واشنطن ـ “القدس العربي”:
نشر موقع “إنترسبت” الأمريكي مقالا للصحافي الفلسطيني أحمد وحيدي عن ازدواجية وسائل الإعلام الأمريكية، التي تقدم الإسرائيليين على أنهم يعيشون في “مناطق مكتظة بالسكان”، عندما يكون هناك قصف على إسرائيل، بينما تقدم الفلسطينيين كـ”دروع بشرية لحماس”، مما يسمح لإسرائيل بتفادي اللوم عن الوفيات بين المدنيين.
وقدم الكاتب نموذج شبكة “سي إن إن” الأمريكية، التي ذكرت ليلة الثلاثاء الماضي أن “المدنيين الإسرائيليين في أجزاء من تل أبيب كانوا في مرمى نيران محتمل من هجوم صاروخي إيراني يستهدف مقر الموساد، وكالة الاستخبارات الإسرائيلية”.
ووصفت الشبكة الموقع المركزي للموساد بأنه “منطقة مكتظة بالسكان”، وهي منطقة مدنية يوجد فيها أحد المقرات الرئيسية للجيش الإسرائيلي.
ولفت الكاتب، الذي نشأ في غزة “كانت هناك عبارة غائبة بشكل واضح عن تغطية سي إن إن، وهو مصطلح نشأت وأنا أسمعه في غزة: الدروع البشرية. ولعقود من الزمان، نسبت إسرائيل العدد الهائل من القتلى المدنيين في غزة إلى حماس التي قررت أن تتواجد داخل البنية التحتية المدنية”.
وأشار إلى أنه “وفقا لهذه الرواية، فإن الأعداد الهائلة من الفلسطينيين الذين قتلوا برصاص وقنابل إسرائيل لم يكونوا ضحايا إسرائيل. ولكن بدلا من ذلك كانوا دروعا بشرية لحماس”.
وفقا لرواية سي إن إن، فإن الأعداد الهائلة من الفلسطينيين الذين قتلوا برصاص وقنابل إسرائيل لم يكونوا ضحايا إسرائيل. ولكن بدلا من ذلك كانوا دروعا بشرية لحماس
وأضاف أنه “في واقع الأمر، لم تكن هذه الدروع البشرية هي التي استخدمتها حماس. وقد نشأت هذه التسمية بسبب قرب منازل الضحايا المدنيين وأماكن عملهم من مواقع عمليات حماس في “مناطق مكتظة بالسكان”، على حد تعبير شبكة سي إن إن”.
وأكد الكاتب على أن المعايير المزدوجة التي تنتهجها وسائل الإعلام الغربية عندما يتعلق الأمر بإسرائيل وفلسطين ليست جديدة. والخطاب حول “الدروع البشرية”، أو الفشل في استخدام المصطلح، هو مثال على النفاق الذي بلغ أقصى درجاته. ففي وقت سابق من هذا العام، اشتكى العديد من موظفي شبكة سي إن إن من “التحيز المنهجي والمؤسسي داخل الشبكة تجاه إسرائيل”.
ونوه الكاتب إلى أنه في الأسبوع الماضي فقط، ذكرت شبكة سي إن إن أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اتهم حزب الله باستخدام المدنيين كدروع بشرية لسنوات. وفي الوقت نفسه، لم تصف شبكة سي إن إن إسرائيل بأنها تستخدم أيضا المدنيين كـ”دروع بشرية” حول مقر الموساد.
وشدد الكاتب “لم يكن اختلاف اللغة بين الناس مفاجأة بالنسبة لي. فبصفتي صحافيا فلسطينيا من غزة، نشأت على هذه الروايات السامة: حيث يتم تصوير الفلسطينيين على أنهم إرهابيون يسمحون لحماس بالاختباء بينهم”.
وأكد الصحافي على أن “الثمن الذي تسببت به هذه السردية يمكن أن يُحصَى في أرواح الفلسطينيين، ومؤخرا اللبنانيين، قد سمح لإسرائيل بحرية التصرف في قتل المدنيين. ففي الإبادة الجماعية الحالية في غزة، قتلت إسرائيل أكثر من أربعين ألف فلسطيني، أغلبهم من النساء والأطفال”.
