ترافقت الضربات الجوية التي تشنها أنقرة، مع اشتباكات عنيفة بالأسلحة المتوسطة والثقيلة بين قوات النظام من جهة، وقوات «الجيش الوطني» الموالي لتركيا.
أكد وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار صباح الجمعة 25 تشرين الثاني (نوفمبر) أن الضربات الجوية التركية على أهداف تابعة لقوات سوريا الديمقراطية «قسد» في شمال شرق سوريا مستمرة، نافيًا أن تكون القوات التركية قد استهدفت مواقع مدنية أو نقطة مراقبة للقوات الأمريكية، وقال أكار: «ليس من الوارد إطلاقا أن نلحق الضرر بقوات التحالف أو المدنيين».
وكانت القوات التركية قد بدأت مطلع الأسبوع الماضي تنفيذ عمليات قصف جوية لمواقع عدة شمال شرق سوريا من أبرزها عين العرب /كوباني بريف حلب الشرقي وتل تمر غربي محافظة الحسكة، ضمن ما أطلقت عليه عملية «المخلب- السيف» التي تستهدف من خلالها وحدات «حماية الشعب» الكردية «PYD» شمال شرق سوريا، والتي تعتبرها أنقرة الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني (PKK).
وترافقت العملية مع بيان صادر عن وزارة الدفاع التركية، أكدت من خلاله أن العملية تأتي «وفقاً لحقوق الدفاع عن النفس بموجب المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، بهدف التخلص من الهجمات الإرهابية من شمال العراق وسوريا، وضمان سلامة الحدود، والقضاء على الإرهاب في منبعه».
وجاءت العملية، بعد أسبوع من تفجير شارع الاستقلال الشهير في منطقة تقسيم، أحد أهم المعالم السياحية في الجانب الأوروبي من مدينة إسطنبول، والذي راح ضحيته ستة أشخاص وإصابة أكثر من 80 آخرين. اتهمت أنقرة حزب العمال الكردستاني، بعد أقل من 24 ساعة، بالوقوف وراءه، بعد أن تمكنت فرق وزارة الداخلية من متابعة مئات الكاميرات وصولا إلى مكان إقامة المشتبه بها. وتبين أنها سورية الجنسية وتدعى أحلام البشير.
وتوسعت عمليات القصف التركي مع رد المقاتلين الأكراد بالقصف على معبر باب السلام وكليس وقرقميش بالجانب التركي. فاستهدفت المدفعية التركية عدة نقاط تابعة لـ «قسد» في قرى تل شعير وجولبك وكوران وكولتب وجارقلي وقره موغ وزور مغار بريف عين العرب/ كوباني شرقي حلب.
وفي وقت سابق من مطلع الأسبوع، أعلن والي غازي عنتاب التركية، داوود غول الإثنين عن سقوط قذائف هاون على منطقة سكنية في ناحية قرميش التركية جنوب البلاد، أسفرت عن مقتل شخصين وإصابة آخرين بجروح، واتهم غول «قسد» في شمال سوريا بتنفيذ الهجمات، حسب مانقلت وكالة «الأناضول» الرسمية.
وقبل أيام، أعلن وزير الدفاع خلوصي أكار، أن عملية «المخلب- السيف» دمرت 471 هدفًا وحيدت ما لا يقل عن 254 من قوات حزب العمال الكردستاني شمال العراق، ومقاتلي «حماية الشعب» بشمال شرق سوريا.
وترافقت الضربات الجوية التي تشنها أنقرة، مساء الخميس الماضي، مع اشتباكات عنيفة بالأسلحة المتوسطة والثقيلة بين قوات النظام من جهة، وقوات «الجيش الوطني» الموالي لتركيا من جهة أخرى على محور بلدة تادف المتاخمة لمدينة الباب شرق محافظة حلب، حسب ما ورد عن المرصد السوري لحقوق الإنسان، وأضاف المرصد أن قصف بالمدفعية الثقيلة للجيش الوطني السوري وللقوات التركية استهدف تجمعات لقوات سوريا الديمقراطية وقوات النظام بمحيط قرى سد الشهباء بريف حلب الشمالي، والإرشادية والشوارغة بناحية شران والمياسة وأبين بريف عفرين شمالي غربي حلب.
وكان المرصد السوري لحقوق الإنسان، قد وثق يوم الأربعاء 23 تشرين الثاني (نوفمبر) مقتل عنصر من قوات النظام وإصابة آخر بجروح بليغة، نتيجة استهداف القوات التركية لموقع عسكري في حي كانية كوردان شرقي عين العرب/كوباني بريف حلب الشرقي، كما وثق المرصد مقتل عنصر آخر في قصف مدفعي تركي استهدف نقطة عسكرية لقوات النظام في «مزرعة داوود» شرق عين العرب/كوباني.
في مقابل ذلك، نفذت «قسد» يوم الجمعة، عملية تسلل على إحدى نقاط «الجيش الوطني» في قريتي تل مناخ وكينهر في ريف بلدتي أبو راسين وتل تمر، شمال غربي الحسكة، حيث دارت اشتباكات بين الطرفين، صد خلالها مقاتلو الفيلق الأول في الجيش الوطني الهجوم. وفي يوم بدء الهجوم، أعلنت «قسد» في بيان لها مقتل 25 عنصرا من قوات النظام السوري و11 من مقاتليها نتيجة للقصف التركي فجر يوم الاحد.
