القاهرة ـ «القدس العربي»: تركت الأزمة الاقتصادية التي تشهدها مصر أثرها على المواطنين، حيث يحاول بعضهم تغيير عاداتهم لمواجهة موجات ارتفاع الأسعار المتتالية، وسط مخاوف من موجات جديدة من ارتفاع الأسعار مع اقتراب حلول شهر رمضان، وبالتزامن مع سجناء جدد انضموا إلى من سبقوهم في الزنازين، بسبب منشورات تنتقد أو تسخر من الغلاء.
وآخر هؤلاء شاعر غنائي يدعى محمد فريد، من مدينة الإسكندرية، شمال مصر، إذ قرر قاضي المعارضات، تجديد حبسه 15 يوماً على ذمة اتهامه بعدد من الاتهامات منها «نشر أخبار كاذبة» و«التحريض على العنف» بسبب 12 منشورا، على حسابه في فيسبوك عن الغلاء.
واعتُقل فريد الذي يعمل رئيساً لشؤون العاملين في وزارة الري، من منزله الإثنين الماضي، وعرض في اليوم التالي على نيابة الجمرك في الإسكندرية، التي واجهته بتحريات جهاز الأمن الوطني التي تشير إلى كتابته منشورات على حسابه في فيسبوك «تدعو للتحريض على أجهزة الدولة».
وحسب محامين، تضمنت تحريات جهاز الأمن الوطني، 12 منشورا عن الغلاء اعتبرتها أحرازاً ودليلا على ارتكابه للتهم، وأدرجته على ذمة قضية تحمل رقم 549 لسنة 2003، وقررت حبسه على ذمتها أربعة أيام.
وسبق وشارك فريد في نهاية يناير/ كانون الثاني الماضي في احتفالية عيد الميلاد وعيد الشرطة في مسرح دار الأوبرا في الإسكندرية، بكتابة أغنية بعنوان «جوانا الخير». ويعاني من تليف الكبد ونقص المناعة وتمزق أربطة الضهر.
منشورات تنتقد الغلاء
وكان المحامي الحقوقي نبيه الجندي، قد كشف خلال الأيام الماضية، عن أن نيابة أمن الدولة العليا، حققت في اليومين الماضيين مع أعداد من الشباب ممن تم القبض عليهم بسبب الأزمة الاقتصادية.
وأشار إلى أنه حضر التحقيقات مع بعض المقبوض عليهم، لافتا إلى أن الاتهامات الموجهة إليهم تتعلق بمنشورات نشروها على فيسبوك.
وقال: «النيابة وجهت للشباب اتهامات بنشر أخبار كاذبة، بسبب منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي يشتكون فيها من ظروف المعيشة».
ودفع غلاء الأسعار قطاعات من العمال المصريين إلى الاحتجاج للمطالبة بزيادة رواتبهم.
فخلال أسبوع واحد شهدت مصر عدة احتجاجات عمالية، كان آخرها اعتصام عمال شركة «كريازي».
ورغم نجاح الإضراب في إجبار إدارة الشركة على إعلان زيادة في الأجور، بعد أكثر من أسبوع على إعلانه، إلا أن 20 من العمال الشركة ما زالوا رهن الاحتجاز بعد إلقاء الشرطة القبض عليهم خلال الإضراب.
مخاوف من موجة جديدة من ارتفاع الأسعار قبل رمضان
وحسب منشور من الشركة، فإنه تم إقرار زيادة متدرجة في الأجور بأثر رجعي من يناير/ كانون الثاني الماضي، بقيمة 300 جنيه، على أن ترتفع تلك الزيادة إلى 500 جنيه بدءًا من مارس/ آذار المقبل، بالإضافة إلى زيادة أخرى قدرها 500 جنيه بدءًا من يوليو/ تموز المقبل.
وأدانت «الشبكة المصرية لحقوق الإنسان» استمرار اعتقال عاملي «كريازي».
كما أعربت عن «إدانتها الشديدة للممارسات التي تجري بحق عددا من العاملين في الرشكة، وحرمانهم من حقوقهم المشروعة، والتنكيل بهم في أقسام الشرطة وأماكن الاحتجاز».
