الناصرة- “القدس العربي”: ضمن الاستعدادات لانتخابات الكنيست الخامسة، في الأول من تشرين ثاني/نوفمبر القادم، تبدأ الأحزاب المشاركة بانتخابات تمهيدية داخلها بغية انتخاب مرشحيها.
واليوم السبت، يعقد حزب “التجمع الوطني الديموقراطي” مؤتمرا استثنائيا لهذا الغرض، وكذلك “القائمة العربية الموحدة”.
وعلى خلفية عدم رضا “التجمع الوطني الديموقراطي” من مواقف وأداء “القائمة المشتركة” التي يشارك فيها، دعت لجنته المركزية إلى “بناء تحالف وطني مبني على الرؤية السياسيّة الوطنيّة لخوض الانتخابات المقبلة، على ألا يرتهن هذا التحالف للعبة المعسكرات السياسية في المنظومة الحزبية الإسرائيلية، ولا يدخل في لعبة التوصية على مرشحين لرئاسة الحكومة الإسرائيلية ويعمل لمناهضة المشروع الصهيوني بتجلياته يسارا أو يمينا. كما ناقشت كافة المستجدّات الداخلية المتعلقة بالانتخابات الإسرائيلية “منطلقة من التحديات السياسية التي يمر بها شعبنا بشكل عام والتيار الوطني الفلسطيني في الداخل بشكل خاص. وبعد نقاش، أجمعت مركزية “التجمع” على “الحاجة الماسة لمراجعة وتعزيز دور التيار الوطني الفلسطيني الذي كان دائما سّدا منيعا أمام الأسرلة والتبعية لقواعد الحيز السياسي الإسرائيلي”، وأن “تجربة السنوات الأخيرة، وتحديدا دخول |القائمة الموحدة” للتحالف الحكومي والمشاركة في لعبة المعسكرات السياسية الإسرائيلية، ومن ضمنها التوصية والمفاضلة بين يمين ويمين، أوضحت للجميع أن تجاهل القضايا الأساسية، مثل قضية الاحتلال والقدس والأقصى، والعنصرية البنيوية تجاه المجتمع العربي وحقوقه الجماعية التاريخية، وغض النظر عن طبيعة النظام والاعتراف بيهودية الدولة، والاكتفاء بمطالب مدنية معيشية تحت سقف الإجماع الصهيوني، لم تغيّر من واقع المجتمع الفلسطيني ولم تضمن الحقوق المدنية والقومية الجماعية. ويرى “التجمّع الوطني” حاجة ضرورية لطرح مشروع سياسي يستند للمطالب الجماعية القومية والمدنية للمجتمع العربي، ويحافظ على وحدته ونضاله ويرمي إلى التأثير على واقع المجتمع وعلى السياسيات في إطار الثوابت الوطنية والرؤية الجماعية.
وعليه، فقد دعت مركزية “التجمّع” إلى “بناء تحالف وطني مبني على الرؤية السياسيّة الوطنيّة لخوض الانتخابات المقبلة، على ألا يرتهن هذا التحالف للعبة المعسكرات السياسية في المنظومة الحزبية الإسرائيلية، ولا يدخل في لعبة التوصية ولا في تشكيل الحكومات الإسرائيلية، ويعمل لمناهضة المشروع الصهيوني بتجلياته يسارا أو يمينا. ورأت مركزيّة “التجمّع” في الانتخابات المقبلة “معركة على وجهة المجتمع العربي السياسية وتعريفنا لذاتنا وحسم مطالبنا، إما التنازل عن الحقوق الجماعية المدنية والقومية والارتهان لشروط الأحزاب الصهيونية، وإما النهوض وطرح بديل أخلاقي ديمقراطي يضمن كافة الحقوق والمساواة الجوهرية بصيغة دولة المواطنين”. وفي نهاية البيان، شدّدت مركزية “التجمّع” على “أهمية استنهاض الفروع والكوادر، والتجهّز لهذه المعركة الانتخابية الخاصة، والعمل لاستعادة أصدقاء وداعمي الحركة الوطنية والوقوف إلى جانبها وجانب أبناء شعبنا، كما كانوا دائما”.
