تتوالى ردود الفعل وردود الفعل المضادة بعد الهجوم الكيماوي الذي أسفر يوم الأربعاء الماضي في منطقة الغوطة الشرقية بضواحي دمشق عن سقوط عدد من القتلى، تفيد مصادر عديدة بأنها جاوزت الألف قتيل. ولكن ردود الفعل وردود الفعل المضادة هذه باتت تحقّق ـ وكالعادة- درجات من التسيّب والانحلال واللامبالاة تلامس اللامسؤولية، بما يترك الباب واسعا لنتساءل هل ثمة بذرة فاعلية في أروقة دوائر صناعة القرار الدولي. فقـــــد صارت تخــتزل حاليا قصة الهجوم الكيماوي مقولات من طراز البادي أظلم، وابحثوا عن الجاني فاصنعوا به ما طاب لكم عندما تضبطوه، والله ولي التوفيق. أبهذه البساطة تعالج واحدة من أكثر الأزمات تأثيرا على شرق أوسط أيّامنا؟ أبهذه الدرجة من التقاعس في أداء الواجب يتعامل المسؤولون الدبلوماسيون تحت إمرة رؤسائهم المباشرين؟ ليس هذا المقال مجالا لتقييم مهنية المسؤولين المنخرطين في الأزمة السورية الحالية، غير أنّ لدينا عدّة أسئلة تقودنا الى تصعيد اللهجة. منذ اكثر من عامين بدأت الأزمة السورية، فتعهدت القوى العالمية الكبرى بعقد مؤتمرين للتباحث في حل النزاع. انعقد المؤتمر الأول فصار نسيا منسيا، ولم ينعقد المؤتمر الثاني، ولن نخون الحقيقة إن قلنا إنه لو انعقد لكتب له نفس المصير. طبعا، لا يغترنّ مغترّ كما يقال، فلم يكن هناك أمل كبير معقود على المطبّل والمروّج من الاجتماعات ولا على استبدال أرقامها بأخرى. كان الأمل معقودا على التفكير في حل سياسي، يتمكن فيه كل طرف، ليس لمجرد إنقاذ ماء الوجه، وإنما للمضي قدما من أجل رسم ملامح حكم جديد في سورية، يتوافق أولا وأخيرا مع مطالب الشعب. فلماذا لم يتم التفكير في هذا الحل السياسي؟ والحل السياسي، كما هومعلوم، يتوقف على إشراك، شئنا أم أبينا، جميع الأطراف الفاعلة. ويمكن إلقاء السؤال بعبارة اخرى: لماذا لم تجر مفاوضات بين أطراف الأزمة السورية نظاما ومعارضة، ولماذا لم يجر النقاش على شكل الدولة السورية التي يمكن ان ترى النور بعد حكم الأسد؟ لماذا لم يجر التداول في مفهوم الديمقراطية، ولماذا ترك القتال يجري على عواهنه دونما فحص لمختلف الخيارات الإيديولوجية التي حملتها الأطراف المقاتلة، والتي كان يمكن أن يفعّلها الدهاء الدبلوماسي، بحيث تصبح هذه الأطراف في القتال أطرافا في الحوار؟ الطرف الوحيد الذي حاول ان يقدم مساهمة وجيهة في هذا الموضوع هو الطرف الإعلامي وبشكل محدود. ألم يكن بحوزة دبلوماسيينا ‘المحنّكين’ أن يعقدوا مثل هذه الاجتماعات وراء الكواليس كما يقال؟ ألم تنصب الكواليس في المجال الدبلوماسي من أجل العمل؟ قد يردّ لي قائل إنّ لقاءات من هذا النوع انعقدت فعلا وأنت لا تدري… كل الافتراضات مقبولة طبعا، ولكن الواقع ناطق عن نفسه بنفسه أيضا، وهو واقع وصل الى تدرّج في مستوى الدمار لم نعهده. ‘إن اجهزة مخابرات امريكية وعربية أجرت تقييمها الأولي، الذي يفيد بأن قوات موالية للأسد استخدمت أسلحة كيماوية بالفعل’، تقول وكالة رويترز ساعة كتابة هذه السطور. في المقابل تضيف الوكالة، ‘تقول حكومة الأسد إن المعارضة المسلحة ربما نفذت الهجوم الكيماوي بنفسها لاستدعاء التدخل الأجنبي’. أمّا وزراء خارجية المجتمع الدولي فيتوعّدون ولا يغادر التلويح بتدخلّ عسكري ألسنتهم، أمّا البحث عن حلّ سياسي مع جميع الأطراف، فيبدو أنّ ملامحه – التي كان مفترضا لها ان ترتسم منذ بدء الأزمة ـ صائرة إلى زوال لأجل غير مسمّى، وأمّاّ عن حقن الدماء، فيجدر بك ألاّ تسأل…