وأشار إلى أنها “حصيلة مألوفة بالنسبة لي: فقد قتلت والدتي، التي كانت تعمل في الأمم المتحدة، وأختي، التي كانت تعمل في العلاج الطبيعي، في الحرب. ولم تكن أي منهما درعا بشرية أكثر من سكان تل أبيب. لقد كانتا مدنيتين قتلتهما إسرائيل”.
وأضاف “لكن المرة الأولى التي سمعت فيها تعبير “الدروع البشرية” لم تكن في إشارة إلى حماس. فما زلت أستطيع أن أتذكر، كان الجنود الإسرائيليون هم الذين استخدموا تكتيك استخدام البشر كدروع: البشر الفلسطينيون”.
وأشار إلى أنه في عام 2014، أثناء الغزو البري الإسرائيلي لخزاعة، بالقرب من مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، ظهرت أنباء عن قيام القوات الإسرائيلية بمحاصرة عائلة فلسطينية في المنطقة وإجبار ابنها البالغ من العمر 16 عاما أحمد أبو رضا على الخروج من المنزل تحت تهديد السلاح. وقد اختُطف أبو رضا واستخدمه جنود إسرائيليون كـ “درع بشري” لمدة خمسة أيام للبحث عن أنفاق مزعومة لحماس. وبعد إطلاق سراحه، قال أبو رضا إن الجنود الإسرائيليين أساءوا معاملته أيضا نفسيا وجسديا.
بينما يعامل قادة إسرائيل وجيشها قطاع غزة بأكمله وسكانه كدروع بشرية، فإن معنى عبارة “الدرع البشري” بموجب القانون الدولي قد انحرف إلى حد لا يمكن التعرف عليه
وذكر الكاتب “كنت طفلا في العاشرة من العمر في ذلك الوقت، وقد هزتني فكرة أنني أيضا قد أمر بالتجربة المروعة التي مر بها أبو رضا. مع مرور السنين، واصلت القوات الإسرائيلية نفس الأعمال اللاإنسانية، مع المزيد من الاضطهاد والإذلال في الضفة الغربية – بغطاء من تأطير وسائل الإعلام، واستسلام الحكومة الأمريكية”.
وأشار إلى أنه رغم أن استخدام الدروع البشرية بشكل غير طوعي كان جريمة حرب بموجب اتفاقية جنيف منذ عام 1949، فإن هذه الديناميكية ليست جديدة، ووسائل الإعلام الأمريكية لديها تاريخ طويل في اتهام أعداء أمريكا الإيديولوجيين باستخدام المدنيين كـ “دروع بشرية”. ففي عام 1967، ورد أن وكالة أسوشيتد برس وصفت الفيت كونغ في فيتنام بأنهم “يستخدمون الأطفال كدروع بشرية”. وسلط الرئيس جورج بوش الابن الضوء على استخدام صدام حسين للمدنيين كـ “دروع بشرية” لتبرير حربه على العراق.
ويشدد الكاتب على أنه بينما يعامل قادة إسرائيل وجيشها قطاع غزة بأكمله وسكانه كدروع بشرية ـ بما في ذلك كل مستشفى ومدرسة ومخيم للاجئين ـ فإن معنى عبارة “الدرع البشري” بموجب القانون الدولي قد انحرف إلى حد لا يمكن التعرف عليه.
وذكر الكاتب أنه “بالنسبة للفلسطينيين، فإن المصطلح يتجاوز مجرد وصف أجسادنا على خطوط المواجهة الإسرائيلية، فهو يختزل وجودنا إلى وجود دون البشر، ويعامل حياتنا على أنها لا قيمة لها كأشياء وأدوات حرب”.
وأكد على أنه من الواضح أن شبكة سي إن إن لم تندِّد بشدة باستخدام إسرائيل للمدنيين كـ”دروع بشرية” عندما أشارت إلى موقع الموساد المكتظ بالمدنيين. وذلك لأن شبكة سي إن إن، مثلها مثل كل وسائل الإعلام الغربية تقريبا، ترى أن الإسرائيليين، على النقيض من الفلسطينيين، بشر”.