وأكدت أن «الحل الأمني ليس الأمثل لمعالجة القضايا العمالية، وإنما يكمن الحل في منح العمال حقوقهم، ومراعاة ظروفهم واحتياجاتهم، من أجل زيادة الإنتاج، واستمرار دوران عجلة الاقتصاد».
وشددت على أن «العاملين في شركة كريازي ليس مكانهم السجون وأقسام الشرطة، ولكن مكانهم الطبيعي داخل شركاتهم ومصانعهم على خطوط الإنتاج». وطالبت، الأجهزة الأمنية بإخلاء سبيلهم، وإعادتهم إلى منازلهم ومقار عملهم على وجه السرعة.
وفي محاولة لمواجهة أزمة الغلاء، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي دعوات لتغيير عادات الزيارات المنزلية، والمطالبة بالعودة للتقاليد القديمة، التي كان يحرص الشخص فيها على شراء فاكهة أو طعام أو احتياجات المنزل لتقديمها خلال زيارته، بدلا من تقديم الشكولاتة أو الحلويات.
وكتبت ميساء محمد: «في ظل الظروف المعيشية الحالية، من المفترض أن نعيد زيارات زمان، شراء مستلزمات للبيت بدلا من الحلويات التي لا تمثل فائدة الآن».
أما، نهال محسن فكتبت على «فيسبوك» أن «أصدقاءها هاتفوها قبل زيارتها، فطلبت منهم شراء مسحوق غسيل بدلا من إحضار حلويات لا تستفيد منها».
وأضافت: «فوجئت بهم أحضروا وقد مسحوق الغسيل وتورتة، فأخبرتهم أن الحلويات ليست ضرورية، وأنه في ظل هذه الأوضاع علينا أن نهادي بعضنا البعض أشياء يحتاجها المنزل في ظل الغلاء».
في مصر التي يبلغ الحد الأدنى للأجور فيها 2700 جنيه مصري، أي حوالي 89 دولارا، ارتفت أسعار اللحوم الحمراء ليتعدى ثمن الكيلو غرام في بعض المناطق الـ 300 جنيه مصري.
فيما ارتفعت أسعار الدواجن التي كانت تعتمد عليها الطبقة المتوسطة والفقيرة في الحصول على البروتين، ليسجل الكيلو غرام من الدواجن البيضاء 100 جنيه، والدواجن البلدي 145 جنيها، ما يعني أن الحد الأدنى للرواتب في مصر يساوي 9 كليو غرامات من اللحم، أو ما يعادل 13 دجاجة بمتوسط وزن 2 كيلو غرام.
أما أسعار الدواجن فقد شهدت ارتفاعات خلال الشهرين الماضيين، تعدت نسبتها الـ100٪، حسب محمد عبد الرازق صاحب محل دواجن في القاهرة.
وأضاف لـ«القدس العربي»: كل يوم نجد ارتفاعا في الأسعار، ونسبة المبيعات انخفضت بسبب الغلاء.
محاولة للسيطرة على الأسعار
وفي محاولة للسيطرة على أسعار الدواجن، أصدر مجلس الوزراء مجموعة من القرارات، بينها قرار بضم نشاط مزارع الإنتاج الداجني إلى الأنشطة المستفيدة من قرار مجلس الوزراء رقم 61 لسنة 2022، والقاضي بتحمل وزارة المالية كامل قيمة الضرائب المستحقة على العقارات المبنية والمستخدمة في ممارسة أنشطة معينة وذلك لمدة ثلاث سنوات.
كما كشفت مصادر في وزارة الزراعة المصرية، عن اتجاه الحكومة لاستيراد الدواجن من قِبل الهيئة العامة لخدمات الطب البيطري، لوقف تحكم أصحاب المزارع في الأسعار.
