فيما تتقدم المؤسسة بالاشتباك بأبرز رموزها ضد الأجندة الإسرائيلية، يطالب الشارع بالمزيد، والمزيد الوحيد المقبول شعبيا الآن إعلان قطع للعلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل.
عمان ـ «القدس العربي»: انتهى تقريبا في عمان موسم الاعتصام تحت عنوان «حصار سفارة العدو» تلبية لنداء الناطق الرسمي باسم كتائب القسام أبو عبيدة، لكن الاعتصامات نفسها ظهرت وبزخم أقل وفي الأطراف وللأسبوع الثالث على التوالي.
بين اعتصام وفعالية لتأكيد حالة التضامن الشعبية العارمة مع المقاومة الفلسطينية تنظم وقفة هنا وأخرى هناك تحت عناوين فرعية أبرزها الإفراج عن الموقوفين والمعتقلين بتهمة مناصرة غزة والمقاومة وفقا لأدبيات وبيانات الملتقى الشعبي، وعن المتورطين بمخالفات للقانون أثناء التضامن وفقا لوزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة مهند مبيضين الذي نفى علنا مرتين إيقاف أو ملاحقة أي مواطن أردني بسبب التضامن مع غزة.
يبدو بالمقابل أن البروتوكول الرسمي البيروقراطي الأمني ليس لديه توجيهات بمنع وقمع فعاليات أي اعتصام تضامني مع غزة خصوصا إذا ما كانت الفعاليات بزخم شعبي محدود ويمكن السيطرة عليها شريطة الالتزام بعدم الاقتراب من منطقتين هما الأغوار أو الحدود مع فلسطين المحتلة وحرم السفارات الأجنبية.
دون ذلك لا تريد الحكومة أن يحسب عليها منع أو قمع الاعتصامات وبين الحين والآخر كلما اتسعت رقعة تمثيل ومشاركة الحراك الشعبي تبرز الحاجة إلى غمزة هنا أو هناك من قبل متطوعين يتحمسون للإساءة للمقاومة والتشهير فيها يمكن الاستثمار فيهم إما لشيطنة الحراك الشعبي أو للحد من انضمام شرائح اجتماعية جديدة إليه.
ورغم لعبة القط والفأر التي أصبحت مألوفة بين حراكي ملف غزة وسلطات الحكومة إلا ان مستوى التعايش بين الجانبين متقدم بوضوح ملموس ليس فقط لأن التيار الإسلامي تحديدا يعمل باتجاهات معاكسة لأي صدام، ولكن لأن الملتقيات المنظمة للفعاليات لا يسيطر عليها اللون الإسلامي أو يحتكر القرار فيها كما فهمت «القدس العربي» من السياسي والدبلوماسي العريق الدكتور ربحي حلوم.
ذلك التعايش للجانبين أصبح يمثل خطا متوازيا ومتزنا يسمح بالتعبير والتظاهر والاعتصام لكن بشروط ومحددات قد لا تكون مكتوبة لان جهة ما في مستويات القرار في الدولة تحاول الاستثمار في تفريغ شحنات الناس العاطفية والاستعانة ولو بنسبة خفيفة جدا بين الحين والآخر بورقة الشعب الأردني في إدارة المفاوضات والاشتباكات.
عمليا تتقدم الملكة رانيا العبد الله تحديدا صفوف الأردنيين المعترضين بشدة وذكاء على الاحتلال وجرائمه في غزة عبر ظهورها بين الحين والآخر في وسائل إعلام عالمية، ويشكل هذا الظهور للملكة سياسيا وإعلاميا حجة بيد نشطاء الشارع الذين يتصورون بأن القضية الفلسطينية لا تزال عنصر توحيد الأردنيين الأبرز رسميا وشعبيا.
وعمليا أيضا يغيب وزير الخارجية النشط والديناميكي أيمن الصفدي عن المسرح قليلا بين الحين والآخر لكنه يعود لإظهار موقف رسمي للدبلوماسية المرجعية تعيد ترقيم وتسمية الأشياء كما هي في العدوان الإسرائيلي.
وفي ظهوره الأخير كانت لهجة الوزير الصفدي حادة الوضوح وهي تحمل شخص رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وطاقمه الأرعن أو البلطجي على حد تعبير السياسي علي أبو الراغب مسؤولية التأزيم التي تعيشه منطقة الشرق الأوسط.
بين الحين والآخر ورغم المطبات والكمائن التي يحاول زرعها بعض المسؤولين في درب الوزير الصفدي بذريعة مبالغاته في التعبير عن الموقف الرسمي، تنجح تعليقات وتصريحات الصفدي في لملمة وضبط إيقاع الشارع المحلي لأن بعض التصريحات التي تصنف دبلوماسيا بالتشدد لوزير الخارجية لا يقف تأثيرها فقط عند محطة تمثيلها الحرفي المهني الاحترافي لموقف الدولة الرسمي بل يتعدى أحيانا لضرب عدة أهداف للشارع تخدم صورة المملكة وتشكل مادة أساسية في الرد على دعوات التحريض والتشكيك عندما تولد.
عندما تصدى الأردن للمسيرات الإيرانية وازن الصفدي المسألة بتعليق واحد شعبيا على الأقل، تحدث فيه عن منع طائرات إسرائيل من ضرب أي دولة في الجوار عبر الأجواء الأردنية.
السياسة الأعمق والأبعد للدبلوماسية الأردنية شرحها بخلاصة السياسي المخضرم الدكتور جواد العناني لـ«القدس العربي» عندما وصف حرص بلاده الصارم أثناء التفاعل مع محاولات أي طرف لتوسيع نطاق الصراع الإقليمي على أن لا يتحول الأردن إلى ساحة صراع بدوره لا بين إسرائيل وإيران ولا بين محور المقاومة وخصومه.
ذلك الطرح العميق يعبر عنه الصفدي بكياسة وبصيغة تضع ذخائر أمام الرسميين والسياسيين في الرد على التشكيك فيما تنجح مقابلات وأحاديث الملكة رانيا في التعبير الدقيق عما يدور في ذهن الإنسان الأردني وعقله وهو يجاور ويراقب الجريمة الإسرائيلية في غزة والضفة الغربية.
عبارات الملكة الأم المنقولة عبر وسائل الإعلام العالمية تضرب عدة أهداف في تمثيل وجدان الأردنيين ومؤسساتهم إنسانيا ومساحة المناورة والاشتباك لوزير الخارجية تحقق معادلات تحتوي احتقان الشارع بالمقابل مع انها تثير حفيظة تيارات التكيف المتنفذة هنا وهناك.
وعلى هذه الأسس يمكن صياغة حالة التوازن المنشودة في عمق الشارع الأردني وفيما تتقدم المؤسسة بالاشتباك بأبرز رموزها ضد الأجندة الإسرائيلية يطالب الشارع بالمزيد. والمزيد الوحيد المقبول شعبيا الآن إعلان قطع للعلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل.
وهو خيار قد لا تكون الظروف الزمنية مواتية له لكنه ليس صعبا أو معقدا كما يشرح الوزير الصفدي وسبق للأردن ان اتخذه فيما توازن المصالح يتطلب الحفاظ على وثيقة اتفاقية وادي عربة في المتحف وهي نفسها الوثيقة التي وصفها وزير خارجية الأردن علنا بأنها «ملقاة ويعلوها الغبار».
طاقم الصفدي يشير إلى أن بقاء التطبيع وتجنب إعلان قطع العلاقات هو الحيز الذي سمح للأردن بتفكيك الحصار الجوي على أهل غزة ويسمح بإرسال المساعدات.