تونس ـ «القدس العربي»: خيم الهدوء على محاور القتال في تخوم طرابلس صباح أمس الثلاثاء، قبل أن تندلع اشتباكات بعد الظهر، أساسا في العزيزية (40 كلم جنوب طرابلس) وهي الحلقة الوسطى بين مدينة غريان، التي تسيطر عليها قوات القائد العسكري للمنطقة الشرقية خليفة حفتر، ومدينة طرابلس التي تحكمها قوات حكومة الوفاق الوطني.
وقال مصدر مطلع إن الحسم العسكري بات اليوم صعبا، في الأسبوع الخامس من الهجوم الذي تشنه قوات حفتر، بُغية السيطرة على العاصمة طرابلس، وخصوصا بعدما ضربت القوات التابعة لحكومة الوفاق، المُعترف بها دوليا، طوقا دفاعيا حول العاصمة، عجزت القوات المهاجمة عن اختراقه. وهذا مؤشر إلى أن الحرب في طرابلس وحولها، ستطول. وذكر سكان من العاصمة أن الطيران الحربي، التابع لحكومة الوفاق، كثف من طلعاته في الأيام الثلاثة الأخيرة. ويُرجح أنه ينطلق من القاعدة الجوية لمدينة مصراتة المناهضة للواء المتقاعد حفتر.
فرنسا: ماكرون سيجتمع بحفتر لحثه على وقف النار… ووكالات إغاثة تطالب بقرار من مجلس الأمن لحماية 67 ألف نازح
وقال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان، أمس الثلاثاء، إن الرئيس إيمانويل ماكرون يريد الاجتماع مع خليفة حفتر قائد قوات شرق ليبيا (الجيش الوطني الليبي) للحث على وقف إطلاق النار واستئناف محادثات السلام.
وكان ماكرون قد دعا الأسبوع الماضي إلى وقف لإطلاق النار في المعركة الدائرة منذ شهر للسيطرة على العاصمة طرابلس بعد لقائه مع فايز السراج رئيس الوزراء المدعوم من الأمم المتحدة.
وبعد يوم واحد من لقاء ماكرون طلبت الحكومة المعترف بها دوليا من 40 شركة أجنبية، من بينها شركة توتال النفطية الفرنسية، تجديد تراخيصها وإلا تم وقف عملياتها.
في السياق تسعى دول الجوار إلى اتخاذ مبادرات لإنهاء الأزمة في ليبيا. وأعلن وزير الخارجية التونسي خميس الجهيناوي، أن لقاء ثلاثيا يجمع تونس والجزائر ومصر سيجري قريبا في تونس، وسيتم العمل فيه على حض الليبيين على وقف الاقتتال. ودعا الجهيناوي المجموعة الدولية إلى «السعي بصوت واحد لوضع حد للاقتتال داخل ليبيا، من دون وضع شروط مسبقة، والعودة الى مائدة المفاوضات في أقرب فرصة ممكنة»، مؤكدا أنه «لا بديل من الحل السياسي الذي يمر وجوبا عبر مسار تفاوضي ليبي ليبي يإشراف الأمم المتحدة، بعيدا عن أي تدخل خارجي، وعلى نحو ينهي معاناة الشعب الليبي ويمكنُ من التفرغ لإعادة الاعمار».
غير أن تباعد المواقف بين تونس والجزائر من جهة، ومصر من جهة ثانية في الملف الليبي، لا يترك فرص نجاح كبيرة للمبادرة الثلاثية، التي لم تُحقق تقدما نوعيا منذ إطلاقها.
