بغداد ـ «القدس العربي»: أثار إعلان رئيس الحكومة العراقية، محمد شياع السوداني، استرداد جزء من الأموال المتعلقة بـ«سرقة القرن»، تبايناً في الآراء في الداخل العراقي، ففيما تحدّثت مصادر برلمانية عن «فقدان» أكثر من 13.5 مليون دولار، لم يُكشف عن مصيرها، مؤكدة أن المبلغ المُستردّ لا يساوي «5 ٪» فقط من مبالغ «الأمانات الضريبية»، عدّ متابعون للشأن السياسي في العراق، الإعلان الحكومي الأخير، بأنه خطوة جدّية في طريق مكافحة الفساد في العراق.
وظهر السوداني، مساء أول أمس، في كلمة تلفزيونية وجّهها للشعب العراقي، وهو يتوسط أكداس المال (بالدينار العراقي والدولار) التي قال بأنها «مستردّة» من قضية سرقة الأمانات الضريبية.
ويُقدّر حجم الأموال المسروقة في القضية، بنحو 2.5 مليار دولار.
ووفقاً له فقد «تم استرداد جزء من الأموال المسروقة من الأمانات الضريبية»، لافتا إلى أن «الجهات المختصة تمكنت من استرداد الوجبة الأولى البالغة أكثر من 182 مليار دينار (نحو 125 مليون دولار)».
ورغم أهمية خطوة السوداني في طريق مكافحة الفساد الوعرّ، غير أن النائب المستقل، هادي السلامي قال في «تدوينة» له، «200 مليار (136.5 مليون دولار) كانت في مصرف الود/ فرع 14 رمضان (في منطقة المنصور ببغداد) تم التحرز عليها بعد 3 أيام من إلقاء القبض على نور زهير (المتهم في القضية)».
وأضاف أن «السوداني أعلن عن 180 ملياراً»، مؤكداً أن «هناك 20 ملياراً (13.6 مليون دولار) مفقودة».
الكثير من الاستعراض
كذلك، ذكر النائب باسم خشّان إن الأموال المستردة من الأمانة الضريبية، لا تساوي (5 ٪) من المبالغ المسروقة.
ووفقاً لبيان النائب فإن «صورة المبالغ التي جمعها وعرضها رئيس مجلس الوزراء تؤكد إن البيان فيه الكثير من الاستعراض لتمرير إجراء غريب، وهو الإفراج عن متهم بسرقة ما يقرب من أربع تريليونات، ليتكرم الحرامي بإعادة جزء مما سرقه، الأموال وضعت على طاولة لتبدو أكثر من حقيقتها، فكل ما تم استرداده لا يساوي 5 ٪ من الأمانات التي سرقت».
ويستند النائب خشّان في معلوماته على تصريح السوداني، مساء أول أمس، بكشفه عن إصدار أمر قضائي «بإطلاق سراح نور زهير بكفالة لتسليم كامل المبلغ خلال أسبوعين»، مشيرا إلى أن «القسم الأكبر من المبلغ لدى نور زهير هي عقارات».
ودعا السوداني، المتهمين الصادرة بحقهم أوامر قبض إلى «تسليم أنفسهم وتسليم المبالغ المسروقة، وسنعمل مع القضاء لمساعدتهم وفق القانون»، مؤكداً أن «الحكومة ستتابع أي متهم وتسترد المبالغ المسروقة».
في السياق ذاته، كتب المحلل السياسي العراقي، علي البيدر، معلّقاً: «إدارة الدولة بطريقة (شعبوية) يساهم في انهيارها بسرعة فائقة».
وأضاف في «تدوينة» له، إن «إطلاق سراح السراق بهكذا سيناريو يمنح الجميع الفرصة لتجربة حظهم في سرقات مشابهة».
الخبير القانوني العراقي، علي التميمي، رأى «قانونية» إخراج المتهم بكفالة مالية في القانون العراقي إذا كانت الأمر يتضمن تفضيلاً للمصلحة العامة.
وقال، في بيان صحافي، إن «إطلاق سراح المتهم بكفالة يعد أمرا ممكناً وفق قانون أصول المحاكمات الجزائية، وهو صلاحية قاضي التحقيق وفق المواد 109 و110 من قانون الأصول الجزائية».
وأضاف أن «المادة القانونية الموقوف بها المتهم تقبل الكفالة، وبالتأكيد الكفالة مشروطة بتسليم المبالغ موضوعة الدعوى»، مبيناً أن «هذا لا يعني سقوط الإجراءات القانونية بحق المتهم، بل ستحال الدعوى إلى المحكمة المختصة وفقا لمادة الاتهام بعد استكمال الإجراءات التحقيقية».
