تتعدّد الخلافات والنزاعات والتحديات، وتزداد معها أزمة لبنان المزمنة تفاقماً. بعد تفجير مرفأ بيروت وشطر من العاصمة، تعقّدت الأزمة بتنحية قاضي التحقيق العدلي فادي صوان، ما أوحى للرأي العام بأن جسم القضاء برمته جرت تنحيته.. ذلك رفع الأزمة إلى مستوى أعلى من الاستعصاء. كيف الخروج من هذه الحال المزرية؟
قبل بلوغ الأزمة مستوى الاستعصاء وبعده، ارتفع صوتان لافتان، الأول للكردينال مار بشارة الراعي، بطريرك إنطاكية وسائر المشرق للمسيحيين الموارنة. الثاني لسمير جعجع رئيس حزب «القوات اللبنانية» وكتلته البرلمانية.
يبدو البطريرك الراعي، كسلفه البطريرك مار نصرالله بطرس صفير، متشككاً بقدرة اللبنانيين على حكم أنفسهم، بل بجدّية رغبتهم في ذلك. هذا الإحساس حمله على مناشدة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، والمكلّف تأليف الحكومة الرئيس سعد الحريري وضع خلافاتهما الشخصية والسياسية جانباً، والاتفاق على تأليف الحكومة العتيدة. إزاء عدم استجابة الرئيسين، انتقل الراعي إلى المناداة بتحييد لبنان، لكن يبدو أن جملة معوّقات وتحديات غابت عن ذهنه، وربما تقصّد تجاهلها، ذلك أن لبنان كيان تعدّدي، لكلٍّ من طوائفه كينونة وخصوصية ودور في تقرير السياسة العامة، ما أتاح ويتيح لكل طائفةٍ الاعتراض (فيتو) على أيّ سياسة ترى أن من شأنها النيل من كينونتها ودورها. أليس في مقدور أيّ طائفة، إذن، الاعتراض على اعتماد الحياد أو التحييد، لاسيما وأن «إسرائيل» لن تعترف بذلك بدليل حروبها واعتداءاتها المتواصلة على لبنان؟ ثم، هل في لبنان دولة قادرة وعادلة بإمكانها تقبّل سياسة الحياد وتحمّل مفاعيلها المكلفة؟
سمير جعجع ومريدوه أيدوا دعوة البطريرك الراعي، لكنهم ركّزوا على المطالبة بلجنة دولية يعيّنها مجلس الأمن الدولي للتحقيق في جريمة تفجير مرفأ بيروت. هؤلاء فاتهم أن المادتين 34 و39 من ميثاق الأمم المتحدة تشترطان لاتخاذ موقفٍ من نزاع معروض على مجلس الأمن، أن ينطوي على خطرٍ يهدد السلم والأمن الدوليين، فهل تشكّل الخلافات الطوائفية، ومنازعات الخصومة بين أطراف المنظومة الحاكمة على خطرٍ يهدد السلم والأمن الدوليين؟ وهل ينجو مشروع قرار كهذا مطروح على مجلس الأمن من اعتراض إحدى الدول الخمس الكبرى صاحبة حق الفيتو، ما يؤدي إلى نقضه؟ من مراجعة تاريخ لبنان، سحابةَ المئة سنة الماضية، تتكشف حقيقة مفادها أن ثمة إدماناً لدى فريق من اللبنانيين على تقبّل، أو حتى التماس تدخل القوى الخارجية، والأمم المتحدة، لتطويع أطراف مخاصمة له في الداخل. دونكم عيّنة من حالات ساطعة الدلالة على تدخل واستدخال قوى خارجية في مجريات أحداث وصراعات لبنانية بارزة:
إعلان دولة لبنان الكبير تمّ بقرار من المفوض السامي الفرنسي الجنرال غورو سنة 1920.
استكمال استقلال لبنان عن سلطات الانتداب الفرنسي، تمّ بتدخلٍ من المفوض السامي البريطاني الجنرال سبيرس سنة 1943.
تهدئة الانتفاضة الشعبية ضد محاولة تجديد ولاية الرئيس كميل شمعون، وإنزال قوات أمريكية وفرنسية في بيروت، تمّت باتفاقٍ بين مصر والولايات المتحدة سنة 1958على انتخاب الجنرال فؤاد شهاب رئيساً للجمهورية.
اتفاق الطائف للوفاق الوطني، تمّ بتدخلٍ من السعودية وسوريا والولايات المتحدة سنة 1989.
إنشاء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان تمّ في اعقاب اغتيال الرئيس رفيق الحريري سنة 2005.
الاتفاق على انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية تمّ في الدوحة بعد 8 أشهر من انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود سنة 2007.
مؤتمرات باريس 1 وباريس 2 وباريس 3 عُقدت برعاية فرنسا في محاولة لإخراج لبنان من أزمته المالية والاقتصادية.
وقف حرب «إسرائيل» على لبنان والمقاومة تمّ سنة 2006 بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701.