وأمس أغلقت اللجنة التنظيمية للمؤتمر الاستثنائي في “التجمّع الوطنيّ الديمقراطيّ” باب الترشح للمقاعد الخمسة الأولى، وقد تقدم بالترشح للموقع الأول النائب سامي أبو شحادة رئيس كتلة “التجمّع” الحالي، وللموقع الثاني امطانس شحادة، والذي شغل منصب الأمين العام، وسبق أن مثّل الحزب في البرلمان، وينافسه جمعة الزبارقة مركز لجنة توجيه عرب النقب وعضو المكتب السياسي في “التجمّع” والمربي ابراهيم ابو بدر. أما للمقعد الثالث، وبناءً على النظام الداخلي لـ “التجمّع” الذي يضمن تمثيل النساء بين كل ثلاث مقاعد على الأقل، تتنافس عليه كل من دعاء حوش من الرينة، وخلود أبو أحمد من الناصرة. أما الموقع الرابع فينافس عليه كل من المحامي عامر العتايقة من رهط، والصحافي قاسم بكري من البعنة، ووليد قعدان من باقة الغربية المختص في طب الأعصاب. وينافس على الموقع الخامس عضو اللجنة المركزية محاسن قيس من جديدة-المكر، والشاب ميمنة عكري من عرابة البطوف. وعبرّت اللجنة التحضيرية لمؤتمر “التجمّع”، في بيانها، عن اعتزازها بالمسار الديمقراطي الذي يسير فيه الحزب وتنوع المرشحين من كافة المناطق والفروع والأجيال ذي الكفاءات العالية للتعبير عن مشروع “التجمّع” وحمله والمضي فيه قدمًا حتى تحقيق أكبر نصر للتجمّع في الانتخابات القادمة”. يذكر أن القائمة سينتخبها 594 مندوبًا من أعضاء التجمع، ودعت اللجنة التحضيرية كافة أعضاء التجمّع ومندوبي المؤتمر للمشاركة في أعمال المؤتمر والعملية الانتخابات لاختيار ممثلي التجمّع والخروج من المؤتمر بكل قوة في سبيل تعزيز مشروعنا الوطني والديمقراطي وحضور وتأثير الحركة الوطنيّة شعبيًا وبرلمانيًا.
وفي ذات اليوم تجري “القائمة العربية الموحدة” برئاسة منصور عباس مؤتمراً عاماً يشارك فيه نحو 600 مندوب لاختيار قائمة مرشحها للكنيست. وقال رئيس المؤتمر وليد الهواشلة من النقب لـ “القدس العربي” إن الانتخابات ستجري لاختيار المرشحين الأربعة الأوائل في القائمة، على أن تعود الحركة الإسلامية- الشق الجنوبي لاحقا باختيار بقية المرشحين. موضحا أن عدم إشغال الموقعين الخامس والسادس جاء بقرار من مجلس الشورى للحركة الإسلامية للاحتفاظ بهامش مناورة يمكنها من ضمّ مرشحين للكنيست في “القائمة العربية الموحدة” من خارج الحركة الإسلامية. يذكر أن “القائمة العربية الموحدة” هي حزب سياسي تابع للحركة الإسلامية- الشق الجنوبي شاركت في الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية للمرة الأولى عام 1996 ضمن تحالف مع أحزاب عربية أخرى.
كما أوضح الهواشلة أن الانتخابات في مؤتمر الحركة الإسلامية، اليوم السبت، تجري عمليا على موقع واحد فقط هو المكان الثالث المخصص للنقب، وعليه يتنافس رئيس بلدية رهط فايز أبو صهيبان، ورئيس مؤتمر الحركة الإسلامية- الشق الجنوبي وليد الهواشله نفسه، والصحفي صقر أبو صعلوك، بينما المكان الأول يترشح فيه النائب منصور عباس من مدينة المغار في الجليل دون منافس، وفي المكان الثاني زميله النائب وليد طه من كفرقاسم بلا منافس، وعلى المكان الرابع تترشح النائب إيمان ياسين خطيب من يافة الناصرة بلا منافس.
يذكر أن الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني تأسست في نهاية سبعينيات القرن الماضي على يد الشيخ الراحل عبد الله نمر درويش من كفر قاسم، وقد اتسعت الحركة وزادت انتشاراً بتأثير المد الإسلامي في الضفة الغربية والمنطقة عقب الثورة الإسلامية في إيران عام 1979. بعدما خرج من السجن لإدانته بتشكيل خلية “أسرة الجهاد” المحظورة مع أكثر من عشرة مؤسسين دعا الشيخ عبد الله نمر درويش للنضال ضمن القانون الإسرائيلي مؤكدا عدم وجود أي أفق لعمل مسلح بدعوى أن فلسطينيي الداخل يقيمون في “بطن الحوت”. وبعد توقيع اتفاق أوسلو وتشجيع من مصر والأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية بدأ الشيخ عبد الله نمر درويش يتحرك من أجل المشاركة في انتخابات الكنيست الإسرائيلي، والمساهمة بذلك في تأمين بقاء حزب “العمل” في السلطة وضمان استمرارية اتفاق أوسلو. لكن الشيخ رائد صلاح والشيخ كمال خطيب وآخرين من قادة الحركة اعتبروا ذلك حراما شرعا، ورفضوا هذا التوجه مما أدى لنشوب نقاشات مستفيضة انتهت بانقسام الحركة لشقين؛ جنوبي يقوده الراحل عبد الله نمر درويش، ويتبنى خطا براغماتيا، وشق شمالي يقوده الشيخ رائد صلاح، ويتبنى خطا راديكاليا، ويرى بأن مشروع المجتمع العصامي أهم من المشاركة في انتخابات إسرائيل البرلمانية، محذرا من استغلال الأخيرة لهذه المشاركة لغايات دعائية في العالم.
