لولا البيان المقتضب الذي أصدرته وزارة الشؤون الخارجية مؤخرا لتعلن من خلاله عزم السلطات تشكيل ‘خلية ازمة ترصد وتتابع المستجدات الطارئة’ في عملية اختطاف احد العاملين بالسفارة التونسية في العاصمة الليبية طرابلس قبل ازيد من اسبوعين لظن كثير من التونسيين ان قوسا اخر من الازمات المفتوحة بين البلدين قد تم غلقه على عجل و بنفس بالطريقة المألوفة اي في كنف التعتيم والغموض الكامل الذي يحيط في الغالب بخلافات تونس مع جارتها الجنوبية ليبيا. لكن البيان لم يكن كافيا لطمئنة مخاوف ازدادت نموا واتساعا بمرور الايام، لا فقط حول مصير الموظف المحتجز بل وايضا حول مصير علاقات تونسية ليبية وضعت على محك اختبار دقيق وصعب بعد الغلق المطول لمعبر راس جدير المنفذ الحدودي الاكبر والاهم بين البلدين وما اعقب ذلك من ردات فعل غاضبة في مدن الجنوب بوجه خاص.
ما حدث في المعبر قد يلخص في جانب كبير حال التذبذب والهشاشة التي اصبحت عليها الروابط بين بلدين عربيين تخلصا في نفس المدة تقريبا من نظامين كانا يديران معا وبتنسيق تام ومحكم شبكة رهيبة مترامية الاطراف عصية الضبط والحصر من الاموال المنهوبة والمشبوهة تحت غطاء التكامل والتعاون السياسي والاقتصادي. تلك الشبكة كان صغار المهربين في الجانبين هم وقودها الحقيقي واعتاد النظامان على التعامل معهما بمنطق العصا والجزرة اي الردع والحزم في بعض الاوقات للتغطية على عمليات فساد اكبر واوسع نطاقا وغض الطرف والتسامح في احيان اخرى لاسباب ظرفية واجتماعية بالاساس، اي لامتصاص غضب السكان المحليين الذين لا أمل لهم بالاستمرار في الحياة دون اللجوء الى التهريب .
لم تقم اي من الدولتين طوال العقود الطويلة الماضية رغم كثرة الشعارات والوعود بانجاز مشروع واحد يدر عوائد معقولة ومضمونة تقطع الطريق امام اندفاع الاف الشباب نحو ذلك الوباء القاتل والمدمر لاقتصادهما اي التهريب. وبانهيار نظام العقيد وامام الفوضى التي عمت ليبيا واوقعتها في قبضة الميليشيات والجماعات المسلحة لتحولها بسرعة الى مصدر قلق وازعاج دائم لجميع جيرانها بفعل التسرب الهائل لاجزاء كبيرة من الترسانة العسكرية للنظام السابق الى داخل تلك البلدان، اصبحت تونس تنظر الى ليبيا كمشكل اضافي يثقل كاهلها لا كحل سهل ومريح يزيل متاعبها الاقتصادية والاجتماعية الضخمة.
الاشكال الحقيقي هو ان الاستبداد الذي جثم فوق البلدين لم تكن له رؤية بعيدة او حتى متوسطة المدى لشكل وصيغة العلاقة بين الدولتين، بل كانت الامور تسير وفقا لنزوات النظام وللمصالح الضيقة والمحدودة لدوائر عائلية صغيرة واسعة النفوذ.
اما ما حدث الان فهو ان نفس تلك الدوائر القديمة بقيت تتحكم عن بعد في خيوط نسيج متشابك ومعقد من الروابط العرقية والتاريخية العميقة التي جمعت تونس بليبيا وذلك تحت مسميات بديلة هي الثورة.
لقد ارجع مدير الجانب الليبي من معبر راس جدير في تصريح نشرته مؤخرا احدى اليوميات التونسية الخلاف الحاصل بين الطرفين الى اختلاف الاوضاع بينهما، فتونس مثلما يرى ‘دولة قائمة بذاتها لا يمكن مقارنتها بليبيا التي هي بصدد التأسيس لدولتها ومؤسساتها’. وهذا جزء واحد فقط من الصورة لكن الجزء الاخر الذي قد لا يلتفت اليه الكثيرون هو ان الموضوع ليس مجرد وجود حكومات قوية تضبط الحدود فحسب فالامر اشد تعقيدا من ذلك لان الحال مع الجارة الاخرى الجزائر ليس بالافضل رغم انها تعيش استقرارا امنيا ولم تسقط فيما وصفه رئيس ديوان الرئيس بوتفليقة في احدى خطبه الاخيرة بمحافظة سكيكدة في’ مستنقع الربيع العربي’.
ففي نفس الوقت الذي كان فيه المعبر مغلقا على الحدود الليبية تجددت تحركات اخرى على الحدود الجزائرية لبعض سكان منطقة ‘أم الاقصاب’ الذين اختار البعض منهم الاعتصام داخل التراب الجزائري. والمطالب هي نفسها ايجاد فرص عمل قارة ومشروعة للالاف من الافواه الجائعة التي لم تعد قادرة على مزيد من الانتظار.
والسؤال الذي بات يطرحه الجميع في تونس ولو همسا هو، كيف يمكن لبلدين شاسعين يسبحان فوق بحار من الثروات النفطية والغازية ان يتركا جارتهما الصغرى تتخبط في ازمتها المالية بذلك الشكل المهين الذي جعل البعض يصف الزيارات الاخيرة لمسؤوليها لاكثر من عاصمة عربية وغربية بزيارات ‘الشحاذة’؟.
