اريئيل شارون: ‘هل أنا مزعج؟’

حجم الخط
0

صباح وفاة أمي خرجت في سير على الاقدام، لجمع القوة وترتيب الافكار تمهيدا للجنازة وكل ما سيأتي بعدها. وفجأة هز الهاتف. ‘هل أنا ازعج؟’ سأل، بعد أن طلبوا في المكتب في القدس تحويل رئيس الوزراء الي. الكلمات الدقيقة التي قالها، المنولوغ الطويل عن العلاقة الخاصة التي كانت له مع امه، عن الاشواك المتوقعة والتوصية باستبطان المشاعر وتعزيز ابناء العائلة يمكنني أن استعيد منها حتى اليوم كل جملة. ‘سيدي رئيس الوزراء’، قلت بصوت مختنق، فقاطعني. ‘بلا تشريفات سميني اريك، هكذا بين الاصدقاء، انا اهاتفك كي لا آتي الى الجنازة. لو كنتِ مكاني أفلا ‘تصرفتِ مثلي؟’.
في أحد المرات اصطدمنا، وهذا هو الوصف الاكثر ملاءمة للظروف الغريبة، في الساعة الاخيرة من ليلة عاصفة في بيروت. منتصف ايلول 1982، الرئيس اللبناني المرشح بشير الجميل يصفى بعبوة ناسفة، والاسرائيليان اللذان علقا في ساحة العملية مصور ‘يديعوت احرونوت’ والصحفية طُلب منهما بحزم الانصراف من الفندق، محررين لمصيرهما في محيط معادٍ. وقفنا في زقاق الشارع بلا وسيلة. وفجأة هرعت مركبة عسكرية ولاحظنا في داخلها شارون. وقد رأى اشارات الضائقة ولم يتوقف. وبعد دقائق جاء مجهول وانقذنا. الرجل من المركبة العسكرية بعث بي، شرح دون أن يعرف نفسه، ثقوا بي.
ومرة اخرى سأل: ‘هل أنا ازعج؟’ حين طلب بخجل استشارة هاتفية لخطاب كان سيلقيه في حفلة يوم ميلاد. شارون وصل أولا الى الحدث وتحدث أخيرا. ‘يوجد اصدقاء’، كما أثنى على الزمالة، ‘ويوجد روبين (أدلر) قبل الجميع، الاقرب، الاكثر ولاءاً’. شارون، كما تعلمت مع السنين، عرف كيف يطرق الطاولة حين تكون حاجة ويطلق ملاحظات لاذعة، لا يترك جرحى في الميدان ولكنه منتقم وحشي لاصدقاء امسك بهم في الخيانة. في اللحظة التي ظهرت فيها، لم يعد هناك أي طريق للعودة.
في مناسبة اخرى اقترح لقاء ‘لغير النشر’. طلب ان استعد لحديث عن شخصية رائدة في العالم العربي، وفاجأني: لا يوجد مشهد اكثر هذيانا من رئيس الوزراء يسحب دفترا ويسجل لنفسه ملاحظات. ثلاث ساعات ونصف استمر الحديث. وفي كل مرة قلت فيها ان ‘عندي صديق هنا وهنا’، كان يوبخني: ‘يمكنك ان تتصادقي معهم. يمكنك حتى ان تنسجي معهم مؤامرات، ولكن ليس عندهم اصدقاء’. ‘لم اتفق معه في رؤية حرب لبنان الاولى، الزيارة الى القاهرة حين اصر على أن يقطع صحراء سيناء في مركبة عسكرية و ‘تذكيرهم’ بالحجيج الدامي الى الحرم وحالات اخرى اختار فيها الاستفزاز. ولكن ما أن دخل الى المكتب ورأى صورة اخرى حتى أنزل علينا فك الارتباط عن غزة. وبدلا من حل مفروض، انجب خطة. وفجأة صار مستعدا لان يشرح بانه لا يمكن السيطرة الى الابد على مصير شعب آخر. أصريت على أن اروي له كيف تبدو حياة اصدقائي في ظل الاحتلال: ‘هذا سيء لهم’، قلت، ‘كم يمكن؟’. ‘هذا سيء جدا لنا’، فقد برودة الاعصاب، وكاد يطرق الطاولة.
هنا وهناك فكرت، مثلما فكرت برابين الراحل، ‘اين كنا لو لم ينجح شارون في البقاء. من السهل التخمين أي ملاحظات تهكمية كان سيقولها عن ‘الربيع العربي’، ماذا كان سيقول بدهاء عن القذافي وعن بشار الاسد، وكيف كان سيتعاون مع الجنرال السيسي في مصر. ولكن ‘الجرافة’ كف عن العمل قبل ثماني سنوات. فلترتاح، أيها الصديق أريك.

يديعوت5/1/2014

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية