دمشق – «القدس العربي»: رد الرئيس التركي رجب طيب اردوغان على تهديد الإدارة الأمريكية الموجهة إلى المعارضة السورية وتحذيرها من الوقوف إلى جانب القوات التركية في معركة شرق الفرات المرتقبة بالقول «نحن مع الجيش التركي ومع الجيش السوري الحر هناك في سوريا» مؤكداً مواصلة جيش بلاده على «دفن الإرهابيين قبل قض مضاجع الشعب التركي» وذلك في كلمة له الأحد خلال افتتاح منتزه للشعب في منطقة «أسنلر» بمدينة إسطنبول التركية.
وتقف المعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري، إلى جانب حليفها التركي امام تهديد الإدارة الأمريكية الذي حذرها من المشاركة في العملية العسكرية ضد تنظيم «ي ب ك/بي كا كا» شرق نهر الفرات، شمال شرقي سوريا، ومواجهة الجيش الأمريكي بشكل مباشر. وبعث مسؤولون أمريكيون إلى الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، و»الجيش السوري الحر»، برسالة حذروا فيها المعارضة السورية من عواقب المشاركة في العملية التركية المرتقبة معتبرة أنها ستواجه الجيش الأمريكي بشكل مباشر.
التحذير الأمريكي للمعارضة شكل آخر تحديات الصراع والتوتر في العلاقات التركية – الأمريكية، في حين أكد القيادي في الجيش الوطني مصطفى سيجري ان المعارضة ستقف إلى جانب حليفها التركي في المعركة بغض النظر عن تهديد الإدارة الأمريكية طالما ان الاخيرة لم تقف على مسافة واحدة من مكونات الشعب السوري، وللمعارضة الحق في حماية وحدة الأراضي السورية ومنع اي محاولة للتقسيم، وأضاف، «بذلنا جهوداً حثيثة واستنفدنا المبادرات السلمية ونظرنا بعين الثقة إلى الوعود الأمريكية بهدف التوصل إلى حلول منطقية وواقعية تفضي إلى عودة مئات الآلاف من المدنيين والمهجرين قسراً بسبب الجرائم ضدهم، إلا أنه لم يحدث اي تقدم عملي على الأرض، ولا يمكن الصمت طويلاً مع استمرار عمليات التهجير والتغيير الديمغرافي في مناطق شرق الفرات».
النموذج الأفضل
وأكد القيادي لـ «القدس العربي» ان علاقة الجيش الحر مع تركيا مبنية على مصالح البلدين والشعبين، وقال: قدمنا النموذج الأفضل في حربنا المشتركة ضد الإرهاب، فتركيا عمقنا الاستراتيجي وحليف شعبنا القوي والصادق، وهذا ما أكده الرئيس اردوغان في جميع خطاباته. مشيراً إلى ضرورة عودة السكان الأصليين المهجرين قسراً بسبب ممارسات سلطة الأمر الواقع في مناطق شمال شرقي سوريا والحديث هنا عن مئات الآلاف من المدنيين.
وأضاف سيجري «الى جانب كل التصريحات والتطمينات الأمريكية السابقة، إلا أن السوريين شهدوا خلاف ذلك من خلال الممارسات الميدانية للمجموعات الانفصالية ومزيد من التعزيزات العسكرية والتحصينات الدفاعية والهجومية، مع استمرار العمليات الإرهابية وآخرها 4 مفخخات تضرب الاحياء السكنية وتستهدف المدنيين من الأطفال والنساء».
