في الأسبوع الماضي فجعت الجالية البحرانية في بريطانيا بوفاة محامية من أصل بحراني في حادث سير بمنطقة هولبورن بقلب العاصمة لندن.
فقد كانت شذى حسن إبراهيم علي تقود دراجتها عندما صدمتها شاحنة كبيرة أدت لوفاتها على الفور، وقد كتبت تغريدات كثيرة ومقالات حول الحادثة ووجهت الانتقادات لعمدة لندن، صادق خان، وحكومة بوريس جونسون بالتقصير في تنظيم حركة السير خصوصا بعد انتشار الدراجات بمعدلات غير مسبوقة، مع ضيق شوارع لندن وازدحامها. شعر الكثيرون بالحزن لفقد الفقيدة التي يعمل والدها طبيبا متخصصا في الأمراض النفسية.
كان فقد شخص واحد سببا لهيمنة الحزن والغضب على نفوس الكثيرين، الأمر الذي يكشف قيمة حياة الإنسان وأهميتها لدى الأهل والأصدقاء، وكيف أن غيابها عن مسرح الحياة كفيل بإحداث هذا المستوى من الحزن. فكيف إذا كان هناك موت جماعي لرجال ونساء وأطفال كما يحدث في الحروب التي يشنها الحكام ويذهب ضحاياها عامة البشر.
فقد بلغ عدد الذين سقطوا في الحرب الأوكرانية حتى الآن أكثر من 3000 شخص، من بينهم نساء وأطفال. وتستمر آلة حصد الأرواح في عملها الدؤوب، فكم من العائلات يفجع يوميا؟ لماذا؟ وإلى متى؟
أما مصر فقد شهدت تنفيذ أحكام الإعدام بحق عشرات من المعارضين خصوصا من جماعة الإخوان المسلمين، وكان منهم رجل في الثمانينيات من العمر. وفي 14 حزيران – يونيو الماضي، أصدرت محكمة النقض المصرية حكماً باتاً في قضية اعتصام “رابعة العدوية”، بتأييد إعدام 12 من قيادات وأعضاء جماعة الإخوان المحبوسين، وهم عبد الرحمن البر وصفوت حجازي ومحمد البلتاجي وأسامة ياسين وأحمد عارف ومحمد الفرماوي ومصطفى الفرماوي وأحمد فاروق وهيثم العربي ومحمد الزناتي وعبد الرحمن عطية وإيهاب وجدي.
بلغ عدد الذين سقطوا في الحرب الأوكرانية حتى الآن أكثر من 3000 شخص، من بينهم نساء وأطفال. وتستمر آلة حصد الأرواح في عملها الدؤوب، فكم من العائلات يفجع يوميا؟
قبل أسبوع أزهقت قوات الاحتلال الإسرائيلية أرواح ثلاثة من الشباب الفلسطيني في يوم واحد (عمار شفيق أبو عفيفة، 19 عاما وعبد الله الحصري،22 عاما، وشادي خالد نجم، 18 عاما)، في تصاعد ملحوظ لجرائم القتل التي ترتكبها قوات الاحتلال يوميا. أليس لدى هؤلاء الضحايا عائلات وأهل وأصدقاء؟
فكم من قلب ينكسر ويتألم بإزهاق روح إنسان في ريعان الشباب؟ كيف ينام من يضغط على الزناد مستهدفا شابا يعبر عن غضبه بالاحتجاج وهو يعلم ان كل طلقة تكفي لإزهاق روح بريئة؟
أين هي الإنسانية والضمير والأخلاق والمشاعر؟ أليس لهؤلاء القتلة أولاد او أقرباء يدفعونهم للإحساس بعمق جرائم القتل، خصوصا إذا كان هذا القتل عمدا مع سبق الإصرار والترصد؟ مع ذلك يندر أن يقاضى هؤلاء القتلة، فكأن أرواح البشر التي كرمها الله لا تعادل شيئا في قاموس زعماء العصر. فقوات روسيا تحصد أرواح الأوكرانيين بدون حساب، ولا يخشى حكام الكرملين من رادع أخلاقي أو وازع من ضمير. ومن المؤكد أن من فقد حياته على أيدي الأمريكيين يفوق ضحايا الاعتداءات الروسية. فكم من أهل العراق سقط بالقنابل والصواريخ الأمريكية؟ وكم من مواطني أفغانستان والصومال وليبيا فقد حياته؟ وماذا عن اليمنيين الذين سقط منهم أكثر من ربع مليون من الضحايا نتيجة الحرب العبثية التي تكمل هذا الشهر عامها السابع؟ ما المبرر لذلك؟ لماذا تهطل الصواريخ والقنابل على صنعاء ومأرب وصعدة بدون حساب؟
الأمر المقلق بشكل عام استرخاص أرواح البشر خصوصا من قبل الحكام الذين يرون في مطالب شعوبهم العادلة خطرا على نفوذهم. وقد شهد القرن الماضي خصوصا نصفه الثاني صعودا لظاهرة استرخاص أرواح البشر. وبرغم الحملات التي تقوم بها بعض المنظمات الحقوقية ضد أحكام الإعدام، ومنها منظمة “ريبريف” فإن أعداد الذين تزهق أرواحهم بسبب مواقفهم السياسية او الإيديولوجية تتصاعد باضطراد، ومعها أعداد المعتقلين السياسيين الذين تتفنن الحكومات في اضطهادهم.
إن من الضرورة بمكان وجود نظام قضائي يردع عن ارتكاب الجرائم، ولكن ضمن حدود الأخلاق والقيم، بعيدا عن روح التشفي والرغبة في “كيل الصاع صاعين” في العلاقة مع المواطنين. فلا مكان في العصر الحاضر لعقلية التشفي والانتقام التي عبّر عنها زياد بن أبيه، والي معاوية على البصرة ثم الكوفة في خطبته المعروفة بـ “البتراء” التي بدأها بدون ذكر الله، وتوعّد الناس قائلا: وإني أقسم بالله، لآخذن الولي بالولي، والمقيم بالظاعن، والمقبل بالمدبر، والمطيع بالعاصي، والصحيح منكم في نفسه بالسقيم، حتى يلقى الرجل منكم أخاه، فيقول : انج سعدُ فقد هلك سُعَيْدٌ، أو تستقيم لي قناتكم”.
هذه سياسة من يعض على الحكم بالنواجذ ويرفض مبادئ التوافق والمشورة والتناصح. بينما تقتضي العدالة معاملة الآخر المختلف وفق ضوابط إنسانية شرعها الإسلام سابقا ونظمتها في العصر الحديث نواميس الأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان. فحين تتجاوز العقوبة في قسوتها حجم الذنب، فإن ذلك لا يستقيم مع العدل في شيء.
المؤسف ذلك ما حصل و لا زال يحصل في العراق سواء قبل ٢٠٠٣ و أسوأ بعد ذلك التاريخ ، و أيضاً في إيران أيام الشاه و أسوق بعد ١٩٧٩
غالباً توضع “جريمة” حيث لا جريمة ، و عقاب كما ذكر الكاتب لا يتوافق مع “الجريمة”