الناصرة- “القدس العربي”: بعد الضربة الصاروخية الإيرانية، تستعد إسرائيل للقيام بهجمة مرتدة، والسؤال ليس هل، بل متى وكيف، خاصة أن رئيس حكومتها نتنياهو ألزم نفسه من قبل عدة مرات بذلك بمقولته المتكررة: “سنضرب من يضربنا”. وليلة أمس، عاد وأكد ذلك ضمن كلمة متلفزة ضمّنَها تبريراً لذلك بقوله: “تعرّضنا لهجمتين هما الأكبر في التاريخ… من حقنا ومن واجبنا الرد، وهكذا سنفعل”.
وسبقه الناطق العسكري هغاري بمسعى تبرير الرد الإسرائيلي باعترافه بوقوع أضرار جسيمة في مطارين عسكريين دون إصابة الطائرات.
وبخلاف ما كان حيال الحرب على غزة، وقضية المحتجزين، تبدو إسرائيل، اليوم، متوافقة داخلياً، فالمستويان السياسي والعسكري منسجمان حيال سؤال الضربة المضادة لإيران رداً قوياً، والسؤال الآن ليس هل تضرب، بل متى وكيف، وفي المقابل؛ تحذر أوساط أخرى، أبرزها رئيس حكومة الاحتلال السابق إيهود براك، من عدم قدرة إسرائيل (وأمريكا) على تدمير المشروع النووي لأسباب تقنية.
براك: اعتبارات إيران مركبة، بعضها يرتبط بالكرامة القومية، وبالاعتبارات السياسية وحسابات الثمن والنتيجة لكل عملية. ومن الصعب معرفة حقيقة موقف إيران، لكن إسرائيل ملزمة بالرد
وتعكس مضامين الصحافة العبرية، اليوم الأحد، إجماعاً في إسرائيل على ضرورة الرد على هجمة إيران الصاروخية، ويبدو مردّ ذلك ليس الانتقام فحسب، إذ هناك اعتراف بأن الأخيرة تختلف عن “ليلة المسيّرات”، وأنه لا بدّ من ترميم الهيبة وقوة الردع المتضررة، وإنتاج ميزان الرعب من جديد.
كذلك هناك أوساط واسعة في إسرائيل ترى بأن الضربة الجوية تمنح إسرائيل فرصة “تاريخية” لاستهداف مشروعها النووي، خاصة أنها تملك الآن شرعية دولية أكبر لذلك، وأن “حزب الله” في حالة نزيف، ولا يستطيع ردع إسرائيل بقوة نارية كبيرة من استهداف إيران بقوة.
وفي الحاجة إلى “ردّ قوي”، تتطابق مصالح إسرائيل هنا مع حسابات واحتياجات رئيس حكومتها نتنياهو، الذي عرض نفسه طيلة عقود كـ “سيّد الأمن”، وطرح إيران كتهديد هو الأعظم على إسرائيل التي تعرّضت لصواريخ نالت من هيبتها وصورتها، ما يضعه شخصياً في الامتحان. كذلك هو نتنياهو الراغب بمحاولة تحقيق مكسب كبير والظفر بـ “رأس كليب” يعود به للإسرائيليين تعويضاً عن عاره شخصياً، وعار حكومته في السابع من أكتوبر 2023، أو على الأقل توجيه ضربة موجعة لإيران تشفي غليل الإسرائيليين، خاصة أنه يتعرّض لمزاودات من خصومه السياسيين (نفتالي بنيت وأفيغدور ليبرمان)، وفي نفس الوقت تبقي النار مشتعلة أكثر، استبعاداً للجنة تحقيق رسمية، وللبقاء في الحكم وفي التاريخ، وهي حسابات دفعته من قبل لرفض تسويات مع “حماس” و”حزب الله” في غزة ولبنان. بيد أن السؤال كيف ترد إسرائيل دون تسديدها ثمن يربكها، ودون أن يعود ذلك كيداً مرتداً عليها وعليه؟
موقف واشنطن
نتنياهو، الذي رغب باستدراج الولايات المتحدة نحو ضرب منشآت إيران النووية، من المرجّح أنه يسعى خلسة، منذ أيام، لإقناعها بالمشاركة الآن بذلك، نظراً لحاجة إسرائيل لها عملياتياً، لوجستياً واستخباراتياً، في مثل هذه الضربة على بلد واسع كإيران، خاصة أن منشآتها النووية محصّنة.
