في تطور لعملية إقتحام مبنى البرلمان العراقي، بعد أسبوع من النوم والأكل وإقامة الشعائر الحسينية، صار مطلب المقتحمين، إجراء انتخابات جديدة بدلا من المطلب الذي دعاهم أساسا إلى اقتحام البرلمان وهو الاحتجاج على ترشيح محمد السوداني المنتمي إلى جهة سياسية منافسة لقائد المقتحمين مقتدى الصدر، رئيسا للوزراء. يأتي مطلب إعادة الانتخابات ليتصدر الأجواء المشحونة بالتهديد والتُهم المتبادلة بعد أن برز على السطح سؤال لم يخطر على بال المقتحمين الذين كان جُل ما فعلوه هو تلبية أمر قائدهم، وهو: ما هي الخطوة التالية بعد نجاح الاقتحام؟ وهل من برنامج لما بعد الاقتحام أو هل هناك برنامج أساسا للتيار الصدري الناشط تحت قيادة زئبقية؟
ردا على السؤال، ظهرت دعوة مقتدى الصدر لحل البرلمان الحالي وإجراء انتخابات مبكرة، حاثّاً المتظاهرين المعتصمين إلى الاستمرار باعتصامهم لحين تحقيق المطالب. الأمر الذي وفر للساسة المنخرطين بالعملية السياسية الموسومة بالفساد والطائفية وتفتيت العراق، بضمنها ساسة التيار الصدري، فرصة الجلوس في استديوهات الفضائيات لساعات وساعات والادعاء بأن هذا هو ما « يريده الشعب»، بل أن ما يأمر به السيد (وهو لقب ديني لمقتدى) هو ما يريده «الشعب»، وأمره باقتحام البرلمان أكبر دليل على ذلك.
ولنفترض أن الشعب لا يعاني من هيمنة الفساد المؤسساتي وانعكاساته على تفاصيل التعامل اليومي، وأنه لا يعيش أجواء الارهاب وهيمنة الميليشيات، وأنه لا يهتم بانقطاع الكهرباء وقلة مياه الشرب والتصحر وانتشار الامراض السرطانية، والنزوح القسري، وانخفاض مستوى التعليم والصحة، ومخاطر الاختطاف والاعتقال والتعذيب، ومعاناته من الفقر وهو في بلد غني جدا، ولنفترض بأن ما يريده ويطمح إلى تحقيقه، هو إجراء إنتخابات جديدة لا غير لأنه كما قال الصدر في 3 آب/ أغسطس، قد سئم الطبقة السياسية الحاكمة، مخاطبا الشعب «استغلوا وجودي لانهاء الفساد، ولن يكون للوجوه القديمة وجود بعد الآن من خلال عملية ديمقراطية ثورية سلمية، وعملية انتخابية مبكرة». ولنفترض صدق الصدر هذه المرة ونسيان كونه قد شارك في الانتخابات السابقة، كما كان شريكا دائما في كل الحكومات الفاسدة المتعاقبة منذ احتلال البلد عام 2003، ليبقى السؤال عن ماهية الانتخابات التي يدعو إليها؟ سيرورة تنظيمها وتكلفتها، والأهم من ذلك ما الذي ستحققه بالمقارنة مع الانتخابات السابقة؟
كان فوز التيار الصدري، ضربة لم يتحملها منافسوه من الأحزاب الإسلاموية المنتمية إلى ذات المذهب، وإن كانت نسبة المشاركة حوالي 20 بالمئة فقط. فبرزت على السطح، منذ ما يزيد على العشرة أشهر، الخلافات والتهديدات بين الفائزين والخاسرين، مدعومة باستعراض سلاح الميليشيات والتحشيد الشعبوي وتقزيم دور الشعب
قد تساعدنا العودة إلى مجريات الانتخابات السابقة للاجابة على الأسئلة. من الضروري، بداية، التذكير بحجم الثناء الذي أٌهيل على الانتخابات التي أُجريت في العاشر من أكتوبر 2022. إنها انتخابات «مفصليةٌ مصيريةٌ وتأسيسية» و«واحدةٌ من أهم العمليات الانتخابية في تاريخ العراق الحديث» قال برهم صالح رئيس الجمهورية. «بها يتفادى خطر الوقوع في مهاوي الفوضى والانسداد السياسي» قالت المرجعية الدينية. إنه «طريق نأمل أن يؤدي إلى عراق أكثر ازدهارًا وأمناً وعدالة» قالت جينين هينيس- بلاسخارت مسؤولة بعثة الامم المتحدة بالعراق. وهنأت السفارة الإيرانية ووزارة الخارجية الروسية الحكومة والشعب بالنجاح، وأشادت بريطانيا «بالتسيير السلس» للانتخابات. وأرسلت جامعة الدول العربية، برقية تهنئة الى الحكومة والشعب. وردد رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي «لقد أتممنا واجبنا بإجراء انتخابات نزيهة وشفافة». وأكدت المفوضية المستقلة للانتخابات أنها «كانت مفخرة لنا، وسُررنا بالمؤسسات الداعمة التي أمّنتها».
