دمشق – «القدس العربي» : في أقوى وأحدث تصريح له حول شرق الفرات في سوريا، قال الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، أمس، إنه «إذا لم يُخرج الأمريكيون إرهابيي ي ب ك / بي كا كا من منطقة منبج، فستُخرجهم تركيا منها» وذلك في كلمة ألقاها في المؤتمر القضائي الأول للمحاكم الدستورية والعليا، للدول الأعضاء والمراقبة في منظمة التعاون الإسلامي، بقصر دولمة باهجة في إسطنبول، مؤكداً ان «تركيا خسرت ما يكفي من الوقت حيال التدخل في مستنقع الإرهاب شرقي نهر الفرات بسوريا، ولن نتحمل تأخير يوم واحد» متهما الجانب الأمريكي بتشتيت الأهداف التركية وتقويضها عبر «حكاية منبج».
ولكن العملية العسكرية المرتقبة، ضد قوات سوريا الديمقراطية («قسد») في منطقة شرق الفرات التي تحتضن اكبر مخطط يهدد وحدة الأراضي السورية، والأمن القومي التركي، تحتاج إلى بذل جهد كبير من أنقرة من اجل اقناع الولايات المتحدة الأمريكية في رفع الغطاء السياسي عن حليفها المحلي المصنف على قوائم الإرهاب لدى تركيا، وهو ما يتطلب حسب مراقبين تفاهماً أولياً بين الطرفين على العديد من القضايا العالقة، في ظل توتر حاد في العلاقات بينهما على أهم مناطق سوريا اقتصادياً واستراتيجياً.
وهذا ما استدعى اتصالاً هاتفياً بين الرئيسين التركي رجب طيب اردوغان والامريكي دونالد ترامب أمس على «تعاون أكثر فاعلية» بين بلديهما بشأن سوريا حسب مصادر الرئاسة التركية للوكالة الفرنسية (أ ف ب). إذ قالت إنه خلال اتصال هاتفي، «توافق الرئيسان على ضمان تعاون أكثر فاعلية بالنسبة إلى سوريا»، وذلك بعدما توعد اردوغان بتنفيذ العملية العسكرية. لكن ورغم تحالف الأمريكيين مع الوحدات الكردية فإن انقرة تصنفها «إرهابية» ومرتبطة بحزب العمال الكردستاني الذي يخوض تمرداً دامياً في تركيا منذ 1984. واضافت المصادر الرئاسية التركية ان اردوغان «نقل إلى ترامب القلق الامني المشروع لتركيا والمتصل بوجود وانشطة» وحدات حماية الشعب في الجانب الاخر من الحدود.
تعزيزات عسكرية
وشهد الميدان تحضيرات قفزت إلى مرحلة متطورة من التسخين، حيث ادخل التحالف الدولي رتلاً من قواته يضم 5 عربات همر أمريكية و4 شاحنات عسكرية ومدفعيتين، وصلت إلى مناطق سيطرة قسد التي تتجهز لمعركة مرتقبة ضد الجيش التركي وحلفائه من قوات المعارضة التي استنفرت بكامل فصائلها استعدادا لمعركة وشيكة ستمتد على 550 كم مربع على طول الحدود التركية – السورية، وعمق 40 كم مربع.
التحركات العسكرية شرقي نهر الفرات وتعزيز أدوات واشنطن فيها، تأتي بالتزامن مع تقدم واسع لـ»قسد» التي سيطرت على كامل بلدة هجين، آخر معاقل تنظيم “الدولة الإسلامية” في سوريا، وتفرغها لموجهة الجيش التركي، فيما انحسر تنظيم الدولة حسب المرصد السوري لحقوق الانسان في بلدات وقرى صغيرة متناثرة من شرق هجين إلى الحدود السورية – العراقية، وسط استهدافات مستمرة تشهدها محاور التماس بين الطرفين.
