اضربوهم؟

أرسلت إحدى الصديقات رسالة تشرح فيها معنى كلمة «واضربوهن» المذكورة في القرآن الكريم، وذلك «للرد على الملحدين الذين يصورون للناس أن الإسلام يأمر أتباعه بضرب نسائهم» حسب ما جاء في الرسالة التلفونية. تقول الرسالة ما معناه، وهي طويلة بعض الشيء، إنه لا يمكن تصور أن الله يأمر بضرب شريكة الحياة، إذ يتبين من الآية الكريمة التي تحتوي هذه الكلمة أن «العقوبة للمرأة الناشز، أي المخالفة، نراها في هذه الآية عقوبة تواترية تصاعدية: في البداية تكون بالوعظ والكلام الحسن والنصح والإرشاد، فإن لم يستجبن فبالهجر في المضاجع، أي في أسرة النوم، وهي طريقة العلاج الثانية، ولها دلالتها النفسية والتربوية على المرأة، والهجر هنا في داخل الغرفة، أما (واضربوهن) فهي ليست بالمدلول الفعلي للضرب باليد أو بالعصا، لأن الضرب هنا هو المباعدة أو الابتعاد خارج بيت الزوجية». تستمر الرسالة بعدها في شرح الألفاظ المتعارف عليها للضرب في اللغة العربية مثل الجلد أو اللطم أو الصفع، وأن كلمة الضرب أتت بمعنى آخر تماماً في عدة آيات من القرآن الكريم.
وفي حين أن القراءة التجديدية هذه هي نوع القراءة المطلوبة للنصوص الدينية للوصول إلى معانٍ أكثر تواؤماً مع المبادئ الإنسانية والحقوق المدنية ومفاهيم المساواة الأساسية، إلا أن الغريب أن المرسلة، وهي بحد ذاتها سيدة، لم تستطع تمييز الإشكالية العميقة لهذه القراءة بالنسبة لها كامرأة. فقبل الوصول إلى تفسير كلمة «اضربوهن»، وقبل محاولة وضعها في فحواها اللغوي، هناك إشكالية تخطي فكرة «عقوبة المرأة» بمجملها أولاً، والتي هي ممارسة تدخل ضمن حقوق الرجل كراع ووصي على هذه المرأة. تحاول الكثير من القراءات التنويرية التصدي لمفهوم الأذى الجسدي، دافعة بالمعاني الأخرى لكلمة ضرب، وذلك حسب موقعها في الجملة، مثل «ضرب عليه الحصار» بمعنى «عزله عن محيطه»، وهي أحد الأمثلة التي وردت في الرسالة التلفونية ذاتها.
إن الإشكالية الحقيقية هنا هي في قراءة وتفسير الآيات في اتجاه تأكيد معنى الوصاية والإقرار بحق الرجل في تأديب زوجته، فيما المطلوب هو-وقبل محاولة تفكيك كلمة «اضربوهن» وإعادة تفسيرها-تفكيك مفهوم الوصاية والحق في التأديب وإعادة تفسيرهما في اتجاه النفي والإلغاء. إذن المعضلة التي يحتاج المفسر أو القارئ التجديدي التعامل معها لا تسكن في عقوبة الضرب بحد ذاتها، ولكنها تسكن في مفهوم حق الرجل في معاقبة المرأة التي يخشى نشوزها وفي «واجبه» لتأديبها. هنا يكون على القارئ التنويري المجدد أن يدفع بقراءة متطورة تضع الآية القرآنية في قالبها التاريخي، بأن يربطها بوضوح بسبب وزمن ومناسبة نزولها، حتى ينتفي تعميمها على العلاقات النسائية الرجالية عامة وينحصر معناها فقط في القصة التاريخية والمناسبة الزمنية التي كانت وما عادت.
كتبت أنا أسأل الصديقة المرسلة: هل يحق للمرأة أن تعاقب الرجل المخطئ أو المفسد بالأساليب ذاتها؟ هل يحق لها، إن نشز رجلها، أن تهجره في مضجعه ثم «تضربه»، بمعنى «تتباعد عنه»، كما جاء في القراءة التجديدية في الرسالة موضوع هذا المقال، أم أن الملائكة ستلعنها إن امتنعت عن رجلها في محاولة لعقابه؟ كيف يمكن تجاوز هذا التفاوت في تعامل التراث الديني مع الجنسين وفي وضعه للمرأة موضع «الرعية» التي تحتاج إلى تقويم وتأديب؟ كيف تتواءم هذه القراءة وهذا الفهم التراثي مع المفاهيم الحديثة للمساواة والحقوق الإنسانية ولواقع حياة المرأة في كثير من المجتمعات التي أصبحت فيها متساوية مدنياً وقانونياً وفكرياً كذلك؟
تنتهي الرسالة التلفونية بفكرة أن الضرب، «بمعنى المباعدة والهجران والتجاهل» هو «سلاح للزوج والزوجة معاً في تقويم النفس والأسرة والتخلص من بعض العادات الضارة التي تهدد كيان الأسرة التي هي الأساس المتين لبناء المجتمع الإسلامي والإنساني». لم أفهم معنى هذه الجملة الحقيقي، إلا أن كاتب الرسالة بدا لي هنا محاولاً تزيين الرسالة بكلمات وتعابير تبدو في ظاهرها إنسانية وتقدمية وإن كانت في باطنها تنطوي على ذات الذكورية الشوفينية. كيف يكون الهجران سلاحاً للزوجين؟ هل للزوجة أن تستعمله كذلك؟ ما معنى تعبير العادات الضارة؟ وهل تشير هي إلى تلك التي تأتيها أو تبديها الزوجة فقط؟ كيف يكون هجران الرجل لزوجته (دون أن يكون للزوجة الحق ذاته) مخلصاً من العادات الضارة؟ وما مرمى الإشارة للمجتمع الإسلامي الإنساني في ذات النفس وكأن المجتمع لا يكون إنسانياً الا إذا كان إسلامياً؟ إن أول مؤشرات إنسانية فكرة ما وعدالتها هو قدرتها على استيعاب أكبر عدد من الناس، وتحقيق قدر كبير من العدالة بينهم، وشموليتها لظروف العدد الأكبر والأعم منهم، فكيف يكون حق ضرب (أو هجران، حسب التفسير التجديدي) الرجل لزوجته، دون أن تبادله الحق ذاته، بل إن هي مارست هذا الحق تلعنها الملائكة من المساء لحد بزوغ الفجر، كيف يكون هذا الحق عادلاً إنسانياً وشاملاً؟ نعم نحتاج إلى قراءات تجديدية، وأول ما يجب أن تشمله هي الفكرة في عمقها لا في شكلها الخارجي أو تفاصيلها الصغيرة فقط. الفكرة بمجملها تحتاج إلى مراجعة، فهل نجرؤ؟

