اسرائيل الدويلة صارت عظمى وانهارت كل الدول العربية!

حجم الخط
0

إسرائيل: الدولة الّتي بدأت بالكيبوتز، وانتهت برأسمالية الدولة، وتصنيع عسكري ثقيل، تموّله الدولة وتحميه أيضاً، ليست بعيدة كثيرا عن النموذج الإشتراكي، بداية ونهاية، لا بل إنّ كتابّا شيوعيين في العهد السوفيتي، وإبّان نشأة إسرائيل، اعتبر ‘الكيبوتز’ اليهودي من أفضل النماذج الإشتراكيّة القائمة على سطح الكرة، إن لم يكن أفضلها! حزب المعراخ’العمل، الّذي بنا دولة إسرائيل، ارتكز في بنائها إلى قاعدة عمّاليّة، وسياسات اشتراكيّة في بناء الدولة، ولم يكن الحزب الشيوعي ‘راكاح’ إلّا ملحقاً أكثر أدلجة لمثل هذا التوجه ولذا أُعطي مساحة للحركة في ذلك العهد.
الدولة الإسرائيليّة اليوم تنفق على بناء المستوطنات من ميزانيّتها، وتتكفل بإيواء كل من لا يملك بيتاً في إسرائيل! الأرض طبعا على حسابنا نحن، وهكذا تختصر التكلفة للحد الأدنى!
لم تتغيّر إسرائيل كثيراً منذ نشأتها، فهي ذات وجه بشقين، شق الدولة الراعية، الّتي تتكفّل بشؤون المواطن، والشق الآخر العنصري والدّيني المتعصّب، وهكذا يتكامل وجه إسرائيل!
تقليديّا كان الحزب الشيوعي الإسرائيلي راكاح، هوالإطار الّذي نشط من خلاله الفلسطينيون تحت الحكم الإسرائيلي، وكان هذا عملا ضمن الإطار المتاح، في ظل القوانين الإسرائيليّة، الّتي فُصّلت للانقضاض على المواطنين العرب، فهؤلاء عقبة، ليس فقط لأطماع التوسّع والمصادرة والتأميم، ولكن أمام النقاء العنصري أيضاً! وهذا ما كشفته الأيّام، حين كشفت إسرائيل نصف وجهها الآخر!
هذه الحقيقة بالطبع، لم تكن غائبة، عن رواد الحركة الوطنيّة العربيّة، داخل إسرائيل، بالرغم من انتمائهم السياسي لراكاح، وتبنّيهم المعلن للأيديولوجيّة الماركسيّة، والّذي لم يكن في حقيقته إلّا التفافا على عقبات الدولة الصهيونيّة!ولهذا لقيت كتاباتهم وبخاصة إنتاجاتهم الأدبيّة، من رواية وشعر، رواجا كبيرا لدى فلسطينيي الشتات، فقط لأنّها تحمل رائحة الهويّة، والّتي تفوح بقوّة، برائحة الإنتماء المُهدّد، وليس برائحة الأيديولوجيّة الماركسيّة، الّتي تهبّ طبيعيّاً من الكيبوتز الإسرائيلي، ولاحقاً صياصي المستوطنين، والقادمين في جُلّهم من دول المعسكر الإشتراكي!
هذا الزواج القصري بين إسرائيل ومواطنيها العرب، جعل كُلّاً منهما يدير ظاهره للآخر، ويتنسّم هواء النافذة الّتي تُطلّ على بستان الحبيب!ولكلّ حبيبه بالطبع!
ولكنّ الفريق الأقل وعياً، والأشد سطحيّة في قراءته للأمور، قد صدّق الكذبة، وبدأ يطلق مزاميره متغنّياً بالصراع الطبقي والدولة العُمّاليّة متعدّدة الأعراق، ولاعناً أعداءه الوهميين، وعلى رأسهم الكمبرادور، والرأسمالي المتوحش، متناسياً أن الرأسمالي المتوحش هوالّذي يموّل فقراء اليهود أو البروليتاريا الإسرائيليّة، كما يحب اليسار أن يسمّيها، ومتناسيا أيضا أنّه ليس في إسرائيل مُلّاك كبار، فأرض فلسطين الصغيرة لا تتّسع لمثل هذا الترف، والمطلوب تحصيصها وتوزيعها على فقراء أو بروليتاريا المهاجرين الجدد!وإذن فإنّ تركيبة البروليتاريا الإسرائيلية، تجعلها تضع يدها في يد الأخ الأكبر’الرأسمالي’، والأب الحنون:الدولة، فكيف ستكون حليفا إذن للفلسطيني المسكين، وتعُضّ اليد الّتي تطعمهامن جوع وتؤويها من خوف!
الغريب أنه حتّى بعد أن أصبحت الشيوعيّة في وطنها الأم وفي داخل إسرائيل أثراً بعد عين، وبعد أن جرف التيّار اليسار الإسرائيلي ومعه راكاح!تمسّك اليسار الفلسطيني ومعه العربي أيضاً بإرثه من هذه البضاعة الفكرية الكاسدة أو الّتي تخطّاها الزمن، فالمنجل والمطرقة، دفنت في أرضها وبقيت مرفوعة في أرضنا فقط!حتّى بعد أن انتهى حفل التأبين، وانصرف المُشيّعون إلى شؤونهم.
الجيل الجديد من اليساريين، لا يملك حكمة الآباء ودهائهم، فقرأ وصيّتهم خطأً، ولم يحلّ رموزها جيّداً، ليس ذلك فقط، فقد سدر في غيّه، ونصب له عدوّاً جديداً، هو ما سمّاه بالإسلام السياسي، وهو يعني بالضبط المقاومة الفلسطينيّة المسلّحة المنطلقة من العقيدة الدينيّة، وكذا المقاومة السلميّة، داخل ما يسمّى بالخط الأخضر، فها هو ينظّم مسيرات جماهيريّة في أم الفحم في وجه الشيخ رائد صلاح، والمد الإسلامي المتصاعد داخل حدود 48، كما يجعل من حركة حماس عدوّه الأوّل، خلافا لكل أعراف حركات التحرر في كُلّ بلاد العالم، فقد قاتل آباء الكنيسة إلى جانب الثوار في كثير من بلاد أمريكا الجنوبيّة، لا بل قاتلوا إلى جانب تشي غيفارا نفسه، ولكنّ اليساريين العرب لا يعلمون، يعلمون ظاهرا من القول!وهذه حدود علمهم!
حتّى بعد أن أعلنت إسرائيل عن يهوديتها، وسمّت نفسها دولة يهوديّة، ووضعت الاعتراف بذلك على رأس مطالبها من الفلسطينيين، لاستئناف التفاوض، لم يهزّ ذلك شعرة في رأس اليسار، ورُبّما أجملوه في دائرة الصراع الطبقي والممارسات الكمبرادوريّة! كيف؟ لا أحد يدري بالطبع إلّا اليسار نفسه!
الجيل الّذي ورث اليسار عن آبائه القدامى، لم يعد يرى فيه إلّا عداء لما يسمّيه الأيديولوجيّة الغيبيّة الّتي تٌنحّي الصراع الطبقي جانباً، وحين يضع فكرته تلك موضع التطبيق، نجده ينجرُ إلى خندق أعداء اليسار المعاميد، مثل معسكر الثورة المضادّة في مصر وجنرالات الانقلاب العسكري، والمؤيَّدين فقط من بعض دول الخليج، العدو التاريخي التقليدي لحركات اليسار العربي! فهل وصل العمى والتنكّر إلى هذا الحد المفرط؟!

نزار حسين راشد

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية