القاهرة ـ ‘القدس العربي’ حفلت الصحف الصادرة يومي السبت والأحد بالكثير من الأخبار والموضوعات، مثل تغطية المظاهرات والمسيرات التي قام بها الإخوان المسلمون يوم الجمعة تحت شعار ‘الحرية للشرفاء’، وما حدث فيها من اشتباكات بينهم وبين الأهالي، ورددوا هتافات فيها شتائم للفريق أول عبدالفتاح السيسي. وصدرت جريدتهم ‘الحرية والعدالة’ امس الأحد تتهم الانقلاب بقتل طفل العمرانية، وذكرت كلمة الطفل ثلاث مرات، من دون ان تتواضع وتذكر اسمه وقالت بالنص:
‘ان مشهد استشهاد الطفل يؤكد اننا أمام انقلاب اقترب وقت رحيله، بعد ان فقد عقله وأصر على حرق الأرض والإنسان في كل بر مصر مستهدفا هو وميليشياته أجيالا بريئة بالرصاص أو بالاعتقال’.
هذا واعتقلت الشرطة عددا من الذين ارتكبوا أعمال عنف في المظاهرات، وسمحت لهيئة الدفاع عن محمد مرسي بزيارته، وألغت لجنة الخمسين التي تعد الدستور وجود مجلس الشورى، وهو ما أسعد لأبعد الحدود زميلنا وصديقنا الرسام والفنان الموهوب حلمي التوني، فكان رسمه امس في ‘التحرير’ عن غراب يحمل كرسي الشورى ويطير وشخص كان يطمع فيه يردد المثل الشعبي، فرحة ما تمت خدها الغراب وطار، وفي المنصورة حاول البعض الاعتداء على منزل المستشار عبدالحميد قنديل رئيس نادي قضاة المنصورة وعضو اليمين في المحكمة التي تحاكم الرئيس السابق، وألقوا الطوب والشماريخ على المنزل، وأمر النائب العام المستشار هشام بركات بالإفراج عن خمسة وعشرين من أولتراس النادي الأهلي، بعد تصالحهم مع وزارة الطيران، حيث سددوا لها قيمة التلفيات التي تسببوا فيها بتحطيم زجاج مطار القاهرة، وبعد أن قدم وفد من الاولتراس اعتذارا وتصالح مع وزارة الداخلية، كما زار وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم النيابة العامة واعتذر عما حدث من بعض الضباط مع وكلاء النيابة في ساقلته بمحافظة سوهاج، واهتمت الصحف بالزيارة القادمة لوزيري خارجية ودفاع روسيا للاعداد لزيارة الرئيس بوتين لمصر. وأرى ان التوقعات ذهبت بعيدا عن حيثيات عقد صفقات أسلحة تمهيدا للاستغناء عن التسليح الأمريكي، لنزع أوراق الضغط من يد أمريكا، وهو مطلب شعبي جارف، لكن تنفيذه بسرعة أمر مستبعد، كما ترددت اكثر من مرة تسريبات عن محاولات لإنهاء الأزمة بن مصر وقطر، وهو ما سيحدث بالقطع في المرحلة القادمة، لأن هناك وعيا كبيرا بضرورة الإبقاء على العلاقات الاقتصادية والعلاقات بين الشعبين وعدم تأثرهما بأي خلاف سياسي، وأشارت الصحف الى اقتراب لجنة الدستور من انتهاء عملها في موعده، وانشغال الحكومة بإعداد قانون تنظيم التظاهر لأن حالة الطوارئ ستنتهي في الرابع عشر من الشهر الحالي.
وإلى بعض مما عندنا:
‘لم نندم يوماً ما على
اختيار الشورى والصندوق’
نبدأ تقريرنا اليوم ببعض ردود الأفعال على محاكمة مرسي، وبدأتها الخميس في ‘الحرية والعدالة’ الإخوانية الجميلة منة رجب، يا بخت مرسي لأنها قالت عنه:
‘بعيداً عن كل الدعاء الذي يمكن أن يخرج على السيسي وأعوانه فإني لا أرى أمامي الآن سوى رجل تعجز كلمات الثناء أمام صموده، أن تصف تلك الحالة التي تشعرني بأنني هينة ضعيفة لا أقوى على شيء وسرعان ما كانت أحداث القتل والانقلاب بشكل عام توهن من عزيمتي قليلاً، وهذا الرجل الذي ظلمه الكثير أيام حكمه، لا المعارضين فحسب، ووصفوه بأنه ‘ضعيف’ لأنه لا يرد هيبته كما زعم البعض فإن يوماً كهذا سيحفظه له التاريخ في نظرته الحاسمة المتأملة المحترمة لكل الذي تربى عليه يقول: ‘أنا محمد مرسي رئيس الجمهورية الشرعي وما حدث هو انقلاب عسكري وأرفض الامتثال للمحكمة غير الشرعية’، بعيدا عن شخصك يا رئيسنا، وبعيدا عن حبنا لك، ولأننا لم نخرج إلا لله فإننا نؤكد مجدداً عهدنا مع الله عز وجل في إيماننا بالقضية التي نسعى لتحقيقها، ولم نندم يوماً ما على اختيار ‘الشورى’ و’الصندوق’ يا رئيسنا الشرعي’.
