إسطنبول- “القدس العربي”: على الرغم من تأكيد الجانبين التركي والإماراتي على الأبعاد السياسية و”الاستراتيجية” للتقارب المتسارع بينهما، إلا أن الاقتصاد لا يزال يهمين على العلاقات المتجددة عبر حزمة كبيرة من ملفات التعاون والاستثمارات الضخمة والتطرق إلى الصناعات الدفاعية والسعي للتوافق على إنشاء طريق تجارة دولي جديد يمكن أن يفتح آفاقا تجارية واقتصادية كبيرة للجانبين في حال نجحت مخططات تنفيذه.
فخلال أسابيع قليلة فصلت بين زيارة ولي عهد أبو ظبي محمد زايد إلى أنقرة، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى أبو ظبي، جرى التوقيع على حزمة كبيرة من الاتفاقيات الاقتصادية في مجالات واسعة شملت البورصة والبنوك المركزية والاستثمار والتبادل التجاري والصناعات الدفاعية والتكنولوجية، إلى جانب الاتفاق الأهم المتوقع حول طريق تجاري بري من تركيا إلى الإمارات عبر إيران يمكن أن يعتبر بمثابة طريق جديد للتجارة الدولية.
وساهمت التحديات الاقتصادية الكبيرة التي فرضها انتشار جائحة كورونا وتراجع الدور الأمريكي في المنطقة، والتحديات التي فرضتها الإدارة الأمريكية بزعامة جو بايدن على الطرفين، إلى جانب ترتيبات إعادة هيكلة خريطة العلاقات في المنطقة لمرحلة ما بعد الربيع العربي وغيرها الكثير من التحديات الاقتصادية والسياسية والأمنية الداخلية والإقليمية والدولية، ساهمت جميعها في دفع الجانبين نحو العمل على تحييد الخلافات والتركيز على التعاون في ملفات الاتفاق في خطوة اعتبرت بمثابة تغليب للمصالح القومية على التوجهات الشخصية للزعماء والسياسات المبنية على أرضية أيديولوجية.
ولأول مرة منذ أكثر من 9 سنوات، وصلت فيها الخلافات بين البلدين إلى أسوأ مراحلها على الإطلاق، زار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان دولة الإمارات العربية المتحدة والتقى ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، في زيارة تخللتها مراسم استقبال استثنائية والتوقيع على 13 اتفاقية تعاون بين البلدين.
وشملت الاتفاقيات مجالات الاستثمار والدفاع والنقل والصحة والزراعة والاستثمار والإعلام والزراعة والصناعة، إلا أن الاتفاقيات الأهم كانت تتعلق بالتعاون في مجال الصناعات الدفاعية ومذكرة تفاهم بشأن التعاون في مجالات النقل البري والبحري، إضافة لبيان مشترك حول بدء المفاوضات بخصوص اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة.
وخلال زيارة بن زايد إلى أنقرة نهاية العام الماضي، جرى التوقيع على عدد كبير من الاتفاقيات بين البلدين، كان أبرزها إعلان الإمارات تخصيص صندوق بقيمة 10 مليار دولار للاستثمار في تركيا في مؤشر يظهر حجم الأولوية التي يوليها الطرفان للجانب الاقتصادي.
ويسعى البلدان لإنشاء طريق جديد للنقل التجاري البري من تركيا إلى الإمارات مروراً بإيران ليكون بديلاً عن قناة السويس، حيث تشير التقديرات إلى أن ذلك سوف يوفر الكثير من الوقت والتكاليف بالنقل، وسيفتح آفاقا تجارية مهمة للبلدين، كما أشار أردوغان إلى إمكانية التعاون بين البلدين في أفريقيا وهو ما قد يفتح مجالاً لتعزيز التجارة التركية في القارة السمراء من خلال الاعتماد على نفوذ الموانئ التي تديرها الإمارات بالقارة.
وأوضح بيان إماراتي أن الاجتماعات مع الوفد التركي ناقشت “فرص التعاون المتنوعة المتاحة في البلدين خاصة في المجالات الاستثمارية والاقتصادية والتنموية”. ونقل البيان عن ولي عهد أبو ظبي قوله إنّ بلاده “حريصة على التعاون مع تركيا لمواجهة التحديات المشتركة المتعددة التي تشهدها المنطقة عبر الحوار والتفاهم والتشاور والحلول الدبلوماسية”.
