اختبار نوايا للالتزامات والتسويات!

تلعب السعودية دوراً قيادياً في ملفات المنطقة وتترسخ مكانة السعودية بحضورها في شتى المجالات ـ وللتدليل على ذلك نرى إنجازات السعودية في هذا الأسبوع بتحقيق إنجاز تاريخي ـ بترسيخ مكانتها صاحبة أكبر اقتصاد في الشرق الأوسط بمجمل ناتج قومي تجاوز تريليون دولار ـ 1000 مليار دولار ـ ويعزز مكانة السعودية ـ العضو العربي الوحيد وواحدة من ثلاث دول مسلمة في ـ مجموعة العشرين أكبر تجمع اقتصادي عالمي.
نشرت كل من صحيفتي نيويورك تايمز وول ستريت جورنال ـ عن مطالب محددة وضعتها السعودية لبدء مباحثات في طريق التطبيع مع إسرائيل وهي الجائزة الكبرى التي تطمح إدارة بايدن ونتنياهو تحقيقها- لكن يبقى الموقف السعودي الرسمي لا تطبيع مع إسرائيل قبل الاستجابة للمبادرة العربية عام 2002-التي بالأصل كانت مبادرة سعودية: الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي العربية المحتلة وقيام دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية.
وكذلك في تطور مفاجئ ملفت وغير متوقع بحجمه وسرعته ـ تم التوصل لاتفاق بين السعودية وإيران بوساطة صينية بعد مباحثات لأيام في العاصمة الصينية بكين-وسبق ذلك جولات مباحثات في العراق وسلطنة عمان بين السعودية وإيران تتوجت باتفاق مهم ينهي قطيعة ومواجهات تجاوزت سبعة أعوام. عندما قطعت السعودية العلاقات الدبلوماسية وسحبت دبلوماسييها وطردت السفير والدبلوماسيين الإيرانيين بعد الاعتداء على بعثات السعودية الدبلوماسية في طهران ومشهد بعد إعدام رجل الدين الشيعي نمر النمر في 2016. وتضامنت الدول الخليجية مع السعودية وخفضت التمثيل الدبلوماسي مع إيران إلى مستوى القائمين بالأعمال في السفارات الخليجية في طهران.
أتت المباحثات برغبة من كل من السعودية وإيران. وشكرت السعودية وإيران الصين على دورها باستضافة المباحثات وكذلك شكر العراق وسلطنة عمان على دورهما باستضافة جولات حوار سابقة.
أفاد البيان المشترك تم الاتفاق على استئناف العلاقات الدبلوماسية وتبادل السفراء والبعثات الدبلوماسية في مدة أقصاها شهران وتفعيل اتفاقية التعاون الأمني بين السعودية وإيران واحترام السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.

رغم طغيان الأجواء الإيجابية والارتياح والأمل بانفراج بين السعودية وإيران بعد سبعة أعوام من القطيعة والاستقطاب الحاد، من الخليج إلى اليمن وإلى العراق والمتوسط، إلا أن العبرة تبقى التزام إيران ببنود الاتفاق