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول AL NASHASHIBI:

    WHAT WE NEED IS HUMAN RESTORATION FIRST IN ALL ASPECTS OF LIFE … YES FOR LEGAL EGALITARIANISM FOR ALL WITHOUT ANY HUMILIATION NOR DISCRIMINATION …. GAMOUS NEEDS AGAPE …LOVE RESPECT AND UNDERSTAND FOR THE MEANING TO HAVE FAMILY …….. HAPYY FAMILY BRINGS GOOS SOCIETY ….. NO MORE PHALLUCRACY ……. SORRY OUR IGNORANCE BRINGS OUR CATASTROPHE NO HESITATIONS ON THIS TRUTH …. GOOD EUDAEMONIC LIFE FOR ALL …

  2. يقول الكروي داود النرويج:

    لم يضرب أبي أمي قط! لكنه رحمه الله كان يذهب للنوم حين كانت أمي رحمها الله تغضب من تصرفاته!! وللضغط عليها كان يخرج لأصدقائه إذا إشتد غضبها!!! ولا حول ولا قوة الا بالله

  3. يقول سنتيك اليونان:

    اليوم يوم المرأة العالمي
    نحي كل النساء وخصوصا المضطهدات
    حان وقت المساواة حان وقت احترام المرأة
    ممنوع الضرب بالمطلق ممنوع الاضطهاد
    مع الأسف جميع المجتمعات المدنية والدينية تضطهد المرأة
    حان وقت سن قوانين للمساواة في الحقوق

  4. يقول المغربي-المغرب.:

    هذا موضوع يتطلب مئات المجلدات لتحليله ياد/ابتهال..ولايكفي الحيز المتاح حتى لنفض الغبار عن جزء منه..؛وللعلم فان بيان معاني القرآن الكريم كانت من وظائف الرسالة وبالتالي فإن الرسول صلى الله عليه وسلم كان اعرف الناس بها…وهو ما أخذه عنه الصحابة بحكم المجاورة والمعايشة والإطلاع. ..فهل وصل إلى علمك أن الرسول (ص) ضرب إحدى زوجاته أو أهانها وفعله بيان من الناحية التشريعية…أو أن أحد الصحابة قام بذلك …؟؟؟ الم تكن السيدة خديجة سيدة مجتمعها أثناء زواجها به …؟؟؟ الم تكن السيدة عائشة أحب الناس إلى قلبه…؟؟؟الم تكن السيدة مارية القبطية وسائر أمهات المؤمنين يحضين بالتقدير والاحترام المادي والمعنوي…؟؟؟؟ فلماذا لم يطبق الرسول لفظ الضرب إذا كان شيئا مشروعا أو محبذا حسب توصيف التغريبيين. ..؟؟؟ أم أن الوقوف الجامد عند اللفظ…وعزله عن السياق التاريخي والحقيقي أصبح موقفا ينم عن التطور الفكري والتقدمية في الرؤية والطرح….!!!