خطوة استيراد الدواجن دائما ما قوبلت بالرفض في وقت سابق، من شعبة الدواجن في غرفة القاهرة التجارية بسبب المخاوف على صناعة الدواجن المصرية. عبد العزيز السيد، رئيس شعبة الدواجن في الغرفة التجارية، أعاد أسباب ارتفاع أسعار الدواجن إلى الارتفاعات المتتالية التي طالت الأسعار.
وأضاف في تصريحات متلفزة، أنه رغم الإفراجات الجمركية التي تمت عن الأعلاف ولم تعد هناك شحنات محجوزة في الموانئ تقريبا إلا أن الأسعار ما زالت مرتفعة، مؤكدا أن الكثيرين خرجوا من المنظومة بسبب ارتفاع الأسعار الجنوني.
وتابع: «لا يزال الوضع مأزوما في مزارع الدواجن رغم الإفراج عن الأعلاف، ويجب على الدولة وضع تسعير واضح كميات الأعلاف المفرج عنها وتتبع مسارها لأن بعض التجار يريدون تعويض خسارتهم باستغلال المواطنين ومضاعفة الأسعار» مؤكدا أن «الحكومة تستطيع التحكم في الأسواق بشكل كامل وتوفير السلع بأسعار مناسبة للمواطنين».
طلب إحاطة
أزمة الغلاء دفعت النائبة أمل سلامة، عضو لجنة حقوق الإنسان في مجلس النواب، لتقديم طلب إحاطة، بشأن خطة الحكومة لتخفيض أسعار اللحوم والدواجن والأسماك ومواجهة جشع التجار قبل حلول شهر رمضان.
وقالت النائبة: إنه «للأسف الشديد، شهدت الأسواق المحلية ارتفاعات كبيرة في أسعار اللحوم والدواجن والأسماك والسلع الغذائية والخضراوات والفاكهة، رغم الإفراج الجمركي عن كميات كبيرة من الأعلاف ومستلزماتها كانت محتجزة بالموانئ، فضلا عن تحقيق الاكتفاء الذاتي من الخضراوات والفاكهة، وأن صادرات مصر الزراعية من الخضراوات والفاكهة حققت رقما قياسيا وفقا لوكالة «فيتش العالمية» للتصنيف الائتماني». وتساءلت: «لماذا ارتفعت أسعار اللحوم لتقترب من الـ300 جنيه، والدواجن 100 جنيه، وكرتونة البيض 130 جنيها؟ رغم أن مصر لديها الاكتفاء الذاتي من الدواجن، والأسماك، وتحتل مصر المركز الأول أفريقيا في إنتاج الأسماك والسادس عالميا في الاستزراع السمكي، ورغم ذلك فإن جنون الأسعار أصاب الدواجن والأسماك التي كانت طعاما للمواطنين البسطاء، إضافة إلى الخضراوات والفاكهة التي يتم تصديرها للخارج، بدلا من إتاحتها للمواطنين بأسعار مناسبة».
وطالبت النائبة الحكومة» بتكثيف تحركاتها لوضع حد للانفلات غير المسبوق في الأسعار ومواجهة جشع التجار قبل حلول شهر رمضان المبارك، وخصوصا أن الحكومة تمكنت من الإفراج عن كميات كبيرة من الأعلاف ورغم ذلك لم تشهد الأسواق تراجعا في أسعار اللحوم والدواجن والأسماك، كما شهدت الخضراوات والفاكهة والألبان والبقوليات ارتفاعات كبيرة في الأسعار».
وتشهد مصر أزمة اقتصادية، زادت حدتها خلال العام الماضي، ولجأت الحكومة خلال الأعوام الماضية للاقتراض 4 مرات من صندوق النقد الدولي، وكانت قد حصلت سابقا على قرض قيمته 12 مليار دولار من الصندوق بموجب اتفاق تم توقيعه نهاية 2016، وقرضين آخرين في 2020 بقيمة 5.4 مليار دولار لتطبيق برنامج اقتصادي، و2.8 مليار دولار لمواجهة وباء كورونا.
اعتقالات لمصريين انتقدوا الغلاء، يعني الشعب المصري لازم يموت من الجوع وهو ساكت !!