في مذكراته الصادرة قبل عامين يتوقف رائد صلاح مطولا عند رفضه لموقف مؤسس الحركة الإسلامية الشيخ الراحل عبد الله نمر درويش والاختلاف معه حول انتخابات الكنيست.
بخلاف فتاوى ساقها عبد الله نمر درويش، يورد رائد صلاح مواقف لشيوخ عرب ومسلمين بارزين حرموا المشاركة في انتخابات الكنيست التي لم تخدم قضية حقيقية واحدة لفلسطينيي الداخل، بل تستغلها إسرائيل لأغراض دعائية وللترويج لديمقراطيتها، معتبرا إياها تنازلا عن ثابت، وهذا ما ترفضه الحركة الإسلامية- الشق الجنوبي التي ترى بذلك تكتيكا لا بد منه لحماية نفسها والمساهمة في انتزاع حقوق فلسطينيي الداخل.
وعن حظر إسرائيل للشق الشمالي برئاسته عام 2015 يرى الشيخ رائد صلاح أن النتيجة هذه كانت حتمية، ولم يكن بالإمكان تفاديها في ظل الظروف المحلية والإقليمية والعالمية، منوها أن الانخراط في الكنيست كان يعني “حظرا ذاتيا” ونهاية للحركة الإسلامية، مشددا على أن الحظر لن يوقف الفكر والعمل الإسلامي. ويتوسع رائد صلاح ضمن كتابه الممتد على 666 صفحة في الحديث عن محاولات استعادة وحدة الحركة الإسلامية ويتهم الشق الجنوبي بعدم الجدية بذلك.
وتواجه “القائمة المشتركة” اليوم خلافات داخلية بين مكوناتها في ظل توجهات المركّب الأقوى (الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة بقيادة النائب أيمن عودة) نحو تغيير تركيبة قائمة المرشحين لقائمة المشتركة بحيث تحتفظ لنفسها بأول أربعة مقاعد من بين أول ستة مرشحين، بينما تبقي للحركة العربية للتغيير بقيادة النائب أحمد الطيبي مقعداً واحداً بدلا من مقعدين، كما كان حتى الآن، وتبقي مقعدا واحدا للتجمع الوطني الديموقراطي، الذي يبدي عدم رضا من توجهات “المشتركة” سياسا ويتهمها بمهادنة اليسار الصهيوني علاوة على اتهامه للجبهة بمحاولة تكريس هيمنتها على “القائمة المشتركة”.
وتواجه “المشتركة” و”الموحدة” خطرا مشتركا هذه المرة يتمثل بتوجهات أصحاب حق الاقتراع العرب للعزوف عن المشاركة في انتخابات برلمانية خامسة في غضون ثلاث سنوات، بعدما سئموا وتعبوا من الذهاب للصناديق، وبعدما وجدوا مشاكلهم الملحة بدون حلول رغم مشاركتهم الفعالة في هذه الانتخابات بجولاتها السابقة.
ويرى خبراء في الشأن الانتخابي أن تراشق “المشتركة” و”الموحدة”، أو الخلافات داخل “المشتركة” على المحاصصة من شأنه أن يزيد الطينة بلة، ويدفع المزيد من أصحاب حق الاقتراع لمقاطعة الانتخابات، وعندها ستتدنى نسبة تصويت المواطنين العرب إلى أدنى مستوياتها تاريخيا إلى 40% بعدما كانت في الانتخابات السابقة قبل عام ونصف العام قد وصلت 45%. ويحذر مراقبون من أن تدني نسبة تصويت العرب لهذا الحضيض سيهدد واحدة من القائمتين العربيتين، مثلما يصب الماء على طاحونة نتنياهو الباحث بكل ثمن عن العودة لسدة الحكم، وسبق أن أدت المشاركة العربية الفعالة في انتخابات الكنيست في الجولات السابقة لإسقاطه عن الحكم.