كما شهدت مدينة البوكمال على الحدود السورية – العراقية قصفاً مدفعياً وصاروخياً من قبل تنظيم الدولة، استهدف طريق طهران – بيروت الاستراتيجي، الذي تفرض القوات الإيرانية والميليشيات الموالية لها سيطرتها عليها في القطاع الشرقي من ريف دير الزور، وذلك في محاولة منه لتأمين هروب مجموعات مسلحة تابعة له من الجيب الأخير عند الضفاف الشرقية لنهر الفرات، نحو مناطق سيطرة القوات الإيرانية في غرب النهر، وقال المرصد السوري لحقوق الانسان ان الضفاف الشرقية والغربية شهدت خلال الأشهر الفائتة، عمليات تسلل من قبل عناصر التنظيم نحو غرب النهر، من خلال عبور النهر بواسطة قوارب مطاطية، حيث ينتقل عناصر التنظيم نحو جيوب في باديتي دير الزور وحمص، فيما جاء هذا القصف في أعقاب نحو 24 ساعة من استهداف مستمر من قبل تنظيم الدولة منذ مساء الثلاثاء، بقذائف الهاون لمناطق في قريتي السكرية والحمدان، الواقعتين في ريف مدينة البوكمال في القطاع الشرقي من ريف دير الزور.
ومع اقتراب موعد الحسم العسكري على حساب السيناريو السياسي في ظل التعقيد الذي تشهده العلاقة بين واشنطن وأنقرة، فسر مراقبون المعركة في حال حصولها على رغبة الولايات المتحدة بممارسة الضغط على وحدات الحماية الكردية من أجل تقديم تنازلات لصالح تركيا. ولفت الباحث السياسي عبد الوهاب عاصي إلى ان التحالف الدولي كان قد سارع ابان قصف الجيش التركي لمواقع في شرق الفرات إلى عرض الوساطة بين أنقرة «قسد» ، كما أن ردّ واشنطن على القصف التركي كان يميل إلى «سياسة الاسترضاء» لكلا الطرفين. وأضاف: تعكس سياسة الاسترضاء الأولوية التي تركّز عليها أمريكا في مناطق شرق الفرات والتي تكمن في فرض سبل الاستقرار لمنع عودة تنظيم الدولة وتوفير أرضية صلبة للضغط على إيران وروسيا في الملف السوري، بمعنى أن أولويتها لا تكمن بالحفاظ على «قسد» كقوة محلية حليفة لها رغم أهمية الدور الوظيفي الذي تلعبه.
خيارات «قسد»
ما سبق يعني، أن «قسد» ستكون أمام خيارات محدودة في حال تم اللجوء إلى السيناريو العسكري شرق الفرات، حيث رأى «عاصي» انها سترضخ للضغط وستقدم تنازلات لصالح تركيا بوساطة من التحالف وأمريكا وستجري تعديلات جوهرية في بنيتها وهيكلها، أو أنها سوف تلجأ لخطوات من شأنها ممارسة الضغط على واشنطن بحيث تميل باتجاه روسيا وتنضم إلى النظام السوري أو تسهل سيطرته ودخوله لبعض المناطق، أو انها ستحاول اتباع سياسة التهدئة وإقناع تركيا بجدوى الاستجابة لها. وربّما تواجه «قسد» عوائق عديدة تزيد من الضغط عليها، وذلك «في حال قيام المكون العربي داخلها بالاستدارة باتجاه تركيا، خصوصاً وأن العلاقة التي تحكم العلاقة بين وحدات الحماية الكردية والمكون العربي داخل قسد تقوم على أساس ولاء المصلحة وولاء الهدنة وولاء الحماية».
من جانب آخر اشار الخبير الأمني التركيّ في مجال مكافحة الإرهاب عبد الله أغار، إلى أنّ إعلان الرئيس التركي اردوغان، الأربعاء، عن عملية شرق الفرات في سوريا؛ يحمل أهمية كبيرة للغاية على صعيد الإرادة التركية، ونقلت صحيفة «يني شفق» التركية عن أغار قوله: «نحن بانتظار عملية سيتم تنفيذها عبر مراحل تدريجيّة، ونتحدث عن 550 كم على طول الحدود التركية – السورية، وعمق 40 كم».
جاء ذلك بعدما اعلن الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، معركة ضد الحركات الكردية المسلحة المصنفة على قوائم الإرهاب، وقال الجمعة انهم: «مصممون على إرساء السلام والأمن في المناطق الواقعة شرقي نهر الفرات بسوريا» حيث تعتبر المنطقة الخطر الأكبر على مستقبل سوريا، الذي ترجمه خبراء وباحثون لـ»القدس العربي» على انه يحمل في طياته خطر إزالة الجمهورية العربية السورية من الخارطة الجغرافية والسياسية، ومن مفرزاته لاحقاً تهديد الأمن القومي التركي، ليطال الجغرافيا القريبة والبعيدة لاحقاً.