المخرَج الآمن من أزمة لبنان المزمنة يكمن في العمل الوطني الطويل النَفَس، من أجل هدم نظام المحاصصة الطوائفية سلماً وتدريجاً
كل هذه التدخلات الخارجية والدولية لم تنجح في تحقيق معظم الأهداف المتوخاة منها، إذ ما زالت تداعياتها السياسية تتفاعل حتى اليوم، فهل يعتقد دعاة الحياد والتدويل، والتدخلات الخارجية أن الأطراف الدولية والإقليمية، التي تعهدت التدخلات سابقة الذكر، قادرة اليوم، بعد تراجع سيطرتها ونفوذها، على تمكين اللبنانيين بشتّى أطرافهم المتصارعة على الوصول إلى اتفاقات تعايش واستقرار راسخة؟ الحقيقة أن ثمة سبباً رئيساً لتعذّر حلّ ازمة لبنان المزمنة هو حرمان اللبنانيين منذ اعلان «لبنان الكبير» سنة 1920 حتى اليوم من التعبير بحرية عن ارادتهم الحقيقية، حيال ما كان يُعرض أو يفرض عليهم من تسويات واتفاقات، فضلاً عن مرشحين لرئاسة الجمهورية، أو لعضوية مجلس النواب. فاللبنانيون كانوا دائماً وما زالوا ممنوعين من التعبير عن إرادتهم الحقيقية، ولاسيما في الانتخابات والمنعطفات المصيرية، بسبب مصادرة حرية التعبير والرأي، نتيجةَ اعتماد قوانين للانتخابات حرص أمراء الطوائف وأركان المنظومة الحاكمة على إقرارها، على نحوٍ يؤدي إلى إعادة إنتاج نظام المحاصصة الطوائفية واستبعاد المعادين له، ولا سيما ممثلي القوى الوطنية العابرة لتركيبة الطوائف الـ18 بما هي ركائز النظام السياسي الفاسد.
إن المخرَج الآمن من أزمة لبنان المزمنة يكمن في العمل الوطني الطويل النَفَس، من اجل هدم نظام المحاصصة الطوائفية سلماً وتدريجاً، في سياق إرساء قواعد دولة المواطنة المدنية الديمقراطية، ذلك يتطلّب نضالاً طويل النَفَس وجهوداً وإنجازات متراكمة، فما العمل في المدى القصير والمدى المتوسط؟ لا بدّ من تفعيل التحركات الشعبية السلمية الضاغطة على أهل السلطة، من أجل التوصل إلى تشكيل حكومةٍ من سياسيين واختصاصيين غير حزبيين، تتولى الاهتمام بست أولويات ضاغطة:
أولاها: تأمين ضروريات المعيشة من غذاء ودواء وطاقة (كهرباء وبنزين ومازوت).
ثانيتها: تفعيل التحقيق في جرائم تفجير مرفأ بيروت، ونهب الأموال العامة المحولة إلى الخارج، والعمل على استعادتها.
ثالثتها: دعم الجيش اللبناني والمقاومة في تصديهما للتنظيمات الإرهابية والاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة.
رابعتها: التوافق على اعتماد قانون ديمقراطي للانتخابات يؤمّن صحة التمثيل الشعبي وعدالته بتنفيذ نصّ المادة 22 من الدستور، التي تقضي بانتخاب مجلس نواب على أساس وطني لاطائفي، ومجلس شيوخ لتمثيل الطوائف، على أساس لبنان دائرة وطنية واحدة، والتمثيل النسبي، وخفض سنّ الاقتراع إلى الثامنة عشرة.
خامستها: إقرار مشروع قانون الانتخابات الديمقراطي الجديد في استفتاء شعبي تحت رقابة مؤسسات حقوق الإنسان في العالم.
سادستها: إجراء الانتخابات على أساس قانون الانتخاب الجديد، لتمكين اللبنانيين جميعاً من التعبير عن إرادتهم بحرية وديمقراطية.
صحيح أن تآكل ركائز النظام السياسي وأركان المنظومة الحاكمة، وأمراء الطوائف تتزايد بوتيرة متسارعة، إلاّ أن ذلك يجب أن يكون حافزاً ودافعاً لقوى الشعب الوطنية والديمقراطية لمضاعفة نشاطها وضغوطها، من أجل تحقيق الأهداف المرحلية آنفة الذكر. هل من نهج آخر أفضل وأفعل؟
كاتب لبناني
لبنان مأساة ……الطائفية متفشية على كل المستويات بين جميع الناس …زعماء اوصلوا البلد الى الحضيض ….. رجال الدين يتدخلون بالحياة السياسية. … هناك حزب مسلح اقوى
من الجيش …كل زعيم له ميليشيا خاصة
عشرات الاغتيالات بدون تحقيق انفجار تاريخي بدون تحقيق جدي
ما العمل …. وهل الاستعمار أسوأ