خبر تنصيب الرئيس الإيراني من قِبل المرشد الأعلى المصحوب بتسجيل مصور لمجموعة من الرجال المعممين على منصة يسلمون بها قيادة البلد للرئيس المعني هو خبر غريب الفحوى والعرض في هذه المرحلة من التاريخ الإنساني. وحتى أكون منصفة، فإن النظام السياسي الإيراني «ما يتخيرش» عن بقية الأنظمة العربية، التي هي في معظمها وفي مجملها شمولية الهوى رغم تباين أوجهها. إلا أن هذا الغلاف الديني، وتلك الصلوات المتلاة حين صعود المرشد والرئيس على المنصة، كلها، رغم وضوح وصراحة مقاصدها، تجعل الوضع سياسياً سيريالي في ما يفترض أنها دولة مؤسسية.
والنظام السياسي الإيراني محكوم بمنظومة معقدة، وجهها ديمقراطي وروحها دينية شمولية. فإيران تبدأ وتنتهي من وإلى المرشد الأعلى، الذي ينم لقبه عن دوره الفعلي. لإيران، منذ وقوع الثورة، مرشدين: الخميني إلى وقت وفاته ليخلفه خامنئي ويستمر حتى الآن. والمرشد الأعلى هو حاكم الدولة الفعلي، مسيطراً على أهم المؤسسات السياسية، القضائية والدينية في الدولة. أما من يمثله سياسياً حماية لهيبته الدينية فهو الرئيس الذي يتم انتخابه كل أربع سنوات ولا يمكن انتخابه لأكثر من فترتين. والرئيس، بما يشمل كل المتقدمين للرئاسة، يفترض أن يوافق عليهم مجلس صيانة الدستور، وهو مجلس «يتألف من 6 علماء دين يعينهم المرشد الأعلى و6 فقهاء قانونيين يرشحهم القضاء ويوافق عليهم البرلمان. ويتم انتخاب الأعضاء لمدة 6 سنوات على أساس مرحلي، بحيث يتغير نصف الأعضاء كل 3 سنوات» وذلك طبقاً لموضوع منشور حول النظام السياسي في إيران على موقع BBC.com. إذن فمجلس صيانة الدستور، المؤسسة الأقوى في إيران، يعود تشكيل نصف أعضاءها لإرادة المرشد الأعلى بشكل مباشر والنصف الآخر بشكل غير مباشر.
البرلمان الإيراني هو مؤسسة قوية كذلك. يتألف من 290 عضو يتم التصويت عليهم شعبياً، وهو مؤسسة قوية ذات صلاحيات واسعة، إلا أن القرار الأخير في جميع القوانين التي يصدرها البرلمان يعود لمجلس صيانة الدستور والذي يعود تكوينه في معظمه، كما ذكرت أعلاه، لإرادة المرشد الأعلى. هي دائرة تلتف وتدور لتعود في النهاية لشخصة المنفرد. وطبقاً لموقع BBC هناك كذلك مجلس خبراء القيادة الذي يتكون من 88 من علماء الدين والمسؤول عن مراقبة أداء المرشد الأعلى، إلا أنه لم يسبق له أن تصادم مع المرشد الأعلى مطلقاً في قراراته. يلي هذا المجلس، مجلس تشخيص مصلحة النظام المنوط بتقديم المشورة للمرشد الأعلى وهو معين من قبله بعدد أعضاء 45 عضو. يلي ذلك رئيس القضاء المعين كذلك من قبل المرشد الأعلى والذي «يرفع التقارير إليه.» القوات المسلحة لا تختلف كثيراً من حيث طريقة تشكيلها، حيث يتم تعيين قادتهم من قبل المرشد الأعلى الذي يُعد القائد العام للقوات المسلحة. أما مجلس الوزراء، فيتم اختياره من قبل الرئيس الذي يجب أن يوافق عليه المرشد الأعلى أصلا. عودة إلى الرجل الأول.
الحقيقة أنني لا أود أن أحذف الآخرين بالحجارة وبيوتنا نحن العرب من زجاج، إلا أن الصورة السيريالية هذه لا يمكن لها أن تستمر بهذه الدرجة من اللامبالاة المدنية. تقترب صورة النظام السياسي الإيراني من صور الحكم الخليفاتي الإمبراطوري للعصور الماضية، حيث تتكون المجالس وتقام مراسيم المبايعات والترشيحات والتعيينات النظامية، إلا أنها في واقعها في النهاية تعود لشخص منفرد، لشخص الخليفة. وعلى أنني مأخوذة بجوانب كثيرة في النظام السياسي الإيراني، خصوصاً طبيعة تكوين برلمانه الممثلة لكل أطياف المجتمع فيه، حيث هناك تمثيل معقول للأقليات الدينية وللنساء، إلا أن مجرد تخيل أن كل هذا النظام المعقد ذي المسحة المدنية المؤسسية القوية ينتهي بطرف خيط في يد رجل واحد، هو كفيل بمسح كل الانبهار لتتجلى الحقيقة في وضح النهار.
شيء مخيف، منفر، في الواقع مرعب، أن يتم تنصيب رئيس إيراني جديد على خلفية عقائدية شمولية بهذا الشكل، بحد ذات شكلها ومفرداتها، ترسل رسالة سياسية دينية قوية ومخيفة ومتحدية، داخلياً ممعنة في إشعار الآخرين في إيران بأقليتهم وانحصار وجودهم الأيديولوجي عن المشهد، وخارجياً هي بمثابة إعلان ثورة دينية على مرئى العالم أجمع، ثورة تبدو خارج هذا العصر المدني الذي يتطلب إعلاء قيم المواطنة المدنية التي يفترض أن تكون وحدها هي الفاعلة في صنع المجتمع. وهذه الرسالة هي كذلك بمثابة إعلان ثورة ذكورية باعتلاء المنصة من قبل ذكور دون وجود امرأة واحدة معهم، لتجلس النساء في جانب معزول عن الرجال، دون أن يكون لديهم دور مؤثر في اللعبة السياسية رغم وجودهن الظاهري القوي على المشهد العام السياسي. لقد كان المشهد المصور لتنصيب الرئيس مؤثر جداً، ليس فقط كرسالة ثورية دينية متحدية، وليس فقط كرسالة هيمنة ذكورية مستمرة، لكن كذلك من حيث تذكيرنا نحن الشرق أوسطيين أنه رغم أننا نعيش «صور سياسية أفضل» لكن نيجاتيفها، إلا في أقل الحالات المستثناة، يكشف ذات الحقيقة المخيفة.
رابط الموضوع المأخوذة منه معلومات المقال من BBC : https://www.bbc.com/arabic/middleeast-57527901
النظام السياسي الإيراني “ما يتخيرش” عن بقية الأنظمة.وأنا أخلافك بعض الشيء سيدتي الكريمة لأقول عن جل الأنظمة لان هناك استثناءات من الدول العربية من لها هامش من الحرية وهي الكويت والمغرب.وما يميز الإستبداد الإيراني عن باقي الدول العربية وهي طائفيتها وعنصريتها اتجاه باقي الأعراق وعقيدته الصفوية الفاسدة التي لا تمت للإسلام بصلة.