إليكم اعترافاً بأن الموقع أدناه ما زال مصابا بصدمة منذ يوم على الاقل. وسبب ذلك أنه بعد سنوات من تحقيق مراقب الدولة وقسم التحقيقات في الشرطة أوصى هذا الاخير النيابة العامة بمحاكمة رئيس الاركان السابق غابي اشكنازي وعدد ممن كانوا يعملون معه. ولماذا؟ مشطوا جسم اشكنازي سنين بأمواس الحلاقة. وتجسسوا على حياته ونبشوا قصص نمائم عفنة. وكسروا روحه وعظامه وهم يوصون آخر الامر بمحاكمته لأنه تأخر يومين عن تسليم وثيقة أو قال في حلقات داخلية في المكتب أو خارجه ما يقوله كثير منا بصوت عال. فهل على هذا يُحاكم واحد من أكبر ثلاثة مسؤولين في دولة اسرائيل.
ربما كانت لدى المحققين وما زالت «مواد» اخرى أقسى بعشرات الاضعاف لكنهم لا يستطيعون أن يعرضوا أدلة تثبت في المحكمة، ولهذا اكتفوا بالتوصية بالمحاكمة على مواد هامشية. ويقولون إنه ليس للحاكم سوى ما يوضع أمامه من الأدلة، فهل اكتفى المحققون على اختلافهم من الشرطة ومكتب مراقب الدولة بما هو موجود لأنهم لم يريدوا إهانة أنفسهم؟.
بعد عاصفة سياسية وعسكرية، وبعد معارك انفعالية ربما وجد مثلها في الماضي لكنها بقيت خفية على الجمهور، وبعد مئات آلاف الكلمات التي كتبت وبثت عن «تآمر» المستوى العسكري على المستوى السياسي (وهذه ظاهرة لا تحتمل في دولة ديمقراطية) – أهذا ما يوجد عند الشرطة لتخرجه اليوم؟
يمكن في ظاهر الأمر وربما يجب أن يُحاكم رئيس الاركان والمشاركون معه في «المؤامرة» بسبب عدم الحذر بل بسبب الغباء وعدم فهم المحيط السياسي الذي تغير تغيراً مطلقاً في السنوات الاخيرة، وقد لا يكون اشكنازي صدّيقا كبيراً فقد أخطأ مثل كل انسان لكنه يُرى هو ورفاقه مثل ضحايا تلك المقولة الشهيرة: «غير الأوغاد قواعد اللعب ولم يُخبروني». ونقول بكلماتنا ألا تعلم أيها الأحمق أنه لم يعد يجوز لك في السنوات الاخيرة أن تُخرج لفظا من فمك أو أن تنظر أو تغمز أو تعانق أو تُقبل دون أن تفرض أن يكون ملايين في غضون دقيقة واحدة شركاء في ما قلته أو فعلته؟ واذا لم تؤد ذلك الى الفيس بوك فورا أو الى تويتر أو الانستغرام فسيوجد من يفعلون ذلك من أجلك.
كيف نعلم أن اشكنازي لم يدرك ولم يفهم أن «الأوغاد غيروا قواعد اللعب؟» لأننا كنا في مثل ذلك الوضع بظلمنا وخطايانا كما اعتيد أن يُقال. فهل كانت مؤامرة من المستوى العسكري على المستوى السياسي؟ وهل كان اشكنازي ضد باراك؟ ورئيس اركان حاول أن يمنع تعيين وريثه؟ إنَّ تاريخ العلاقات بين المستويين العسكري والسياسي موشى على مدى السنين بقصص من هذا النوع. فكان مثلا رئيس اركان أشاع عمن كان مرشحا ليحل محله اشاعات تتصل بتفضيلاته الجنسية أو نائب رئيس اركان قال عن وزير الدفاع إنه «ليس كل شخص ذي عقل تحليلي حكيماً» (أراد وزير الدفاع أن يعزله عن الجيش حتى في ذلك اليوم ورفض رئيس الاركان مستعملا ذرائع قانونية). فاذا لم تكن الامثلة هذه وغيرها «مؤامرة» من الجيش على المستوى السياسي فما هي المؤامرة؟.
والاستنتاج، بعد أن غير الأوغاد قواعد اللعب قد يكون خطيراً علينا جميعاً وهو أنك اذا كنت ذا منصب في الجيش أو في الدولة فلا تقل الحقيقة البتة لأنهم يسجلون كلامك دون علمك ويصورونك ويتنافسون من ينشر كلامك في الشبكة أولا. وكذلك الكلام الذي تقوله في اجتماعات المجلس الوزاري الامني المصغر الاكثر سرية وسينشر بعد الاجتماع إن لم ينشر قبل نهايته.
دُم على كونك منافقاً ومتودداً ولا تقل إلا الكلام الذي يريد الجميع سماعه. ولا تكن صادقا. ولا تقل ما تعتقده حقاً. فهل يُقتل الناس بسبب ذلك؟ إن كل شيء يمر عندنا يا حبيبي.
واليكم كشفا حسناً وهو أن اسمي قد دُس أيضاً في قضية باراك واشكنازي. وأنا لم ألقَ اشكنازي في حياتي أربع مرات أو خمس. وكنتُ ملازما لباراك سنين طويلة. فاذا كان محققو الشرطة قد استمعوا لكل الأشرطة المسجلة فعندهم ما يحتفلون به.
يديعوت أحرونوت – 4/9/2014
ايتان هابر