وفي نفس العدد، تأثر صاحبنا الإخواني خالد عز الدين بما كتبته الجميلة منه فقال:
‘عندما آلت الرئاسة للدكتور محمد مرسي تطاولت أعناق بعض الجالسين على مقاهي السياسة للكرسي قائلين في خلجات نفوسهم ولم لا؟ الأمر يسير وماذا فعل مرسي ليحصل على منصب الرئاسة؟ ألم يكن فردا في جماعة الإخوان ليس الأكثر شهرة أو تميزاً، بل لم يكن هو اختيار جماعته الأول، فلم لا أكون أنا هذا الرئيس؟ فما أسهل أن تكون رئيساً، وتجسدت في ناظري كل حوارات الغل والحسد التي ملأت فضائيات الانحياز والتآمر، تارة من منافس سابق وأخرى من معارض فاسد أو حليف ضعيف خائن، سرعان ما ظهر تواطؤهم جميعاً وانحيازهم لما في نفوسهم من حقد أخمد صوت الحق بداخل من كنا نظن به بقايا خير أو شبهة، وثارت تساؤلات عدة في خاطري، ماذا لو كان أحد هؤلاء مكان البطل المناضل محمد مرسي؟، والآن بعد تجربة عام وبعض العام من البذل والعطاء والصمود وتقديم التضحيات الغالية بالنفس والمال والأهل والأبناء من جديد بهدف نحره، لسهام الغادر الخاسر حسبة لله، لا لمنصب كان من الممكن أن يبقى فيه بقليل من التنازلات ولا لجاه أتاه راغماً فترفع عنه وتسامى عليه، ولا نصرة لحزبه وجماعته فهم من دفع الثمن غالياً، مالا ودماء وتشريدا وقتلا، وإنما ثبات القائد البطل في وجه الظلم والظالمين تنفيذا لقوله، ليعلم أبناؤنا أن آباءهم كانوا رجالا لا ينزلون على رأي الفسدة ولا يعطون الدنية من وطنهم ولا من دينهم ولا من شرعيتهم.
سيبقى الرئيس البطل محمد مرسي رمزا للثبات والبطولة والشرف لكل مصري ولكل شريف في العالم أجمع، وسينتصر لا محالة فأمثال هذا الرجل هو من يقيد القيد ويسجن القضبان، حقاً ما أسهل أن تكون رئيساً، وما أصعب أن تكون محمد مرسي’.
مرسي واجه المؤامرات
اليومية من الداخل والخارج
أما الحليف الضعيف الذي يتهمه خالد فهو زميلهم الإخواني الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح، الذي انشق عن الجماعة ودخل الانتخابات ضد مرسي، بدعم من حزب النور السلفي.
ونظل في نفس عدد ‘الحرية والعدالة’، لنكون مع المستشار البدوي عبدالعظيم البدوي، الذي وجه انتقاداً إلى مرسي، لأنه لم يقطع رؤوس معارضيه، إذ قال بالنص:
‘الرئيس تتم محاكمته لأنه كان طيباً لدرجة كبيرة ولم يتخذ من الإجراءات اللازمة لقطع رأس المخربين والانقلابيين خلال محاولاتهم المتوالية، خلال فترة حكمه، التي استمرت نحو العام الكامل، وتتم محاكمة الإخوان المسلمين لأنهم لم يتركوا الرئيس ليسقط خلال فترة حكمه، التي واجه خلالها المؤامرات اليومية من الداخل والخارج، وتتم محاكمة كل القوى السياسية الشريفة الآن لذات السبب لدفعهم للتخلي عن الرئيس وقضيته المشروعة والعادلة’.
سميرة صادق: هذه هي
ثمار ثورة الثلاثين من يونيو
ونظل مع بعض ردود الأفعال في ذات اليوم، الخميس ففي ‘الجمهورية’
قال زميلنا علي الصفتي:
‘انشغل الناس بملابس وشكل ‘المعزول’ أكثر من انشغالهم بالمحاكمة نفسها وانشغل هو بتكرار عبارة ‘أنا الرئيس’ من دون أن يعي أن الوقت قد فات وأنه أمام هيئة المحكمة وداخل قفص حديدي بين متهمين هم وأمثالهم من ساهموا في سقوطه ومجيئه خلف القضبان، مهزلة ما كانت لتحدث لو أن الدكتور مرسي عرف امكاناته و’قدراته’، واكتفي بالتدريس في الجامعة وبدور ‘المراسلة’ بين تنظيم الإخوان والموالين له في الداخل والخارج، ومأساة لم تكن لتقع لو أن الذين رشحوه ووقفوا معه من بعض التيارات المدنية أدركوا منذ البداية أنه رجل ‘ضعيف’ لا يصلح هو وتنظيمه الدولي أن يدخلوا قصر الاتحادية وتولي حكم أكبر دولة في المنطقة’.
