أور كشتي
حوالي 90 في المئة من الجمهور في إسرائيل يقدرون، باحتمالية عالية ومتوسطة، أن أعمال عنف ستندلع بين اليهود والعرب في القريب، كما حدث في أيار 2021. النسبة المقابلة في أوساط العرب تقدر بـ70 في المئة. هذا ما يظهر في الاستطلاع الذي أجراه معهد ايكورد في الجامعة العبرية بعد أسبوعين على اندلاع الحرب.
الصورة التي تظهر من هذه المعطيات وغيرها تشير إلى توتر شديد بين اليهود والعرب داخل إسرائيل. “الصدمة الجماعية في 7 تشرين الأول ستشكل طبيعة العلاقات بين المجموعتين السكانيتين لسنوات كثيرة”، قال البروفيسور عيران هالبرين من قسم علم النفس في الجامعة العبرية في القدس ومؤسس معهد ايكورد.
في الأسبوع الماضي، ألقى البروفيسور محاضرة أمام العاملين في جمعية “شتيل”، التي أسسها الصندوق الجديد لإسرائيل وتساعد منظمات مدنية تدفع قدماً نحو تغيير اجتماعي. عنوان المحاضرة، التي شملت أرقاماً واستنتاجات من استطلاعات للرأي العام التي أجراها المعهد في الأسابيع الأخيرة، هو “قبل الانفجار؟ العلاقة بين اليهود والعرب في ظل الحرب”.
أحداث 7 تشرين الأول هي “حدث تأسيسي، له تأثير نفسي كبير جداً”، أوضح هالبرين في المحاضرة. “الرواية الآخذة في التبلور الآن حول نسيج العلاقات بين اليهود والعرب في المجتمع الإسرائيلي قد تذهب إلى اتجاهات مختلفة جداً: مواجهة داخلية شاملة أو بناء رواية جديدة مع أمل”. التقدير السائد في المجموعتين حول احتمال اندلاع العنف بينهما “ليس نقطة جيدة للبداية”، حسب قوله. في هذا السياق، أضاف هالبرين بأن “جزءاً من العرب يخشون من التعبير عن موقفهم”، لذلك فإن الرقم الذي يقيس التقديرات في أوساط العرب حول اندلاع العنف، متدن مقارنة بالجمهور اليهودي.
حسب أقوال هالبرين، فإن اليهود والعرب “يعيشون منذ 7 تشرين الأول خوفاً جماعياً وشخصياً حقيقياً، يستند إلى صدمات الماضي – الكارثة والنكبة”. هذه الرؤية قد تؤدي إلى “رخصة أخلاقية”، مقاربة بحسبها “عند مواجهة الشر المطلق، فإن القيود الأخلاقية لن تكون مهمة، والمجموعتان تتبنيان الآن مقاربة داحضة. من هنا، من السهل الانزلاق إلى أعمال العنف”.
ثمة صفة بارزة للوضع الحالي، وهي “عدم التفهم المطلق، أكثر بكثير مما كان في السابق، للطرف الثاني”: التيار اليهودي العام لا يفهم لماذا يخاف العرب من التعبير عن أنفسهم بحرية في الشبكات الاجتماعية، أو لماذا لا يقفون بشكل علني ضد حماس؛ العرب يشعرون بالإهانة من المطالبة المستمرة بإدانة أعمال القتل، التي هم أنفسهم تضرروا منها، وبالتأكيد لم يؤيدوها. عدم التفهم والتشكيك ينعكس بشكل جيد في المعطى التالي: 90 في المئة من اليهود و98 في المئة من العرب أجابوا بأنهم يعارضون العنف ضد المجموعة الأخرى. ولكن في المقابل، نصف المستطلعين في المجموعتين قدروا أن أبناء القومية الأخرى يؤيدون ذلك فعلياً.
الأرقام التي تنشر هنا للمرة الأولى تستند إلى استطلاعات مختلفة أجريت في 19 – 23 تشرين الأول على عينة شملت 1000 شخص من العرب واليهود. الخوف الذي ولدته المذبحة في 7 تشرين الأول في أوساط اليهود يتمثل أيضاً في رؤية متجانسة لمجمل العرب. وإن 89 في المئة من اليهود يؤمنون بأن معظم السكان في قطاع غزة يؤيدون هجوم حماس. النسبة الموازية بخصوص الفلسطينيين في “المناطق” [الضفة الغربية] هي 84 في المئة، ونسبة المواطنين العرب في إسرائيل 54 في المئة. “الخوف يولد عملية نفسية، والتي لو لم تؤد إلى الكراهية والتطرف والعنصرية تجاه العرب، لتفاجأت جداً”، قال هالبرين.
