعداد كبيرة من العاطلين الشباب عن العمل والغاضبين في نفس الوقت.

وقد يكون نصر الله واثقا من الدفاع عن حزبه ضد أعدائه وأمراء الحرب. ولو لم توقف الحكومة انهيار لبنان -والذي يعقد وضعه كل من حزب الله وأمل- فلن يكون هناك أمل بتحقيق السلام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول فلان الفلاني:

    أظن أن ضعف لبنان قوة لحزب الله

إشترك في قائمتنا البريدية