النظرة السائدة داخل قطاعات واسعة في تونس هي ان جيرانها قد تركوها وحيدة تواجه مصيرها الصعب والمجهول دون الالتفات الى ما قدمته لهم في السابق ايام الاستعمار بالنسبة للجزائريين في حرب التحرير او في الحاضر اثناء وبعد اسقاط نظام العقيد في ليبيا. والحديث عن غياب سلطة مركزية قوية في طرابلس لا تسمح للحكومة حتى الان ببسط نفوذها وسيطرتها على اجزاء كبيرة من تراب البلاد يقابله على الطرف الاخر وجود جار كبير وثري يملك حكومة وسلطة قوية ولم يقدم بعد على اية خطوة عملية تسمح بالتفاؤل بحدوث تغير في علاقات البلدين نحو الافضل وهذا ما قد يزيد توجس التونسيين حول النوايا الحقيقية للجيران قبل الاعداء.
لقد رفع الامريكان مؤخرا بمناسبة زيارة رئيس الحكومة التونسية الى واشنطن تحذيرا سابقا للسفر الى تونس وبدأ يظهر ما يشبه التسابق المحموم نحوها من كل حدب وصوب باسم مساندة ودعم الديمقراطية. وعقد مهدي جمعة مع مضيفيه الامريكان جلسات مطولة لما وصف بالحوار الاستراتيجي. وهناك اكثر من ذئب ما يزال يعوي ويريد حصة باسم تلك الديمقراطية الوليدة فيما الاخوة الكبار مشغولون اما باتمام الثورة ببناء الدولة او بالتحسب لوقوعها بمزيد من متطلبات تقوية الدولة، واخر ما قد يشغل بالهم هو ذلك الجار الصغير الذي اصبح استثناء في كل شيء تقريبا … في الديمقراطية ولكن ايضا في محنها وآلامها التي لا تنتهي.
‘ كاتب صحافي من تونس
[email protected]
ما اقدر ان اقوله بعد قراءة هذا المقال ان المستفيد الوحيد لما يجري في المنطقة المغاربية هو النظام الامريكي الذي يسعى الى بسط نفوضه
و ما الاتفاق الاستراتجي الا بدايه لتغيير وجه المنطقة
نعم يا سيد غرياني المستفيد هم أعداء الشعوب العربية ـ الإسلامية والحكام الطواغيت أصحاب المصالح الضيقة .
كنا نتمنى أن يكون المسار الجديد ،بعد الثورات المجيدة ،مبنيا على أسس متينة لتشهد بلداننا نقلة نوعية نحو بناء كيانات ديموقراطية تفضي بنا نحو التنمية والتقدم والقطيعة الكاملة مع زمن وعهود التخلف والجمود والفساد . ولكن يبدو ومما ليس فيه شك أن هناك دوائر إقليمية ودولية لا تريد للشعوب العربية ـ الإسلامية الخير لينهض وينافس ويساهم مع غيره من الأمم في تطوير الحضارات الإنسانية ….
نعم يا سيد غرياني المستفيدون هم أعداء الشعوب العربية _ الإسلامية والحكام الطواغيت أصحاب المصالح الضيقة .
كنا نتمنى أن يكون المسار الجديد ، بعد الثورات العربية المجيدة ،مبنيا على أسس متينة لتشهد بلداننا نقلة نوعية نحو بناء كيانات ديموقراطية تفضي بنا نحو التنمية و التقدم ثم القطيعة الكاملة مع زمن وعهود التخلف والجمود والفساد .ولكن يبدو ومما ليس فيه أدنى شك أن هناك لوبيات ودوائر دولية وإقليمية وعالمية أيضا لا تريد للشعوب العربية الخير لكي ينهض وينافس ويشارك مع غيره من الأمم في بناء وتطوير الحضارات الإنسانية…..!!!!!!!
مقال جيد يطرح اشكاليات حقيقية تعاني منها تونس مع دول الجوار و الأخطر من الوضع الإقتصادي هو الوضع الأمني فحدود تونس ومنذ الثورة مفتوحة تقريبا وقد عرفت تسريبات خطيرة للأسلحة و تجاوز حدود لبعض قادة التيارات المتشددة وقد اثببت بعض الإعتقالات لمن تورط في عمليات ارهابية وجود عناصر جزائرية ضمن المجموعة و تمركزوا في الحدود الغربية واقصد الشعانبي ومنها في الجنوب وكان الوضع الليبي هو السبب الرئيسي في غزو هذه الأسلحة لتونس اضافة لعمليات التهريب الممنهجة وهذا ليس بحدث جديد على البلاد وقد شملت عمليات التهريب كل البضائع دون استثناء الممنوعة والمدعمة و البنزين و كلما يمكن تهريبه غلا شأنه او رخص…وهنا لا احد ينكر العلاقة الإقتصادية الوطيدة بين بعض التجار على المناطق الحدودية وهي بسيطة مقارنة بالعصابات المافيوزية وهي تمثل موارد رزق كبيرة ….
كاالعادة وككل أسبوع يبهرنا صديقنا نزار على أعمدة القدس بمقال رائع وموضوع مهم للغاية ، فقد كانت تونس ولا تزال مسرح للعديد من الصراعات والتجاذبات الإقلمية والدولية والمواطن التونسي تعود على موقعه بين المطرقة والسندان وهذا لا يزيدنا إلا عزما وإصرار على تحدي الصعوبات والمضي قدما نحو الحرية التي يرنو إليها شعب تونس .