على الصعيد الدولي، نقلت وكالة «رويترز» عن مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ألكسندر لافرنتييف الأربعاء، إن روسيا طلبت من تركيا «الامتناع عن شن هجوم بري شامل في سوريا، لأن مثل هذه التحركات قد تؤدي إلى تصاعد العنف». واتهم الدبلوماسي الروسي أمريكا انها خلف تنشيط الأكراد في سوريا والعراق، مضيفا أن «الغرب يعتبر الملف السوري جبهة إضافية ضد روسيا على خلفية العملية الخاصة في أوكرانيا». ووسع دائرة اتهام واشنطن لتصل إلى دعم أيضا الأكراد الإيرانيين ضد طهران. معتبرا ان النشاط الكردي «يهدف إلى دق إسفين.. بما في ذلك استهداف محادثات استانا». وحول القضية الكردية في سوريا، زاد لافرنتييف «لولا الوجود الأمريكي، لكان من الممكن حل القضية الكردية بسرعة كبيرة، أنا متأكد من ذلك».
وكرر لافرنتييف انتقاده لتركيا بسبب عدم ايفاءها بالالتزامات المتعلقة بـ «انسحاب الجماعات المسلحة، غير الشرعية مثل هيئة تحرير الشام المحظورة في روسيا والجيش الوطني السوري، إلى شمال طريق M4 والمعروف بطريق حلب – اللاذقية الدولي.. لكن كما نعلم، لم يتمكن الجانب التركي حتى الآن من الوفاء بهذه الالتزامات».
وقالت وزارة الدفاع التركية في بيان نشرته على موقعها الرسمي، أن أكار أوضح لنظيره الروسي، سيرغي شويغو أن أولوية تركيا هي «درء التهديدات الإرهابية بشكل دائم».
وفي السياق، قال الرئيس التركي رجب طيب اردوغان إن تركيا ستهاجم والوحدات الكردية في سوريا بـ «الدبابات والجنود قريبا» ردا على تفجير شارع الاستقلال في إسطنبول.
على صعيد متصل، أكد المتحدث باسم الكرملين، ديميتري بيسكوف، الأربعاء، عدم وجود اتفاقات بشأن اجتماع بين بشار الأسد ورجب طيب اردوغان على الأراضي الروسية في الوقت الحالي، مستدركاً أن عقد هذا الاجتماع من الناحية النظرية ممكن بوساطة روسية. وفي رده على أسئلة الصحافيين، قال إنه «من الناحية النظرية يمكن ذلك، لكن لا توجد اتفاقات حول هذا الشأن». في حين، صرح اردوغان: «من الممكن أن ألتقي الأسد، فلا توجد خلافات دائمة في السياسة، وسنتخذ خطواتنا هذه في النهاية».
كذلك، لفت لافرنتييف إلى ان موسكو «مستعدة لتقديم الوساطة لسوريا وتركيا في تنظيم المفاوضات على مستويات مختلفة» في الوقت الذي تعتقد أن على «رؤساء أجهزة الاستخبارات في كل من تركيا وسوريا مواصلة الاتصالات على الرغم من تفاقم الأوضاع».
من جهة أخرى، طالبت وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاغون» أنقرة بوقف «فوري» لعملياتها العسكرية في شمال سوريا، وأعلن المتحدث باسم البنتاغون، باتريك رايدر أنها «تهدد أمن الجنود الأمريكيين، إذ إنها تستهدف مواقع لـ «قسد» تنتشر فيها القوات الأمريكية. واعتبر أن تصاعد التوتر «يهدد التقدم» الذي يحرزه التحالف الدولي منذ سنوات «ضد تنظيم داعش الإرهابي».
وفي محاولة الضغط على القوات الأمريكية، أعلن قائد قوات سوريا الديمقراطية «قسد» مظلوم عبدي، وقف التنسيق مع «التحالف الدولي للقضاء على داعش» الذي تقوده واشنطن، عازيا الأمر إلى انشغال قواته بالهجمات التركية، منوها كذلك إلى «تأثر تنسيق العمل مع روسيا على الأرض جراء تلك الهجمات».
يعتبر التهديد التركي بشن عملية ضد وحدات «حماية الشعب» الكردية (PYD) الثانية من نوعها خلال عام 2022 ومن المرجح أن الحال اليوم سينتهي كما انتهى في تموز (يوليو) في قمة طهران، بسبب معارضة إيران وموسكو لأية عملية في شمال سوريا، حيث حذر مرشد الثورة الإسلامية علي خامنئي الرئيس اردوغان من أن أي هجوم «سيعود بالضرر على سوريا وعلى تركيا، وسيعود بالضرر على المنطقة». ووصف الرئيس فلاديمير بوتين أن الهجوم التركي سيصب في صالح الإرهابيين حسب تعبيره.
واليوم تلاقي أنقرة نفس الاعتراض مع اعتراض أمريكي جديد هذه المرة، بسبب تهديد جنودها المباشر في مواقع انتشارهم بشرق سوريا. ورغم تأخر دورها المباشر في مسار أستانة، يبدو أن توتر الأوضاع في طهران واستمرار الانتفاضة سينعكس بشكل أو بآخر على عدة أطراف إقليمية ودولية وعدد من ساحات الصراع ومنها الساحة السورية بالتأكيد.