بيد أن حسابات الإدارة الأمريكية في هذه المرحلة الدقيقة، قبيل انتخابات الرئاسة بشهر واحد، مختلفة عن حسابات إسرائيل ونتنياهو، فالبيت الأبيض يرى بتوسيع النار في الشرق الأوسط خلطاً خطيراً للأوراق، وتهديداً لمصالح أمريكية في المنطقة، خاصة في الخليج، ويخشى أن يؤدي التصعيد لتراجع حظوط مرشحة الديموقراطيين في السباق للرئاسة، كامالا هاريس، لا سيّما إذا ما ارتفع سعر المحروقات، وسدد المواطن الأمريكي ثمنه. ولذا تبدو الإدارة الأمريكية في حالة التباس من هذه الناحية، فهي تواصل مساعيها لمنع التصعيد أكثر، كما يتجلى في تصريحات بايدن المعارِضة لاستهداف المنشآت النفطية والنووية من جهة، ومن جهة أخرى تسعى لعدم منح نتنياهو فرصة لاستعدائه، وتأكيدها حق إسرائيل بالدفاع عن نفسها من خلال حملة برية محدودة في لبنان، وهجمة ضد إيران تريدها “مهضومة” تستطيع إيران احتوائها.
وفق تسريبات وتحليلات إسرائيلية كثيرة، في السنوات الماضية، فإن إسرائيل عاجزة عن ضرب المفاعلات النووية في إيران لوحدها، ويبدو أن هذا صحيح اليوم، لكن ذلك لن يردع نتنياهو عن القيام بضرب منشآت نفطية ومعسكرات للجيش، وربما اغتيال بعض قادتها، ومن غير المستبعد قيامه بالمغامرة باستهداف منشأة، أو بعض المنشآت النووية بشكل موضعي محدود.
إسرائيل تبحث عن ضربة تمكّنها من استعادة الهيبة وقوة الردع. لكن الحديث عن ضربة كبرى تعطّل قدرات إيران، وتخرجها من الصراع، وتصيغ الشرق الأوسط من جديد، يبقى جزءاً من الأمنيات الإسرائيلية، خاصة أن المعركة مع “حزب الله” في ذروتها، والحرب على غزة لم تنته بعد، فيما بقية الجبهات الأخرى ما زالت مفتوحة.
وسؤال التوقيت أيضاً يشغل جهات محلية دولية، ويبدو أن حسابات إسرائيل ونتنياهو هنا متطابقة، ومن المرجح أن تتم الهجمة المرتدة في الليلة القادمة، أو نهار الغد الإثنين، تزامناً مع السابع من أكتوبر، في رسالة للأعداء والأصدقاء بأن إسرائيل استعادت قوتها ومناعتها، علاوة على رغبة نتنياهو مسح العام باستبدال سابع أكتوبر 2023 بسابع أكتوبر جديد ومختلف.
ويرى رئيس حكومة الاحتلال السابق إيهود براك أن إسرائيل ملزمة بالرد، ولا يوجد دولة لا تردّ بشكل مكثف بعدما تعرّضت للضرب مرتين.
رداً على سؤال الإذاعة العبرية الرسمية، صباح اليوم، الأحد، قال براك إنه لا يمكن معرفة كيف سيكون الرد، نظراً لعدم توفّر تفاصيل كافية، ولكن يمكن استذكار الهجمة على ميناء الحديدة كمثال، فالبعد هو ذات البعد عن إيران، ووقتها شاهدنا النار والدخان.
وتابع: “ربما منشآت نفطية، وربما مصانع مسيّرات وصواريخ، وربما أهداف أخرى. هناك من يطرح ضرب المفاعلات النووية، وهنا ينبغي القول إنه عند كل حرب شاملة مع إيران يتطلب تفكير مليّ عند اختيار الأهداف. إيران مسكونة بشعور أنها حققت مكسباً بعد الهجمة الصاروخية، وفي التزامن، وخلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة، استعادت إسرائيل الثقة بالنفس، ونجاحات الاستخبارات عزّزت قوة ردعها، وتساعد نتنياهو في ترميم مكانته كرئيس حكومة في هذه الفترة. لكن عندما يأتون إلى حرب شاملة ينبغي تكريس تفكير جاد، وعدم العودة لحالة الخواء الإستراتيجي التي رافقتنا في العام الأخير”.