واشنطن تحذر المعارضة من التعاون مع أنقرة وتخطط لنشر «بيشمركه سورية» على الحدود مع تركيا
وحذرت الرسالة الأمريكية المعارضة السورية من عواقب المشاركة في العملية التركية، بالقول «حينما ترقص الفيلة؛ عليك أن تبقى بعيدًا عن الساحة» وقال المسؤولون الأمريكيون إن «مشاركة الائتلاف أو السوري الحر بأي شكل في العملية تعني الهجوم على الولايات المتحدة وقوات التحالف، وهذا سيؤدي إلى صدام مباشر معها» وامام هذا التهديد ورفض المعارضة الانصياع له قال سيجري ان أي معركة عسكرية لفصائل الجيش الحر في شرق الفرات لن تستهدف جهود واشنطن في الحرب على الإرهاب، ولن نسمح لتنظيم بأن يستمر في تخويف العالم وابتزازه بدعوى محاربة داعش وسنفضح التعاون القائم مع «بي كا كا» ونحن على استعداد تام لإرسال قواتنا بالتعاون مع التحالف الدولي للقضاء على داعش، وأضاف: لدينا وجهة نظر محقة باعتراف الأمريكان أنفسهم، ويجب التوصل إلى اتفاق نهائي يفضي لحل كامل بعيداً عن أهداف الانفصاليين، ومحاولات قادة «بي كا كا» في تصدير الإرهاب إلى دول الجوار».
ويُعدّ تصريح الرئيس التركي حول عزم تركيا البدء بعملية عسكرية «لتطهير شرق الفرات من الإرهابيين الانفصاليين خلال بضعة أيام» تصريحاً غير مسبوق في توقيته، خصوصا ًوأنه جاء بعد أيام قليلة على انتهاء اجتماع فريق العمل المشترك الثالث حول سوريا في انقرة، بين وفدي تركيا والولايات المتحدة الأمريكية، كما يأتي حسب الباحث السياسي عبد الرحمن عبارة وسط استياء أنقرة من زيادة دعم واشنطن للتنظيمات الكردية في شرق الفرات، والتي تصنّفها أنقرة ضمن «التنظيمات الإرهابية»، ومماطلة أمريكية واضحة في تنفيذ التزاماتها تجاه أنقرة ضمن «اتفاق منبج»، غير أن تصريحات الرئيس التركي اردوغان حول عدم استهداف أنقرة للجنود الأمريكان في شرق الفرات، قد تُوحي بأنّ ثمّة تفاهمات بين أنقرة وواشنطن حول العملية العسكرية المرتقبة.
«فساد وشاوى»
الادارة الأمريكية مطالبة حسب المعارضة السورية باتخاذ القرارات المناسبة والوقوف على مسافة واحدة من مكونات الشعب السوري، وإعادة النظر في التقارير الآتية من سوريا، حيث يعتقد سيجري «أن عدداً من رجالاتها قد تورط في قضايا فساد ورشاوى وعلاقات جنسية وبات يمرر أجندات لا تخدم المصالح الأمريكية» مؤكداً ان الجيش الحر كان قد قدم إلى الجانب الأمريكي مبادرات لتجنيب عفرين ويلات الحرب وإعادة مئات الآلاف من المدنيين والمهجرين قسراً بسبب جرائم «بي كا كا» إلى تل رفعت والقرى المجاورة، إلا أن قادة المجموعات الارهابية رفضوا واستقدموا الاحتلال الروسي إلى عفرين ثم فروا هاربين، واليوم ربما يكون هناك فرصة لو أن في القوم رجلاً رشيداً».
من جانبه قال المتحدث باسم المعارضة السورية المسلحة أيمن العاسمي، إنهم مستعدون لدعم تركيا، في عمليتها العسكرية ضد تنظيم «ب ي د/بي كا كا» شرق نهر الفرات في سوريا، رغم التهديدات الأمريكية. وأشار العاسمي الأحد، إلى أنهم تلقوا رسائل تحذير من واشنطن، بعدم المشاركة، قائلاً: «تلقينا اتصالات هاتفية من الخارجية الأمريكية بعدم المشاركة في أي عملية عسكرية تركية، شرق نهر الفرات. ونحن عازمون على دعم تركيا في تحركها رغما عن أمريكا». وفي صفحته على تويتر، دعا العاسمي، في بيان صادر عن «وفد قوى الثورة السورية العسكري» (شارك في محادثات أستانة) كافة فصائل المعارضة المسلحة للتأهب من أجل القيام بواجبها في معركة شرق الفرات. كما طالب البيان المجتمع الدولي بالوقوف إلى جانب الشعب السوري، ورفع يده عن تنظيم «ب ي د/ي ب ك» الذي يزعزع الاستقرار العالمي ويعرقل الوصول لحل سياسي يضمن مشاركة فاعلة للسوريين كافة في رسم مستقبل بلادهم.