من جهته، أوضح أردوغان أن حجم التجارة غير النفطية بين تركيا والإمارات بلغ قرابة 89.6 مليار دولار خلال العقد الأخير، مضيفاً أن حجم التجارة بين البلدين ارتفع من 7.3 مليار دولار في 2019 إلى 8.9 مليار في 2020 بزيادة بلغت 21 في المئة، وسط هدف رفعه ضعفين خلال السنوات المقبلة، معتبراً أن “تركيا والإمارات تتمتعان بإمكانية التعاون في مناطق مختلفة من العالم لا سيما يما يخص المنطقة القريبة وأفريقيا” مشدداً على أن “تركيا منفتحة دائما على التعاون البنّاء باعتبارها مركز جذب بفضل موقعها الجيوسياسي وطاقاتها البشرية ومجال فاعليتها وقوة إنتاجها ودورها في إرساء الاستقرار”.
والأحد، قال بكر باكدميرلي، وزير الزراعة والغابات التركي، إن نحو 2000 شركة تركية تعمل في قطاع الأغذية داخل دولة الإمارات العربية المتحدة. وأوضح في مؤتمر لرابطة مصدري منتجات الأغذية التركية في دبي، أن الإمارات هي الشريك التجاري الأكبر لتركيا في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي، كما “تعتبر حليفاً اقتصادياً موثوقاً، وسوقاً استراتيجية للسلع والمنتجات التركية”.
وكان وزير الخارجية التركي، مولود جاوش أوغلو، تحدث عن مشروع الطريق البري بالقول: “تلقينا عرضاً من دولة الإمارات العربية المتحدة لتوقيع اتفاقية النقل البري إلى تركيا، وقد تعاملنا معها بشكل إيجابي”. وأضاف: “لن يكفي إتمام هذا الأمر على المستوى الثنائي بين البلدين فقط، لأن هذا النقل البري سيأتي عبر إيران في الوقت الحالي”. وتابع: “عندما نجري الحسابات، فإن أي شحنة تغادر اسطنبول حالياً متوجهة إلى الإمارات فإنها تستغرق ما بين 25 و28 يوماً عن طريق البحر، لكن ستستغرق 10 أيام براً ومع ذلك، يتم قضاء جزء طويل من هذا الوقت في التخليص الجمركي”.
ولفت الوزير التركي إلى أنه “لا بد من تخفيض هذا الوقت. ومن ثم فإنه بعد التوقيع على مثل هذه الاتفاقية، ربما يمكننا بعد ذلك التوقيع عليها على المستوى الثلاثي بعد التوقيع عليها على المستوى الثنائي. لقد رحبنا بها، ونحن نتفاوض بشأنها حاليا. نريد أن نوقع هذه الاتفاقية”.
وكانت رحلة تجريبية أجريت مؤخراً لشاحنات بدأت رحلتها من رأس الخيمة قبل أن تتجه إلى الشارقة، ومن هناك نُقلت الشاحنة على متن سفينة لقطع مياه الخليج العربي إلى ميناء بندر عباس على الجهة الإيرانية. وبمجرد وصولها إلى إيران سارت برّاً إلى معبر بازرجان-جوربولاك، ووصلت إلى ميناء الإسكندرون على ساحل البحر الأبيض المتوسط في تركيا بعد أقلّ من أسبوع من مغادرتها رأس الخيمة، وهو ما يؤكد واقعية المشروع وإمكانية تطبيقه بما يوفر وقت النقل إلى الثلث ويقلل أيضاً تكلفة النقل وهو يزيد من قدرة البضائع التي تمر عبره على المنافسة بالسعر.
وعقب عودته من الإمارات، قال أردوغان: “وقعنا 13 مذكرة تفاهم وبروتوكولا في مجالات مختلفة. مع توقيع خطاب النوايا في مجال الصناعات الدفاعية، توصلنا إلى توافق في الآراء لضمان التنسيق فيما يتعلق بالخطوات المشتركة التي سيتم اتخاذها في الفترة المقبلة بهذا الصدد، وتم خفض التكاليف اللوجستية بفضل مذكرة التفاهم المبرمة في مجال النقل البري والبحري” لافتاً إلى أن البلدين اتفقا بخصوص بدء مفاوضات اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة من دون تأخير.
وأشار أردوغان إلى أنه لاحظ “مدى الاهتمام الكبير من قبل المستثمرين في الإمارات بتركيا خلال الاجتماع مع رجال الأعمال، والاهتمام الكبير بشركات التكنولوجيا التركية وبيئة العمل الديناميكية المتطورة”، مضيفاً: “يرغبون كمستثمرين في الفترة المقبلة بالمساهمة في المشاريع الكبيرة وشركاتنا التقليدية وكذلك الشركات الناشئة والمراكز التقنية، وأكدنا استعدادنا لتقديم كافة أشكال الدعم اللازمة لهم في هذه المرحلة”.
وحياة الله مجرد فقاعة كل الذي يحدث