  5. يقول المغربي-المغرب.:

    ولنترك الواقع الحالي جانبا الذي أصبحت فيه المرأة عنوانا للتسليع والترويج من الصابون…إلى السيارة مرورا بما لايصح ذكره…!!! وأصبح امتهانها وممارسة أشد أنواع السادية في حقها ..تعبيرا فنيا. ..!!! ولننظر إلى مكانتها في بعض الثقافات الأخرى. …؛ فسقراط مثلا كان يشبهه بالهجرة المسمومة. ..وهوميروس كان يرى أن وظيفتها الإنجاب والخدمات الدونية…؛ وافلاطون لم يكن يتكلم عنها إلا في سياق حديثه عن العبيد…؛ وتيرتولون كان يقول بأنها الباب الذي يؤدي إلى الشيطان…؛ اما التشريع الصيني فكان يعطي للرجل حق دفن المرأة حية!!!!

  6. يقول المغربي-المغرب.:

    وفي التوراة أن المرأة أصل الخطيئة. .ويحق لابيها بيعها كأمة. ..؛ وفي المسيحية نجد قرار مجمع رومية المقدس سنة 582 م بأن المرأة كائن لا نفس له ..ولن تذخل ملكوت السماوات. .ولن ترث الفردوس…!!! وأما عند الأنظمة العربية المحنطة المسبحة بحمد الإستعمار فقد نالت المرأة من التنكيل الجسدي في الشوارع والمخافر. ..بسبب دفاعها مع أخيها الرجل عن حق الشغل والتعبير. ..؛وضد السياسات الفاشلة اقتصاديا وسياسيا التي أدت إلى تضخم نسب العنوسة والعزوف عن الزواج إلى أرقام فلكية. ..ناهيك عن التخريب الممنهج للبيوت الزوجية وتحفيز الطلاق تحت أعذار واهية. ..ودفع الأطفال نحو مصير مظلم…وشكرا للجميع.

  7. يقول سلام عادل(المانيا):

    الحقيقة ان بعض المسلمين خارج نطاق المؤسسات الدينية بدا يرى حرجا من بعض التفسيرات لالايات او الاحاديث وبالتالي نجد من يقوم بايضاحات اخرى تعطي طابع التحديث او ما يناسب العصر الحالي لتلك الايات ااو الاحاديث وهذا بحد ذاته امر جيد ولكن يبقى الامر على مستوى الاشخاص وليس المؤسسات الدينية.

    1. يقول غادة .الشاويش_بيروت سابقا_عمان الان!:

      الحقيقة اخ سلام انه لا يوجد اي مشكلة والتفسيرات اقدم بكثير من حملة التشويه الممنهجة بل ولم تات هذه التفسيرات كما تتخيل كرد فعل على ازمة بل هي سابقة لازمة العلمانية مع التشريع الديني ب١٤قرنا وليست مشكلة الاسلام في بعض من يريدون عمدا تحويله دون غيره الى اله شر ذكوري يسترق المرأة فقط لان لديهم فكرة مبصومة بصم عن الاديان وماخوذة عن القرون الوسطى وازمات اوروبا ٢. ليس صحيحا ان المؤسسات والمحاكم الشرعية لم تاخذ دورا بل انها الانجح في نظري على الاطلاق انها يا عزيزي تقضي بالتفريق اذا اثبتت الزوجة ضرب زوجها لها في غير الفحشاء وفي غير ما يتسامح به الناس عادة ويمكن ان يقع حتى بين الاقران يعني المحكمة لن تقضي بالتفريق اذا ضربها كفا وتهدم اسرة كاملة ولكن ان كان للضرب اثار او اثباتات انه يقع ولو لم يترك اثرا فتفرق ! لا النص ولا المؤسسة الدينية تعاني ازمة الازمة مفتعلة لمن يريدون الله شبحا شريرا ظالما استرق المرأة لمن يشربون نبيذ مشاكل جغرافيا اخرى وافكار اخرى لمن يجب ان يكون كل دين في نظرهم يعاني فشلا في عصرنة التشريع مع انهم الافشل في حل المشكلة فلماذا فشلت العلمانية الغربية في وقف العنف ضد المرأة وتقليصه الى اقل من ٤٠ % في كندا وو في تخفيض نسبة الاغتصاب في السويد الاعلى في العالم ؟!

