الرباط ـ «القدس العربي»: يعيش حزب العدالة والتنمية الإسلامي، الذي يرأس الحكومة المغربية حالياً، على وقع مخاوف من استفحال الاستقالات والانقسامات، قبل الانتخابات العامة التي ستجري السنة الحالية، لأسباب عدة، من بينها التطبيع بين المغرب وإسرائيل.
عدد من أعضاء ومسؤولي الحزب استقالوا احتجاجاً على هذا القرار الذي يتعارض مع «الفكر التأسيسي للحزب» وفق قولهم، ما أثار استياءً في صفوف مناضليه وعدد من قياداته.
ومن بين هؤلاء، يبرز عمدة الدار البيضاء، عبد العزيز العماري، الذي قدم استقالته إلى الأمانة العامة، رغم استمراره في قيادة المدينة الاقتصادية، كما أعلن الداعية المقرئ أبو زيد الذي يعتبر من منظّري الحزب «تجميد» عضويته.
ويرى مراقبون أن الأمين العام «للعدالة والتنمية» سعد الدين عثماني، الذي يرأس أيضاً الحكومة المغربية، وجد نفسه في حيص بيص، وكان الأكثر تضرراً داخل حزبه، فمن حيث يدري أو لا يدري، وقع بين مطرقة مرجعية الحزب الدينية، وسندان سياسة البلاد التي لا يقرر في الكثير منها شيئاً، خصوصاً الخارجية؛ فما زالت حقيبتها ضمن خانة «وزارات سيادية» التي يعين حاملها من طرف العاهل المغربي.
وفي 22 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، وقع العثماني أمام الملك محمد السادس – المسؤول عن السياسة الخارجية للبلاد – إعلاناً مشتركاً مع ممثلين عن إسرائيل والولايات المتحدة؛ لإضفاء الطابع الرسمي على إعادة العلاقات الدبلوماسية بين المغرب والدولة العبرية.
من يومها، والسخط يتفاقم، لأن الموقف الجديد لحزب العدالة والتنمية تجاه إسرائيل اتخذته أمانته العامة دون الاعتماد على المجلس الوطني (برلمان الحزب) كما تنص عليه لوائح الحزب الداخلية.
البرنامج السياسي للحزب يدعو إلى «وقف كل أنواع التطبيع السري أو المعلن» مع إسرائيل، ولم يخف الحزب قط قربه من حركتي «حماس» و»الجهاد الإسلامي» الفلسطينيتين.
ولكن صور توقيع العثماني على الوثيقة قسمت صفوف الحزب وتراصّه، حيث اعتاد أنصاره على رؤية قادتهم يقودون احتجاجات غاضبة في شوارع الرباط، واصفين الدول التي تعقد اتفاقات مع إسرائيل بـ«الخيانة».
العثماني كرئيس للحكومة، تحمل مسؤولية توقيعها وتمثيل المغرب من الناحية التنفيذية، أي متابعة كل الإجراءات والتدابير القاضية بانفتاح مغربي أكبر على علاقات تجارية وسياسية رسمية مع إسرائيل، وهو ما يرى فيه رافضوه تناقضاً حزبياً لأعضاء المكتب السياسي، وتجاوزاً للمشروع السياسي الذي على أساسه قام الحزب؛ يقول الخبير المغربي في العلوم السياسية، كريم عايش.
ويضيف قائلاً إن هذا الأمر يحيلنا على التدافع داخل حزب «العدالة والتنمية» كتدافع أعضاء حركة «الإصلاح والتوحيد» حين تقرر خلق الحزب الذي اتخذ «المصباح» رمزاً له، وبروز قوى ممانعة وصدامات فكرية، انتهت بخلق الحزب واستقلالية نسبية للحركة بالرغم من كونها الرافد الأساسي له.
ويوضح عايش لـ«القدس العربي» أنه حتى لو كان الجميع يؤمن بفكرة الحزب «إلا أن مصالح كل عضو تختلف من واحد لآخر، خاصة مع دخول عامل الاستفادة من المناصب والامتيازات والصراعات حول الريع والأجور السمينة والتعويضات المتعددة؛ ليصبح الحزب منقسماً إلى فرق تتناحر لاستدامة المنافع بالحفاظ على الأوضاع الحالية وشبكات النفوذ والأتباع.
اختلافات كبيرة
وجدد المجلس الوطني (برلمان) للحزب تأكيده «إدانته ورفضه المطلق لما سمي بصفقة القرن منبهاً لمخاطر الاختراق التطبيعي على النسيج السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي للبلاد».
