رأي القدس استقالة الدكتور برهان غليون من رئاسة المجلس الوطني السوري وقبولها من قبل المجلس التنفيذي يعكسان حجم الانقسامات ليس داخل المجلس نفسه فقط، وانما حالة الانقسام التي تعيشها المعارضة السورية في هذا الظرف الحرج.الدكتور غليون تعرض لانتقادات عديدة من الداخل السوري، مثلما واجه انتقادات من بعض زملائه، ابرزها محاولة البقاء في منصبه لاطول مدة ممكنة، وهذا يتعارض حتما مع مبدأ تداول السلطة الذي تم الاتفاق عليه اثناء انـعقاد الهيئة العليا للمجلس في اسطنبول قبل عام تقريبا.مشكلة المجلس الاساسية تكمن في عدة نقاط: الاولى انه يتكون من خليط غير متجانس من شخصيات سورية مقيمة في المهجر يفتقر معظمها الى الخبرة السياسية القائمة على الممارسة وعلى رأس هؤلاء الدكتور غليون نفسه، والثانية وجود صراع بين تكتلين الاول ديني بقيادة جماعة الاخوان المسلمين والثاني علماني يتزعمه الدكتور غليون نفسه، والثالثة اتساع الفجوة بين المجلس ولجان التنسيق المحلية التي تتحمل العبء الاكبر في الثورة السورية، وتقوم بالمواجهات مع قوات النظام وحلوله الامنية. والرابعة محاولة تبني تجربة المجلس الوطني الليبي الانتقالي بحرفيتها دون الاخذ في الاعتبار الاختلاف الكبير بين التجربتين الليبية والسورية.التسرع في تشكيل المجلس الوطني السوري واختيار قيادته هو من الاسباب الرئيسية للازمة الطاحنة التي يعيشها حاليا، وربما يكون هذا التسرع عائدا الى اعتقاد ثبت خطؤه وهو ان النظام السوري الديكتاتوري لن يصمد طويلا، وسينهار بسرعة بسبب ضخامة الانتفاضة والتفاف قطاع كبير من السوريين حولها مع دعم عربي وعالمي، ولكن ما حدث ان النظام صمد اكثر من عام وثلاثة اشهر بسبب آلته القمعية الدموية التي ادت الى مقتل اكثر من عشرة آلاف شخص.صمود النظام لم يكن راجعا الى ضعف الانتفاضة الشعبية، بل هو راجع الى دعم روسيا والصين وايران ودول اقليمية اخرى للنظام، وهو الدعم الذي تمثل بالمال والسلاح جنبا الى جنب مع الدعم السياسي في مجلس الامن الدولي من حيث استخدام حق النقض ‘الفيتو’ ضد اي قرار بفرض عقوبات اقتصادية دولية ضد النظام السوري.الشعب السوري قدم تضحيات ضخمة على مدى الاربعة عشر شهرا الماضية من انتفاضته، وكان صموده اعجازيا بالمقاييس كلها، ولكن المعارضة الخارجية التي تولت مسؤولية تمثيله في الخارج لم تكن على مستوى هذه التضحيات، بل شوهتها من خلال خصوماتها وتنافسها على المناصب، وتخوين بعضها البعض.المجلس الوطني السوري الذي اراد له ‘اصدقاء سورية’ ان يكون الممثل الشرعي للشعب السوري والبديل القادم للنظام لم يكن على قدر هذه المسؤولية الكبيرة، ولذلك خسر الكثير من الدعم السياسي الذي حظي به في بداية تكوينه من جانب العرب ودول غربية على رأسها الولايات المتحدة الامريكية.القشة التي قصمت ظهر المجلس رفض قيادته تلبية دعوة الجامعة العربية وامينها العام نبيل العربي للاجتماع في القاهرة لبحث امكانية توسيع هذا المجلس وضم معارضين آخرين له. فاذا كان المجلس لا يستطيع التعايش مع جماعات معارضة اخرى، بل لا يستطيع معظم اعضائه التعايش فيما بينهم فانه سيكون من الصعب عليه وهو الذي يطرح التغيير الديمقراطي التعايش مع نسبة ليست قليلة من الشعب السوري ما زالت تؤيد النظام واقناعها بالتالي التخلي عنه.Twitter:@abdelbariatwan