رداً على سؤال الإذاعة هذا، قال براك: “لا يمكن أن نعرف خاصة أنا وأنت لأننا بدون تفاصيل كافية.
من المرجح أن تتم الهجمة المرتدة في الليلة القادمة، أو نهار الغد الإثنين، تزامناً مع السابع من أكتوبر، في رسالة للأعداء والأصدقاء بأن إسرائيل استعادت قوتها ومناعتها
اعتبارات إيران مركبة، بعضها يرتبط بالكرامة القومية، وبالاعتبارات السياسية وحسابات الثمن والنتيجة لكل عملية. ومن الصعب معرفة حقيقة موقف إيران، لكن إسرائيل ملزمة بالرد، وربما تردعها عن تصعيد واسع، ولكن هناك احتمالاً أن نجد أنفسنا بحرب شاملة”.
انظر لتصريحات بايدن لتستنتج أن واشنطن لا تريد حرباً إقليمية شاملة في المنطقة، وهناك حسابات انتخابية، وقد سمعت بايدن يدعو للتفكير بجدية في موضوع ضرب النفط، فما بالك ضرب النووي. العلاقات مع أمريكا تضرّرت كثيراً بسبب تصرف حكومتنا، رغم الدعم السخي غير المسبوق من قبل بايدن، ورغم الغمز واللمز الإسرائيلي ضده”.
“في الأمنيات بفقدان إيران قدراتها النووية هناك شركاء كثر في كل الشرق الأوسط، لا في إسرائيل فحسب. لكن الوضع معقدٌ أكثر، فإيران دولة على حافة النووي، وتملك كمية كافية لمواد تصنع سلاحاً نووياً قريباً. المشكلة تقنية، فإسرائيل تستطيع أن تضرب، ولكن من غير المعروف إذا كانت قادرة على إلحاق ضرر كافٍ يؤجل وصولهم لقنبلة نووية، ولست متأكداً أن واشنطن أيضاً تستطيع تأجيل مشروع حيازة النووي من خلال عملية جراحية. كذلك، من جهة أخرى، يمكن أن تؤدي ضربة كهذه لنتيجة معاكسة: عدم تدمير المنشآت بالكامل ربما يدفع إيران للإسراع نحو تصنيع قنبلة نووية”.
ويخلص براك للقول إنه على إسرائيل أن تأخذ بالحسبان الكثير من الاعتبارات، وإنها لا تستطيع أن تنهي هذه القضية بروح دعوات ومقترحات ترامب. ببساطة هناك حاجة لتنسيق عميق حميم مع الولايات المتحدة يقوم على تعاون عميق وثقة وليس فقط تغطية دفاعية، وهذا على خلفية تجربة العام الأخير من ناحية العلاقات بيننا وبين أمريكا، هذا غير سهل للتحقيق، خاصة ونحن على مسافة شهر من انتخابات الرئاسة”.
ويتفق معه المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس” عاموس هارئيل، الذي يقول، في مقال بعنوان “عين على طهران وعين على واشنطن”: “يقر الأمريكيون بحق إسرائيل بالعمل العسكري في جنوب لبنان، وفي مهاجمة إيران، لكنهم يحاولون تحجيم الرد الإسرائيلي، ويجدّدون المساعي لإنهاء الأزمة”. معتبراً أن الكلمة الأخيرة في الشأن الإيراني تعود لأمريكا.
في المقابل؛ يرى الجنرال في الاحتياط عاميت ياغور، في مقال تنشره “معاريف”، اليوم، إن هناك فرصة تاريخية لتجريد إيران من مشروعها النووي، والذهاب لبناء شرق أوسط جديد تتزعمه إسرائيل، خاصة أن الإدارة الأمريكية ستتغيّر، ومحور المقاومة بحالة ارتباك إستراتيجي كبير.
من جهته، يدعو المحلل العسكري في موقع “واينت” رون بن يشاي للذهاب لعدم استعداء الشعب الإيراني بضربة إسرائيلية، بل مساعدته في التخلص من النظام الاستبدادي الحاكم، لافتاً إلى أن إسرائيل تعرف مكامن قوة هذه النظام، وكيفية ضربها، داعياً، بالتلميح، لاغتيالات في طهران أيضاً.