أزعـم انني كنتُ بين قلةٍ من المراقبين والمتابعين لم تفاجئهم الضربة العسكرية الاسرائيليـة لموقع الصنوبرة للدفاع الجوي، على مقربة من مدينة اللاذقية. فقد توقعتُ في مقال نشرته ‘القدس العربي’ (28/10/2013) ان تقوم ‘اسرائيل’
بـِ’توجيه ضربة شديدة لمواقع سورية حساسة، بدعوى احباط محاولة من القوات النظامية السورية لنقل اسلحة نوعية الى حزب الله’، وان الغاية من ورائها ‘استثارة غضب ايران وسورية معا وبالتالي عرقلة، ان لم يكن تجميد، المفاوضات بين مجموعة دول 5+1 وايران من جهة، وتأجيل مؤتمر جنيف -2 من جهة اخرى’.
من المفارقات اللافتة ان ‘المرصد السوري لحقوق الانسان’ المعارض (مركزه لندن) كان اول من كشف ‘سر’ الضربة الاسرائيلية، مشيرا الى ‘انفجار في احد مواقع الدفاع الجوي في منطقة الصنوبرة الواقعة جنوب اللاذقية’.
جهات سورية اخرى معارضة اشارت الى صواريخ جاءت من البحر واستهدفت مخازن صواريخ ‘ياخونت’ ارض- بحر.
بعدها تبرعت القناة الثانية في التلفزيون الاسرائيلي بمعلومة اضافية مفادها، ان المواقع المستهدفة هي مخازن لصواريخ مضادة للطائرات متطورة من طراز ‘125 S’.
في وقت لاحق اكد مصدر في ادارة الرئيس باراك اوباما لشبكة ‘سي ان ان’، ان غارة جوية اسرائيلية استهدفت صواريخ ومعدات تخشى ‘اسرائيل’ ان تصل الى حزب الله.
اللافت ايضا ان ايا من ‘اسرائيل’ وسورية لم يعلن رسميا عن وقوع غارة كهذه. معلّقون سياسيون وعسكريون ‘اسرائيليون’ قالوا ان سياسة الغموض في هذا المجال تخدم الطرفين. فلا سورية تكون ملزمة بالرد، ولا ‘اسرائيل’ تكون ملزمة بالرد على الرد السوري.
الواقع ان الكل محرج بعد الضربة الاسرائيلية. سورية محرجة لان قيادتها كانت تركت انطباعا، قبل اشهر عدّة، بان قياداتها العسكرية تلقت تعليمات بالتصدي فورا لاي انتهاك عسكري اسرائيلي للسيادة السورية.
الولايات المتحدة محرجة في حال كون الضربة الاسرائيلية تمت مّن دون علمها وموافقتها، ذلك انها تصبّ في مصلحة السعودية المغضَبة من التقارب الامريكي الايراني، الذي يمكن ان يؤدي الى ‘تسوية نووية’ تكون على حساب دول الخليج. فايران وسورية قد تتهمانها بان حليفتها ‘اسرائيل’ ما كانت لترتكب فعلتها لولا ضوء اخضر من واشنطن. ذلك يترك انعكاسات سلبية على مفاوضات مجموعة دول 5+1 مع ايران، كما يرفع معنويات مجموعات المعارضة السورية الرافضة للمشاركة في مؤتمر جنيف-2 تمشيا مع موقف السعودية السلبي منه.
‘اسرائيل’ نفسها محرجة، لان امريكا كشفت فعلتها، ما قد يؤدي الى دفع سورية الى ردٍ ربما تفضّل استئخاره.
لبنان محرج لان الغاية المتوخاة، على ما يبدو، من الضربة الاسرائيلية هي منع حزب الله من الحصول على صواريخ دفاع جوي متطورة، الامر الذي يدعم موقف القوى السياسية في الداخل التي تعارض اشراك حزب الله في اية حكومة جديدة ما زالت قيد التفاوض.