  8. يقول سلام عادل(المانيا):

    اما الامر الاخر وهو صلاحية الكتب الدينية لكل زمان او مكان هذا امر يجافي العقل ولو قلنا ببساطة كما يردد اخوتنا المسلمين ان هذه الايات او تلك لها اسباب نزول وبالتالي تنتفي لها الحاجة بعد ذلك وهناك ايات اخرى ليس لها اسباب نزول ولكن مع تطور الحياة يجب ان لا يؤخذ بها حرفيا كرؤية هلال رمضان او العيد بالعين المجردة او عدة المراة المتوفي زوجها

    1. يقول غادة .الشاويش_بيروت سابقا_عمان الان!:

      *اخي سلام مناسبات نزول الايات تحكي دافعا او تروي تاريخيا ظرفا معينا للنزول لكن هناك قاعدة العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب اي العبرة في الحكم لا في سبب النزول وحتى الاحكام التي نسخت تعطي صورة عن طريقة وفلسفة التشريع في التعامل مع الاشياء وانا افتح لك الباب كاملا ان تقترح علي اي اية شئت في الكتاب العزيز لم يعد لها لازمة ولا تعكس فقها ولا حاجة لها اما عن العين بالعين فهذا عين العدالة ولم يتغير في الاسلام بل هو من ثوابته تقبل تحيتي !

  9. يقول د. اثير الشيخلي - العراق:

    عن المسألة الخاصة التي وردت في المقال وهي قضية التصرف مع المرأة الناشز تحديداً ( وليس المرأة بشكل عام، اية امرأة، كما حاول المقال ان يوجه إليها العقول للأسف)
    هذا الموضوع اشبع بحثاً عبر التأريخ الماضي و المعاصر، حتى صار الكلام فيه و عنه مملاً
    .
    و الأساتذة غادة الشاويش و المغربي و ربما غيرهما مشكورين فصلوا فيه هنا أيضاً لمن يريد معرفة الحق بتفاصيله.
    .
    المرأة الناشز وليس اية امرأة، حالة استثنائية بين النساء
    و الاستثناء هو نسبة قليلة عادة من القاعدة ولهذا هو استثناء
    ولكنها موجودة في المجتمع، و بسبب هذا النشوز قد تخرب بيوت و مجتمعات، اي ان النسبة قليلة، ولكن التأثير خطير و خطير جداً
    ولذلك يأتي القرآن بالعلاج و الدواء ويفصل فيه نسبياً
    .
    لأنه اي القرآن من صاحب الخلق و الأمر ( لمن يؤمن بذلك طبعاً) ، “الا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير”
    .
    يتبع لطفاً…

  10. يقول د. اثير الشيخلي - العراق:

    تتمة رجاءاً…
    .
    و كلمة الناشز بحد ذاتها معناها الخروج عن القاعدة الطبيعية
    بالتالي لا بد من وضع حل وعلاج يعيد الأمر إلى نصابه
    و استفسار المقال غريب بحد ذاته، فهل اذا عاقب المجتمع شخصا ناشزاً عنه كأن يكون مجرماً مثلاً، أو عالجه بهذه العقوبة،فهل من باب المساواة و العدل ان نعطي الحق لهذا الناشز ان يعاقب المجتمع بالمقابل؟!
    .
    و فصل القرآن ان الناشز من النساء وهي نسبة قليلة أصلاً على ثلاث سلوكيات واصناف
    كلما ذهبنا إلى سلوكية اكثر نشوزاً، كلما قلت النسبة حتى نصل إلى آخر سلوكية و هي التي تتطلب الضرب ( و فصلت السنة في معنى هذا الضرب ان يكون تهديدياً وليس مبرح كأن يكون دفعاً بالسواك كأقصى حالة) و هي تشمل ثالث حالة متطرفة من النشوز و التي ستمثل نسبة قليلة من الناشزات أصلاً
    فما بالك من نسبة جميع النساء؟!

    اما النشاز من الرجال، فهناك حكم المجتمع متمثلاً بالقضاء و ليس ان تعطي الطرف الآخر حكم العقوبة و العلاج بالمقابل و الا هي الفوضى.
    .
    المدير العام في شركة يوجه العقوبة المناسبة للناشز من الموظفين
    لكن الموظفين لا يقومون هم بتوجيه عقوبة للمدير العام الناشز الذي هو موظف مسؤوليته اكبر، و إنما تقوم بذلك المؤسسة الأكبر متمثلة بمجلس الإدارة او مؤسسة القضاء في المجتمع.
    .
    و للّه الأمر من قبل و من بعد.

1 2 3 4 5

إشترك في قائمتنا البريدية