وأشار إلى أن «هذا الإجراء ينطبق مع السياسة الجنائية التي تروم تحقيق المصلحة العامة وفق قاعدة إذا تضاربت مصلحتان تفضل المصلحة العامة على الخاصة، ومن الممكن النص في شروط الكفالة الصادرة من محكمة التحقيق أنها تكون معلقة على شرط واقف وهو بعد تسديد المبلغ، ومما يعني أن المتهم يبقى رهن التوقيف حتى تستكمل كل إجراءات الاسترداد للأموال ثم بعد ذلك يطلق سراح وتنفذ الوكالة».
محلل يشكك بإطلاق سراح المتهم بكفالة… وقانوني: خدمة للصالح العام
في الطرف المقابل، رأى محمد الربيعي، مدير مؤسسة النهرين للشفافية ومكافحة الفساد إن «إعلان رئيس الوزراء لاسترداد أموال سرقة الأمانات الضريبية خطوة جيدة تسهم في وضع أسس لمكافحة الفساد، وكذلك ردع الفاسدين لاسيما سرعة الإجراءات المتبعة بهذه الخطوة لاسترداد الأموال المنهوبة في ملف سرقة الأمانات الضريبية».
وشدد على ضرورة «اتخاذ إجراءات في حماية الضمانات الضريبية الموجودة في الوزارات»، مطالباً حكومة السوداني، بـ«ضرورة اتخاذ قرارات صارمة ومراجعة حقيقية لآليات العمل والقوانين والأنظمة والتعليمات المتبعة في جميع مؤسسات الدولة خصوصاً المالية منها، من أجل غلق الثغرات التي أحدثها بعض المتنفذين في الفترة السابقة والتي بسببها تم نهب الأمانات الضريبية»، وفقاً للوكالة الرسمية.
فيما بيّن إحسان الشمري، رئيس مركز التفكير السياسي العراقي أن، «استرداد الأموال المسروقة تعد خطوة متقدمة واستجابة سريعة لقضية شغلت الرأي العام العراقي»، لافتاً إلى أن «هذه الخطوة، تؤكد بأن الملاحقة للأموال وتتبعها مع اتخاذ إجراءات قانونية وتفعيل الاسترداد تمثل لحظة بناء ثقة بإجراءات مكافحة الفساد، ولابد من أن تتبعها خطوات أخرى».
فتح ملفات أخرى
وبين الشمري، حسب المصدر ذاته، أن «الموضوع لا يرتبط فقط بهذا الإجراء وإنما لابد أن يتبعه فتح ملفات أخرى ترتبط بقضايا فساد لسنوات طوال ماضية»، مؤكداً أن «المال العام لا يسقط بالتقادم، ووجود مثل هكذا خطوات تعطي مؤشراً على أن استمرارها بذات القوة ممكن أن تكون بداية لتقويض الفساد».
وأشار إلى أن «ما تم من استرداد جزء من الأموال المسروقة، يؤسس لمرحلة جديدة في التعاطي مع ملفات الفساد ومن ثم لابد من استكمال كل الأدوات للدولة لغرض محاربة الفساد»، مشدداً على وجوب أن «يكون هناك جهد داعم من قبل البرلمان من خلال دعم تشريعات القوانين وتفعيل الهيئات الرقابية كهيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية».
ولفت إلى أن «الإرادة السياسية تعد الأهم، ولابد من أن تكون هناك إرادة داعمة لهكذا خطوات، وبخلاف ذلك قد نكون أمام قيد سياسي جديد». سياسياً، أعلن رئيس تيار «الحكمة» عمار الحكيم، دعمه لإجراءات الحكومة الخاصة بمكافحة الفساد.
وقال، في بيان «نعلن دعمنا الكامل لإجراءات الحكومة الموقرة وتشكيلات مكافحة الفساد وآخرها ما أعلن عنه رئيس الوزراء، باسترداد جزء من الأموال المسروقة من الأمانات الضريبية».
وأضاف: «إننا إذ نثمن هذه الخطوة فإننا نحث الجهات المعنية على استكمال جهود استرجاع الأموال المنهوبة وإصدار أحكام قضائية بحق الفاسدين والمتعاونين معهم وفق القانون، وأن لا يبقى كل من سولت له نفسه المساس بحقوق الشعب بعيدا عن متناول العدالة».
وصنّفت منظمة الشفافية الدولية، العراق في المرتبة 157 من أصل 180 دولة على مؤشرها لعام 2021 للحوكمة النظيفة.
ويشير تقرير مدققي الحسابات، الذي حصلت عليه وكالة «أسوشيتد برس» ونشرته صحيفة «الغارديان» لأول مرة، إلى أن سرقة أمانات الضرائب «كانت مدبرة من قبل شبكة واسعة من المسؤولين وموظفي الخدمة المدنية ورجال الأعمال. وفي نظام المحسوبية المتجذر في العراق، غالبا ما يكون لهؤلاء الأفراد صلات بفصائل سياسية قوية».