كل هذه المعلومات، سواء كانت واقعا او مجرد تكهنات، تقابلها معلومات وتحليلات مغايرة من شأنها توضيح بعض الملابسات والمواقف الغامضة على النحو الاتي:
اولا، صحيح ان سورية لم تُصدر بيانا رسميا بشأن الضربة الاسرائيلية، لكن مرجعا صديقا لدمشق في بيروت امكنه معرفة الرواية السورية شبه الرسمية لما حدث، وهي شبه رسمية، لانها لم تصدر عن قيادة عسكرية رسمية، بل عن مصدر صديق موثوق في محيطها. جوهر الرواية ان الضربة الاسرائيلية كانت عبارة عن هجمة عسكرية جاءت من جهة البحر، نفذتها قطعة بحرية او طائرة حربية، بان اطلقت صاروخا واحدا اصاب مخزنا لصواريخ الدفاع الجوي (لعلها من طراز ‘سام 8’ المتحركة) لكنها بالتأكيد ليست صواريخ 125 Sاو صواريخ ‘ياخونت’ ارض- بحر، وان الصاروخ الوحيد اصاب جانبا من المخزن المستهدَف وألحق اضرارا محدودة بالصواريخ المخزّنة فيه.
ثانيا، اشار المعلق العسكري الاسرائيلي لموقع ‘يديعوت’ رون بن يشاي الى ان سورية تحاول ارسال صواريخ ارض جو الى حزب الله، بعدما تدّرب رجاله عليها في معسكر للدفاع الجوي قرب دمشق، وان محاولات سابقة جرت ونجحت في تزويد حزب الله بمثل هذه الصواريخ، وان هذه الصواريخ موجودة في لبنان.
ثالثا، اذا كان حزب الله يمتلك صواريخ ‘سام 8’، او ما هو اقوى منها، فان احدا لم يؤكد حصوله على صواريخ ‘ياخونت’، لكن المعلقين العسكريين في ‘اسرائيل’ يذكرون جيدا ان امينه العام السيد حسن نصرالله كان هدد قبل سنتين بان قيام ‘اسرائيل’ بضرب حصار بحري على لبنان سيحمل المقاومة على فرض حصار مماثل على موانئ ‘اسرائيل’ على طول ساحل فلسطبن المحتلة. ولعل موقف نصرالله هذا ما حمل بعض الخبراء العسكريين على الافتراض بان حزب الله يمتلك صواريخ ‘ياخونت’، اذ لا يمكن تنفيذ تهديد نصرالله بمحاصرة الموانئ الاسرائيلية من دون استعمال هذه الصواريخ المتطورة ذات المدى الفتّاك البالغ 300 كيلومتر والمتصفة بدقتها وفعاليتها.
رابعا، من المحتمل جدا ان تكون ‘اسرائيل’ قد نفذت ضربتها العسكرية الاخيرة ضد سورية، نيابةً عن الولايات المتحدة التي كانت احجمت عن ذلك في اللحظة الاخيرة، الامر الذي اثار غضب السعودية والمعارضة السورية المسلحة. ذلك ان واشنطن التي يهمها استرضاء الرياض لضمان موافقتها وحلفائها على المشاركة في مؤتمر جنيف -2، قد تكون اعطت ‘اسرائيل’ الضوء الاخضر لتنفيذ الضربة، بغية التعويض على السعودية ‘و’اسرائيل’ معا: تعوّض السعودية باشعارها بانها ما زالت ملتزمة سياسة اضعاف النظام السوري لتحقيق توازن ميداني بينه وبين المعارضة المسلحة، وتعوّض ‘اسرائيل’ باشعارها بانها ما زالت ملتزمة سياسة اضعاف ايران وحلفائها، وبالتالي تأكيد قرارها عدم تمكينها من امتلاك سلاح نووي.
