لا يمكن قراءة الأحداث التي تجري في مصر على أنها فقط احتجاجات شعبيه تطالب بإسقاط الرئيس المصري الدكتور مرسي، بل هي في حقيقة الأمر مطالبات واحتجاجات شعبية لإسقاط مشروع أفرزه صندوق الانتخابات ولم يمض على ولادته أكثر من سنة، احتجاجات شعبيه تولدت لديها قناعة أن الاهداف التي قامت من أجلها الثورة في مصر لم تتحقق، وأن المشروع الذي يرأسه تنظيم الاخوان المسلمين قد فشل في ادارة الدولة وتحقيق اهدافها، والسؤال الذي يطرح نفسه هل كانت هذه الاحتجاجات مخططا لها؟ ومن يقف خلفها؟ وما الهدف منها؟ أم أنها تشكلت بشكل عفوي نتيجة واقع أفرزته التفاعلات والتحولات والإخفاقات التي رافقت مسيرة الثورة المصرية، وللإجابة على هذا التساؤلات نضع بين يدي القارىء عدة فرضيات للاجابه : الفرض الأول: الاحتجاجات الشعبية والمطالبات بإسقاط مرسي كان مخطط لها سابقا وكانت ضمن أجندة سيناريو الربيع العربي الذي لم ينته بعد، فالمخططون لسيناريو الربيع العربي وضعوا نصب أعينهم أهداف واضحة ومحددة مستغلين حالة الاحتقان التي أصابت الشعوب العربيه نتيجة فساد الانظمة العربية واستبدادها، فكان الهدف تحقيق جملة من الأهداف على رأسها تدمير بنية الدول العربية لإعادة اعمارها على غرار النموذج العراقي (برنامج اعادة اعمار العراق) وإعادة رسم حدودها بما يتوافق مع مشروع الشرق الاوسط الجديد واستنزاف القوى الاسلاميه من خلال استغلالها ودعمها في ثورتها تحت شعار ‘الشعب يريد اسقاط النظام، ثم بعد ذلك تم تمكين تيار ‘الاخوان المسلمين’ من الوصول الى السلطة عبر تمرير انتخابات نزيهة دون التلاعب بها أو توجيه فصيل معين لإفشالها، فكان لها هذا، ومن ثم وضع برنامج خبيث ومدروس لتضيق الخناق على السلطة الوليدة اقتصاديا وسياسيا ومحاربتها اعلاميا، حتى لا تستطيع تحقيق وعودها وتنفيذ برنامجا، فبذلك تفقد شعبيتها ويسقط مشروعها ‘الاخواني الاسلامي’ ليس في مصر وحدها وإنما سوف يمتد لاحقا الى تونس وباقي الدول العربية فالظروف والشروط متوافرة، لتنقلب الجماهير عليها فتطالب باسقاط الرئيس ومشروعه ‘الاخواني’، لتبدأ الاحتجاجات الشعبية كما هو حاصل الآن في مصر فيتعزز إنقسام حاد بين مكونات الشعب المصري يهدد الأمن القومي لمصر فتدخل في مرحلة الفوضى لا سمح الله على غرار سيناريو سورية الجريحه، وربما يكون الهدف أخطر من ذلك تقسيم مصر الكبرى الى دويلات وهو ما تسعى له قوى خفية تحركها أصابع صهيونية تعمل ليل نهار حتى لا تتعافى مصر العظيمة فتستعيد مكانتها الاقليمية لتلعب دورها الحقيقي في قيادة الامة العربية . الفرض الثاني: أن هذه الاحتجاجات الشعبيه كانت عفوية بعدما تولدت لديها قناعة بأن المشروع ‘الاخواني’ سرق الثورة وتآمر عليها عبر اصطفافه مع معسكر الولايات المتحدة وبدعم بعض الدول الخليجية التي لعبت دورا كبيرا في تنفيذ سيناريو الربيع العربي، وأن هذه الاحتجاجات تعبّر عن حقيقة صراع أصبح واضح المعالم بين مشروعين، فمنذ فترة ليست بالبعيدة تشكل تحالف جديد يضم أطيافا يسارية ووطنية و إسلامية يجمعهم عامل مشترك وهو تحقيق تطلعات الشعب الذي خرج الى الشوارع لإسقاط نظام مبارك الفاسد وعدم قناعتهم بسيناريو الربيع العربي الذي تكشّفت عوراته في ليبيا أولا وسورية لاحقا، فاصطفاف الاسلاميين الى جانب معسكر الناتو وتحالفهم الاستراتيجي مع الولايات المتحده في تدمير ليبيا (الدولة والشعب)، فكانت النتائج كارثية، اقتتال داخلي بين مكونات الشعب الليبي، تدمير للبنة التحية للدولة، تفكيك جيشها، برنامج إعادة اعمار ليبيا والذي قدرّ بـ(500) بليون دولار، ثروات ليبيا النفطية أصبحت رهينة لتسديد فاتورة ضربات حلف الناتو، والقادم أسوأ بكثير، أما سيناريو الازمة السورية فكان أبشع وأخطر، فكان الضحية الشعب وسورية الارض والتاريخ، وللأسف تم استغلال ‘الاسلاميين’ لتنفيذ هذا المشروع الخبيث، وربما وقعوا في الفخ المرسوم وهم لا يعلمون، ظنا منهم أن الاولوية للخلاص من الأنظمة المستبدة لبناء المشروع الاسلامي العظيم الذي سوف يؤدي الى استرداد الامة لمكانتها الدولية ويعيد لها مجدها التاريخي . حقيقة مصر الآن أمام مفترق طرق.. وتقف أمام لحظات فارقة في تاريخها يتوقف عليها مصير مصر كدولة وشعب وهي بحق أمام خيارين، فإما أن تخطو على خطى ليبيا وسورية لا سمح الله، وإما أن تنهض من جديد وتبني دولة المواطنة التي يحكمها القانون، فمصر لجميع المصريين باختلاف طوائفهم وتياراتهم ويفترض بالمشروع القادم أن يستوعب الجميع، فتنهض مصر من جديد وهي التي تمتلك الثروة البشرية والثروات الطبيعية والموقع الاستراتيجي التي يعطيها الحق لتكون دولة قوية محترمة وسط العالم كله، فنهضة مصر نهضة للامة العربية وضمانة لتحقيق حلم الشعوب العربية لاستكمال حراكها الشعبي ضد أنظمتها الفاسدة فيتحقق تكامل مشروع نهضة الأمة العربيه اللهم احفظ شعب مصر وشعوب الامة العربية من كيد المتآمرين. محمد سليمان الخوالدة [email protected]