البيان الختامي للدورة العادية للمجلس الوطني لحزب «العدالة والتنمية» أكد أن الحزب «يقف بكل فخر وإجلال أمام صمود الشعب الفلسطيني البطل وما يقدمه من تضحيات أمام همجية قوات الاحتلال الصهيوني». وأضاف البيان الذي اطلعت عليه «القدس العربي» تنويه الحزب العالي بما يقوم به العاهل المغربي، رئيس لجنة القدس، باسم كافة المغاربة، من مبادرات وإجراءات عملية لتقديم النصرة والعون للفلسطينيين وللقضية الفلسطيني ولدعم القدس والأقصى، وهو الأمر الذي يحظى بالشكر والتقدير والاعتراف من كافة مكونات الشعب الفلسطيني البطل.
ويرى المحلل السياسي المغربي، كريم عايش، أن البيان الختامي لم يثر أي نقاش أيديولوجي أو فكري حول التوجهات العامة للحزب، بخصوص ما ينعته بعض أعضائه بالتطبيع.
رافضو التطبيع، وفق عايش، خرجوا من المجلس الوطني «بخفي حنين، اللهم إلا تلك الفقرة المكررة في كل مناسبة رسمية، والتي تعلن موقف التضامن والمساندة للشعب الفلسطيني حتى قيام دولته وعاصمتها القدس الشريف، وهي فقرة كانت بارزة وذات حمولة سياسية غلفت النقاش المحتدم، حول تبني موقف واضح من علاقات المغرب وإسرائيل».
آمنة ماء العينين، النائبة البرلمانية، عن حزب العدالة والتنمية، وفي تدوينة لها على «فيسبوك» أوضحت أن تطبيع العلاقات مع إسرائيل ومواضيع أخرى ألقت بظلالها على برلمان الحزب.
وقالت: «عرفت نقاشاً سجل اختلافات كبيرة في المقاربة والمنظور، وعبر الجميع عن موقفه وهو حق مكفول للجميع مهما كان الاختلاف». وكشفت أن مناقشة البيان الختامي الذي أعدت مسودته الأولى لجنة صادق عليها المجلس الوطني عرفت اختلافاً في طريقة صياغة الموقف والتعبير عنه.
وأكدت أن «برلمان» حزب العدالة والتنمية شهد «نقاشات عميقة» موضحةً أنها «اتسمت بقدر كبير من الجرأة والوضوح والمسؤولية في التعبير عن مختلف الآراء المتعددة والمختلفة حد التناقض بخصوص بعض الموضوعات».
تيارات الحزب
«حزب العدالة والتنمية» هو الحزب الأكثر جنياً للأصوات، في الاستحقاقات الانتخابية التي شهدتها البلاد بعد حراك «20 فبراير» 2011 و 2016 وحتى ذلك التاريخ ظل يحصد المقاعد دون أن يعاني من تصدّر الحكومة.
ويشغل حالياً 125 من أصل 395 مقعداً (27 في المئة) التي تشكل مجلس النواب، كما أنه يسيطر على 25.6 من مقاعد المجالس الجهوية، ويدير مدناً كبيرة مثل الرباط وفاس والدار البيضاء وتطوان وطنجة.
لكن المشاكل الداخلية الحالية قد تكلفه غالياً في التعيين التشريعي المقبل في هذا العام.
ففي الأشهر الأخيرة، برزت داخل الحزب ما يسمى بـ»مبادرة النقد والتقييم» والتي تتهم قيادة حزب العدالة والتنمية باحتكار القرارات وتقديم الكثير من التنازلات للدولة، وبالتالي تطالب بتصحيح مسار من أصبحوا يفتقدون لـ»روح النضال».
ويقول عايش إنه «صار بادياً للعيان وجود تيار بن كيران، العثماني، الأزمي والذي يحصن نفسه بالدفاع عن المكاسب والإنجازات، ومحور أفتاتي، الشباب والكفاءات والتي تصارع للعودة إلى المرجعية الإسلامية وتقوية الجبهة الداخلية لمعارضة أي اتفاق أو خطوات ثنائية مغربية إسرائيلية مقبلة، بالتركيز على ثوابت الوحدة الترابية ودرء أي سياسيات خارجية لا يكون الحزب محركها الأساسي ولا مبرمجها».
ويصف لـ«القدس العربي» ما يجري بـ«خريطة حزبية لحزب كبير ملتهبة» و«يبدو أنه مع كثرة الاستقالات والتجميد والانتقالات سيفقد كثيراً من مناضليه ومن قوته، ويقوم بتعريته السياسية لحساب أحزاب أخرى طالما ضربت في الأغلبية الحكومية غير المنسجمة والمصلحية في الأساس».
ويخلص عايش إلى أن الحزب الإسلامي الحاكم في المغرب «أمام تحديات كبيرة قد تؤدي إلى انشقاق مكونات منه، كما حدث سابقاً مع أحزاب كبيرة في السبعينيات والثمانينيات، حتى أن أحزاباً جماهيرية تحولت إلى مجرد مقرات مركزية تعتمد مبدأ التوريث ومنطق العائلة، ينخرها الفساد والريع».