معهد ايكورد هو جمعية اجتماعية – أكاديمية، تعمل في إطار الجامعة العبرية، وتهدف إلى المضي بالبحث في المجال النفسي الاجتماعي من أجل تطوير “علاقة مساواة وتسامح واحترام بين المجموعات المختلفة داخل إسرائيل وبين المجتمع الإسرائيلي والدول المجاورة في المنطقة”، كما كتب في موقع المعهد. منذ أيار 2021 يبحث المعهد مستوى الكراهية وعدم الثقة بين المجموعتين كل بضعة أشهر. وحسب هالبرين، تظهر الأرقام الأخيرة “ارتفاعاً كبيراً جداً” في مستوى كراهية اليهود تجاه العرب: قبل الحرب مستوى كراهية العرب صنف عند الرقم 2.5 في سلم يتكون من 1 إلى 6. الآن هذا الرقم أعلى من 4.
في هذا السياق، عرض هالبرين منحنيين مثيرين للقلق: مستوى تأييد اليهود للعنف تجاه العرب ارتفع من 1.37 في المئة في آذار إلى 1.89 في المئة في تشرين الأول (تأييد العرب للعنف تجاه اليهود انخفض في هذه الفترة). ومستوى تأييد اليهود لـ “خطاب عدائي تجاه العرب في الشبكات الاجتماعية ارتفع في هذه الفترة من 1.5 إلى 2.25 في المئة”. وفي هذه المسألة سجل انخفاض في التأييد في أوساط العرب. معنى هذه الأرقام هو “تطبيع، أو فهم أو تسامح، بخصوص عنف اليهود تجاه العرب في إسرائيل”، أشار هالبرين.
بخصوص مواقف الجمهور العربي، قال هالبرين إن “الكثيرين منهم يعيشون مع شعور بالعجز شبه المطلق. هم يقولون لأنفسهم: أمام التطرف الكبير جداً في المجتمع اليهودي والاضطهاد في أماكن العمل والجامعات، من الذي سيحمينا؟ الشرطة هي شرطة إيتمار بن غفير. هذه تجربة ذات إمكانية كامنة للانفجار”. وثمة جانب آخر، وهو أن “مئات آلاف الأشخاص لا يوجد لهم رخصة للتعبير عن مشاعرهم الشخصية؛ لأنه يحظر على العرب في إسرائيل القول بأنهم ضد قتل أو معاناة الأطفال أو الأبرياء. هذه تجربة صعبة سيكون تأثيرها على العلاقات بين اليهود والعرب مدمراً”. هناك نقطة ضوء واحدة يجدها هالبرين في حقيقة أنه “لم تندلع أعمال شغب، هذا يعني أن هناك أشخاصاً عقلانيين في الطرفين، إلى جانب المجانين والمتطرفين”.
بعد فترة قصيرة من 7 تشرين الأول، بدأوا في “ايكورد” بفحص الرسائل التي يمكن أن تخفض مستوى التعميم للجمهور اليهودي تجاه الجمهور العربي. توجه معهد الأبحاث إلى الباحثين في البلاد وفي الخارج، وطلب منهم اقتراح “العلاج الأفضل لهذا الوضع”. في هذا الإطار، تم فحص نجاعة ثماني رسائل مختلفة على عينة تشمل 3 آلاف شخص. وتبين من الفحص الأولي أن الرسالتين الأكثر فعالية لخفض مستوى التعميم هما “إظهار تعاطف واضح من قبل العرب تجاه معاناة اليهود في 7 تشرين الأول” و”تعاون بين اليهود والعرب لمساعدة المصابين في الطرفين”. الرسائل الأخرى مثل انتقاد داخلي في المجتمع العربي أو فصل قيادة حماس عن الجمهور العربي، أظهرت نجاعة منخفضة جداً.
“الشراكة اليهودية – العربية مهمة الآن أكثر من أي وقت مضى”، قالت رئيسة الصندوق الجديد لإسرائيل، رحيل ليئيل. “إن الخوف واحتمالية فتح جبهة داخلنا، أمران كبيران جداً في ظل الحرب والصدمة الجماهيرية. يجب ألا تتكرر أحداث أيار 2021، ويجب التأكد من أننا لن نتنازل عن التعايش”.
هآرتس 15/11/2023