اتفق، إذن، كل المشاركين، بضمنهم التيار الصدري المشارك بقوة، أن عملية الاقتراع، سارت «بشكل انسيابي» وهي «مختلفة عما جرى عام 2018». حيث تمت بحضور أكبر بعثة انتخابية للأمم المتحدة في جميع أنحاء العالم، وبعد إجراء أربع عمليات محاكاة انتخابية، وصرف مبالغ خيالية، وبعد توقيع كل الأحزاب المشاركة على «مدّونة قواعد السلــوك الانتخابي» التي تعهدت بموجبها «بنبذ التعصب والعنف وخطاب الكراهية».
إلا أن هذا كله تهاوى حالما أُعلنت نتائج الانتخابات، وفيها الخاسر والرابح، كما هو متوقع من الانتخابات الديمقراطية، باستثناءات عربية ودولية قليلة. من بينها قرار المجلس الأعلى للأمن الجزائري إلغاء نتائج الانتخابات التشريعية، التي فازت فيها الجبهة الإسلامية للإنقاذ (الفيس) بالأغلبية، عام 1992، بذريعة إنقاذ الدولة من وصول إسلاميين متطرفين إلى الحكم. فكانت النتيجة الاقتتال لمدة عشر سنوات أُطلق عليها اسم « العشرية السوداء». وفي فلسطين، رفض الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، الإعتراف بنتائج الانتخابات التشريعية لعام 2006، بعد فوز حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بحصولها على 76 مقعدا من أصل مقاعد المجلس التشريعي البالغة 132. كما رفضت حركة فتح (الخصم السياسي لحماس) وبقية الفصائل، المشاركة في الحكومة التي شكلتها حماس، مما أدى عام 2007 إلى الاقتتال الذي انتهى بإدارة حماس لقطاع غزة فقط وفرض الكيان الصهيوني الحصار الشامل على غزة وإخضاع اهلها لأسوأ الظروف المعيشية واستهداف قيادات المقاومة المسلحة. أما النموذج العالمي فيمثله رفض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لنتائج الانتخابات الرئاسية وتشجيع أنصاره على إحتلال مبنى الكونغرس في حدث لم تشهد له أمريكا مثيلا سابقا.
على ذات المنوال، كان فوز التيار الصدري، ضربة لم يتحملها منافسوه من الأحزاب الإسلاموية المنتمية إلى ذات المذهب، وإن كانت نسبة المشاركة حوالي 20 بالمئة فقط. فبرزت على السطح، منذ ما يزيد على العشرة أشهر، الخلافات والتهديدات بين الفائزين والخاسرين، مدعومة باستعراض سلاح الميليشيات والتحشيد الشعبوي وتقزيم دور الشعب باسم الشعب. وهاهو الصدر، يطالب باستحقاقه الانتخابي في تشكيل الحكومة بطريقة خَلقت، حتى الآن، بين المواطنين جوا من الخوف والرعب من نشوب القتال مع ذات القوى السياسية المنافسة له والتي ستشاركه الانتخابات المقبلة، إن حدثت، لأنها لا تقل عن تياره تغلغلا وفسادا في مؤسسات الدولة فضلا عن كونها لا تختلف عن تياره بقوتها القتالية وتعطشها للدماء. ويبقى الأمل المنشود، وهنا المفارقة، أن يقرر الصدر فجأة، كعادته أثناء الأزمات التي يلعب دورا في إثارتها، الانسحاب والانكفاء في صومعته أما لكتابة الشعر أو إنهاء دراسته.
كاتبة من العراق
الصدر كان يمتلك 72 صوتاً بالبرلمان تنازل عنها للفاسدين !
واليوم يحاصر البرلمان ويطالب بإعادة الإنتخابات !!
و السؤال هو : لماذا تنازل عن هذه المقاعد ؟
وما الذي كسبه ؟ ولا حول ولا قوة الا بالله
تصويب: الانتخابات أُجريت في العاشر من أكتوبر 2021 وليس كما جاء في المقال سهوا 2022.
وضع عربي مأساوي، يلعب فيه العرب ما يريدون والرابح دائما هو الغير عربي، كان صهيونيا ام افرنجية، فارسيا او تركيا.