وكان وزراء خارجية البلدان الأعضاء في الاتحاد الأوروبي طالبوا أول أمس الإثنين بـ«وقف كامل وشامل للأعمال القتالية في طرابلس». وقال الوزراء في بيان أصدروه بعد اجتماعهم في بروكسل مع رئيس حكومة الوفاق فايز السراج «يتعين على مختلف الجماعات المتحاربة في ليبيا الالتزام بوقف إطلاق النار والعودة إلى جهود الوساطة التي تقودها الأمم المتحدة». واعتبروا الوضع الحالي تهديدا للأمن الدولي. وأضاف البيان أن الاتحاد الأوروبي «يدعو الأطراف أيضا إلى النأي بأنفسها علنا وعلى الأرض عن العناصر الإرهابية والإجرامية المشاركة في القتال وعن أولئك المشتبه بارتكابهم جرائم حرب ومن بينهم الأفراد المسجلون لدى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة».
من جهة أخرى أفادت المنظمة الدولية للهجرة أن 67 ألف ليبي غادروا بيوتهم بسبب المعارك، بينما لا يزال 100 ألف آخرين يقيمون على مقربة من جبهات القتال. وأبدى المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة في نيويورك «قلقه الكبير من الانعكاسات المتزايدة للمعارك في طرابلس وضواحيها على السكان المدنيين». وأوضحت إحصاءات أصدرتها المنظمة الدولية للهجرة أن 3200 لاجئ ومهاجر يوجدون حاليا في مراكز اعتقال، وهم معرضون للخطر الناجم عن المعارك الدائرة بين الفريقين المتحاربين. وأضافت المنظمة أن الحصول على الغذاء والخدمات الصحية بات محدودا جدا بسبب الصراع. وما زالت الجمعيات الإنسانية توجه نداءات استغاثة إلى جميع الأطراف المشاركة في الصراع، من أجل تسهيل إيصال المساعدات السريعة إلى المناطق المتضررة من دون عراقيل أو قيود، كي يتسنى لها إخراج المدنيين وبخاصة الجرحى والمرضى.
ودعت مجموعة من وكالات الإغاثة في ليبيا أمس الثلاثاء إلى قرار صادر عن الأمم المتحدة لدعم من تقطعت بهم السبل وسط القتال حول طرابلس، حيث تقول المنظمة الدولية إن 67 ألف شخص أجبروا على ترك منازلهم، كما سقط 454 قتيلا على الأقل منذ الخامس من أبريل/ نيسان.
وإلى جانب تشريد آلاف الليبيين فاقم هجوم حفتر الذي بدأه قبل شهر الوضع الفوضوي بالفعل لآلاف المهاجرين الذين يتخذون من ساحل غرب ليبيا منصة انطلاق لرحلتهم المحفوفة بالمخاطر إلى أوروبا.
وتقول الأمم المتحدة إن 65 مهاجرا غرقوا خلال الأسبوع المنصرم، وأعيد 871 مهاجرا إلى مراكز احتجاز منذ بدء اشتباكات طرابلس ليعيشوا في ظل ظروف غير مقبولة في كثير من الأحيان.
وقال تشارلي ياكسلي، وهو متحدث باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، إنه ينبغي عدم إعادة أحد إلى ليبيا، وإن إعادة الناس إلى ليبيا لا يمكن اعتبارها «إنقاذا».
وجاء في تقرير عن وضع المهاجرين والمشردين أصدرته مجموعة من وكالات الإغاثة تعرف باسم «قطاع الحماية» وتنسقها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أن ثلاثة آلاف مهاجر ما زالوا محاصرين في مراكز احتجاز قريبة من مناطق القتال، وأن استخدام الأسلحة المتوسطة والثقيلة في المناطق المأهولة مستمر دون هوادة.
وقال قطاع الحماية «على مجلس الأمن الدولي إصدار قرار يدعو إلى حماية المدنيين والمحاسبة على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي».
وأضاف أن على الاتحاد الأوروبي الكف عن عرقلة جهود البحث والإنقاذ في البحر المتوسط وضمان نقل كل من يتم إنقاذهم إلى ميناء آمن بموجب القانون الدولي، ووقف دعم استخدام ليبيا لمراكز الاحتجاز لحين تحسن الأوضاع في هذه المنشآت.