قال مصدر مطلع لوكالة الاناضول في إقليم شمال العراق، إن واشنطن تخطط لنشر مقاتلين أشرف الإقليم على تدريبهم، على الحدود السورية مع تركيا، في مناطق شرق الفرات، لتكون بديلاً لمسلحي تنظيم «ي ب ك/ بي كا كا». ونقل موقع «باسنيوز» الإخباري المقرب من «الحزب الديمقراطي الكردستاني»، عن المصدر قوله إن «واشنطن تخطط لنشر مقاتلين من البيشمركه السورية لتتعاون مع القوات الأمريكية في حماية ومراقبة المناطق الحدودية بين سوريا وتركيا، لتشكل بديلاً عن مسلحي ي ب ك».
وأوضح المصدر مفضلاً عدم الكشف عن هويته أن «واشنطن اختارت هذا الحل بعد الرفض التركي الصارم لوجود (ي ب ك) على حدودها الجنوبية، وعزم أنقرة تنفيذ عملية عسكرية ضد العناصر الإرهابية في المنطقة».
«بيشمركه سورية»
و«البيشمركه السورية» فصيل يتبع للمجلس الوطني الكردي الممثل بدوره في الائتلاف السوري المعارض، وتشكل عام 2012، وأشرفت قوات البيشمركه في إقليم شمالي العراق فضلاً عن قوات التحالف على تدريبهم.
وحسب المصدر، «سيجري خلال الأيام القليلة المقبلة، نشر الدفعة الأولى من هؤلاء المقاتلين في نقاط ومواقع بمناطق شرق الفرات على الحدود السورية مع تركيا».
وبين أن هذه القوات «موجودة حالياً على الطرف العراقي من الحدود مع سوريا، وسيكون قوام الدفعة الأولى 400 مقاتل، على أن يكون العدد الكلي 8 آلاف مقاتل». ويرفض تنظيم «ي ب ك/ بي كا كا»، عودة «البيشمركه السورية» إلى مناطق سيطرته شمال شرقي سوريا. ويحتل تنظيم «ي ب ك/ بي كا كا» في سوريا مساحة تزيد عن 45 ألف كلم مربع، تبدأ من ضفاف نهر الفرات حتى الحدود العراقية شمال شرقي سوريا، وتشكل نحو 480 كلم من حدود بلاد مع تركيا، من إجمالي 911 كلم. ولدى التنظيم نحو 15 ألف مسلح في المنطقة، التي توسّع فيها بدعم عسكري أمريكي منذ 2014. ويشكل العرب 70% من عدد سكان المنطقة، وسط معاناة من ممارسات التنظيم، الذي هجّر بالفعل نحو 1.7 مليونًا لجأ جلّهم إلى تركيا.
كما يسيطر «ي ب ك/ بي كا كا» على أكبر حقول ومنشآت النفط والغاز في البلاد، علاوة عن 60% من الأراضي الزراعية وأكبر موارد المياه وسدود توليد الكهرباء.
يشار أن وزارة الدفاع الأمريكية صرّحت في وقت سابق أنها بصدد تأسيس قوة يتراوح قوامها بين 35 و40 ألف مقاتل شرق نهر الفرات، لضمان سيطرة دائمة على المنطقة. وتعارض تركيا خطة واشنطن، التي تعني تحويل تنظيم «ي ب ك/ بي كا كا» إلى جيش نظامي، وفرض نشوء كيان إرهابي بالأمر الواقع على حدودها الجنوبية.