خامسا، لئن حرصت سورية، كما ‘اسرائيل’، على عدم الاعلان رسميا عن وقوع الضربة الاسرائيلية الاخيرة، فان ذلك لا يعني بالضرورة انها لن تقوم بردٍ مناسب عليها. صحيح ان دمشق تقدّر دقة الظرف الراهن وما يكتنفه من حساسيات واعتبارات وتحديات، محلية واقليمية ودولية، ولا سيما في ما يتعلق بالجهود التي تبذلها روسيا وامريكا والامم المتحـدة لضمـان انعقـاد مؤتمر جنيف-2، الا انها لا تُسقط من حسابها ايضا المكاسب التكتيكية والاستراتيجية التي يمكن ان تحظى بها في ما اذا ردّت على ضربة ‘اسرائيل’ بضربة موازية تتم في مكان وزمان يشوبهما الغموض، ويحتملان ملابسات وتفسيرات شتى. مع العلم ان توقيت الضربة السورية، في حال انعقاد العزم على تنفيذها، سيأتي بالتأكيد نتيجةَ تنسيقٍ مع كل من ايران وحزب الله وربما روسيا ايضا.
من مجمل هذه المعلومات والتحليلات يتضح ان ثمة صراع اراداتٍ وسياسات ومصالح تكتنف الوضع الراهن في المنطقة، ولاسيما في سورية وفلسطين المحتلة ولبنان والعراق ومصر وتركيا وايران، وان مصائر ومصالح كبرى تترجّح في موازين القوى والارادات المتصارعة، وان مياها غزيرة ستجري تحت الجسور المحلية والاقليمية قبل ان يتضح اتجاه رياح التغيير او نسائم الاستقرار.
‘ كاتب لبناني
بعيدا عن التكهنات والإفتراضات فالثابت الوحيد هو أن ضربة عسكرية إسرائيلية حصلت والنظام السوري لم يعلن عنها حتى لايحرج نفسه أمام نفسه. فمقولة الرد في الوقت والزمان المناسبين سقطت كما سقطت مصداقيته عند شعبه في هذا الخصوص منذ زمن بعيد .
هده العربدة الاجرامية الصهيونية سواء ضد سوريا او اي بلد عربي اخر كما راينا في غزة ومجمع اليرموك في السودان وغيرها هي انعكاس واضح للضعف العربي المهين وحالة الفوضى الهدامة التي تستغلها عصابات تل ابيب لتنفيد مشاريعهم ومخططاتهم الهادفة الى اضعاف العرب حتى الحالات القصوى وتصفية القضية الفلسطينية ولا يمكن باي حال من الاحوال ان تتم هده الاعمال الارهابية الصهيونية بدون ضوء اخضر امريكي حتى ولو خرج علينا مسؤولو واشنطن بتصريحات عكس دلك فما يجمع الولايات المتحدة وهدا الكيان اللقيط اعمق مما يظهر على العلن ولعل التصريحات المتكررة للمسؤولين الامريكين سواء الحاليين او السابقين المتعلقة بامن الكيان اللقيط دليل واضح على هدا الترابط الاستراتيجي الاعمق بينهما فما دا هي فاعلة سوريا لوحدها امام الغارات العدوانية الصهيونية المدعومة امريكيا وغربيا وعربيا وهي التي تعرف حربا عالمية على اراضيها بتخطيط صهيوامريكي عربي؟
هل يمكن لسوريا ان تحارب على اكثر من جانب؟ الا تهدف عصابات تل ابيب من وراء عدوانها الارهابي على سوريا استثارة غضب ايران وسوريا معا فالرد السوري
ومعه الايراني سيكون بمثابة مبرر تسعى اليه تل ابيب لتوسيع الحرب وتدخل الولايات المتحدة والغرب لصالح الكيان الصهيوني الدي يعمل جاهدا لتصفية البرنامج النووي الايراني؟ انني هنا لا ابرر تقاعس النظام السوري عن الرد على الكيان الارهابي الصهيوني ولكني اعرف جيدا انه لو قام بهده المغامرة لكانت نهايته التي ينتظرها الكثير من اعداءه ولا سيما العرب منهم.