ما نشر من الاتفاق هو جبل جليد يخفي تفاصيل ملفات حرجة لم تفسر في الاتفاق- ملف برنامج واتفاق إيران النووي واقترابها من عتبة النووي؟ وبرنامج إيران الصاروخي؟ وأنشطة إيران المزعزعة للأمن الخلايا الإرهابية النائمة في دول المنطقة؟ ودور إيران وأذرعها في المنطقة مستقبلاً وخاصة في اليمن، وأبعاد وخطورة التحالف العسكري الوظيفي والظرفي بين روسيا وإيران. والعمل على تزويد إيران ببرامج دفاعية صاروخية مثل S-400 ومقاتلات سوخوي ـ 35 المتطورة ـ وتزويد إيران روسيا بمسيرات شاهد ـ 136 ـ الانتحارية التي تفتك بالأوكرانيين وتدمر البنى التحتية. وحتى تزويد إيران ـ بأسلحة أمريكية متطورة غنمتها روسيا من حربها في أوكرانيا مثل صواريخ ستينغر المضادة للطائرات وصواريخ جافلين المضادة للدبابات والدروع ـ لدراستها ويُخشى من تزويدها لحلفائها وأذرع إيران في المنطقة! وتأثير التقارب السعودي ـ الإيراني على التطبيع مع إسرائيل؟
موقف إيران من تلك الملفات المهمة ستمتحن في المرحلة القادمة نوايا وبناء ثقة مواقف ودور إيران في خفض التوتر والتعاون مع السعودية والقوى الأخرى لدور إيران مع حلفائها وأذرعها.
الملفت أن الاتفاق على استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران جاء بوساطة صينية بالدرجة الأولى وأُعلن من العاصمة بكين، للمرة الأولى تنجح الصين في حل أزمة وتحقق اختراقاً في منطقة نفوذ أمريكا في الخليج العربي. ما سيعزز دور وحضور الصين في أزمات شرق أوسطية مستقبلاً وهذه رسالة لأمريكا.
المفارقة أن الصين في تقييم منظومة الاستخبارات الأمريكية وآخرها الأسبوع الماضي تشكل أكبر تهديد لهيمنة أمريكا على النظام العالمي ـ وتحالفها مع روسيا يدفع لنظام عالمي متعدد الأقطاب يضعف ويتحدى التفرد الأمريكي. والسؤال كيف سينعكس هذا الواقع على العلاقة السعودية والخليجية ـ الأمريكية بالاستجابة لوساطة الصين؟!
كما تم التوصل للاتفاق بين مستشار الأمن السعودي مساعد العيبان وأمين عام الأمن القومي الإيراني الأدميرال علي شمخاني. بعد 5 جولات من المباحثات في العامين الماضيين بوساطة عراقية واستضافة سلطنة عمان. حيث شكرهم البيان المشترك.
أهمية تخفيض الاستقطاب الحاد والتصعيد بين السعودية وإيران بين مشروعين بقيادة السعودية الداعم للمواقف الخليجية والعربية، الذي أصفه منذ سنوات بالحرب الباردة بين ضفتي الخليج وفي منطقة الشرق الأوسط ومشروع إيران التوسعي المناوئ في اليمن إلى لبنان ومن العراق إلى سوريا.
كان ملفتاُ تعليق وزير خارجية السعودية الأمير فيصل بن فرحان على «استئناف العلاقات مع إيران-يأتي لتفضيل المملكة الحوار وأن المصير الواحد لدول المنطقة يجعل من الضرورة بناء نموذج للاستقرار». ووصف وزير الخارجية الإيراني سياسة حُسن الجوار «أنها أمر محوري ونواصل العمل نحو مزيد من الخطوات الإقليمية». وأملت وزارة الخارجية العمانية بمساهمة استئناف العلاقات بين السعودية وإيران في تعزيز ركائز الأمن والاستقرار في المنطقة.
وأشادت دول خليجية وعربية بالاتفاق، وكذلك رحبت أمريكا «بأي جهود تساعد في إنهاء الحرب في اليمن وخفض التوتر في الشرق الأوسط. وتبقى الدبلوماسية والردع وخفض التصعيد ركائز لسياسة بايدن في الشرق الأوسط».
ورحب الاتحاد الأوروبي، وحلفاء وأذرع إيران بإعادة العلاقات ـ رحب العراق بالاتفاق وكان استضاف 5 جولات من المباحثات وسيكون بداية لصفحة جديد. وعلق الناطق باسم الحوثيين محمد عبدالسلام أن المنطقة في حاجة لعودة العلاقات لطبيعتها بين دولها. وأكد أمين عام حزب الله حسن نصرالله أن التقارب السعودي الإيراني لن يكون على حساب شعوب المنطقة، وإنما لمصلحتها.
وبرغم طغيان الأجواء الإيجابية والارتياح والأمل بانفراج بين السعودية وإيران بعد سبعة أعوام من القطيعة والاستقطاب الحاد، من الخليج إلى اليمن وإلى العراق والمتوسط، إلا أن العبرة تبقى التزام إيران ببنود الاتفاق، وفي خفض مناطق الاستقطاب في الملفات الإقليمية الشائكة.
ما يمكن توقعه في المستقبل المنظور خفض التصعيد واختبار نوايا وبناء ثقة بين الطرفين بتسويات وتنازلات قبل إصدار الحكم!

أستاذ في قسم العلوم السياسية ـ جامعة الكويت

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الأيام بيننا:

    لم ولا ولن تتخلى ايران عن تصدير الثوره إنها قضيه مقدسه.
    تسعى من خلال الاتفاق لمد نفوذها بوسائل ناعمه لا يمكن
    الشعور بها إلا بعد أن يكون البناء قد تآكل وفات الوقت.

إشترك في قائمتنا البريدية