وفي نفس العدد كانت زميلتنا الجميلة سميرة صادق، التي ابتسمت ابتسامة ساحرة ثم قالت:
‘أخيراً رأينا مرسي في القفص لا يهمنا ماذا يلبس أو ماذا قال أو ماذا فعل أنصاره، المهم أن الشعب المصري حقق إرادته، هذا الشعب الذي امتهنه مرسي طوال عام في حكمه وحكم جماعته، تركه في الشوارع والميادين عاماً كاملاً يعترض على إعلانه الدستوري، الذي جعل منه فرعوناً لا يرد له قول، ولا يعترض له أحد على فعل. طوال عام كامل شعرنا فيه بالغربة في بلادنا، فليست هذه مصر التي يتحدث البعض فيها عن إلغاء السياحة الشاطئية، وتغطية تمثال أم كلثوم وهدم الأهرامات وأبو الهول، عام أسود مر علينا، ولكن الحمد لله لم تنكسر روح الثورة في نفوس المصريين، وها نحن نرى ثمار ثورة الثلاثين من يونيو’.
جامعة الأزهر وخوف الاهالي على ابنائهم
قال زميلنا وصديقنا ونقيب الصحافيين الاسبق مكرم محمد أحمد في مقاله اليومي في ‘الأهرام’ يوم الاثنين الماضي:
‘لا اعتقد أن أياًَ من أولياء أمور طلاب جامعة الأزهر الذين شاركوا في تخريب جامعتهم، مهما يكن وضعه الاجتماعي، يمكن أن يكون راضياً عن هذا السلوك الهمجي الفظ الذي استهدف تدمير جامعة مجانية تضم ما يقرب من نصف مليون طالب، وأغلب الظن ان بيوت هؤلاء الطلاب تعيش في جحيم قلق خانق تخشى تورط أبنائها في جرائم ومخالفات يمكن ان يكون عقابها الرفد من الجامعة، وتخاف من ان يصيبهم، وسط أحداث العنف التي تجري بصورة شبه يومية، مكروه يؤدي الى إصابتهم أو وفاتهم لا قدر الله، ولا أظن أن اياً من هذه الهموم تشغل بال قيادات جماعة الإخوان التي تنظم وتحرك وتحرض هؤلاء الطلاب على أعمال العنف، وكثيرا ما تدفع بهم الى السجون والمعتقلات مرة كل عشرة أعوام في دورة صدام محتوم مع الحكم، من فضلكم خاطبوا أولياء الأمور واجعلوهم طرفا في الحوار الدائر في مصر الآن حول حقوق التظاهر وسبل تنظيمها ووسائل تحصينها من العنف وتخليصها من الجنوح المتزايد الى التخريب والتدمير الذي شهدنا أقبح صورة في تظاهرات جامعة الأزهر’.
من يريد ان يرتكب جريمة لا علاقة لها
بالسياسة عليه بوقت المظاهرات
وفي جريدة ‘الشروق’ يستعرض الكاتب فهمي هويدي الاوضاع في مصر من خلال مقاله الذي عنونه بـ’لان الناس مقامات’ جاء فيه:
‘اصطحب الرجل ابنه وخرج لتوصيله إلى النادي الرياضي لكي يشارك في مباراة لكرة القدم في يوم العطلة. في الصباح الباكر قاد سيارته واتجه إلى أحد الجسور الموصلة بين أطراف القاهرة الكبرى. عند أول منعطف في مدخل الجسر (الدائري الرابع) اعترضته سيارة وأوقفته. وبسرعة هبط منها ثلاثة شبان ملثمين يحملون بنادق آلية، ومعهم رابع مثلهم يحمل اسطوانة بوتاجاز. أنزلوه من سيارته وطلبوا منه مفتاح تشغيلها وهاتفه المحمول وما معه من نقود، بعدما أعطاهم ما يريدون، تقدم أحدهم نحو سيارته وشرع في قيادتها، في حين همَّ الآخرون بركوب سيارتهم الأصلية، إلا ان أحدهم أطلق رصاصة للترهيب والتخويف في الأغلب، فاخترقت الجانب الأيمن للابن، الذي سالت منه الدماء غزيرة، هرب الملثمون بما غنموا، في حين أصيب الرجل بالهلع جراء ما أصاب ابنه، فحمله على كتفه وهرول إلى الشارع حتى وجد من أنقذه وأوصل الاثنين إلى مستشفى الهرم. لم يجد الأطباء مفرا من إزالة الطحال الذي تهتك من أثر الرصاصة التي اطلقت، وأجروا الاسعافات اللازمة لوقف النزيف، ثم قرروا ان ينتظروا بعض الوقت لكي يستخرجوا الرصاصة التي استقرت تحت الرئة. ولا يزال الشاب راقدا في المستشفى ينتظر إجراء الجراحة الثانية.
إذا استعرضنا ما جرى ببطء فسوف نلاحظ ما يلي: إن الجريمة وقعت في القاهرة التي يفترض أنها أكثر المدن تأمينا في مصر، وإن ذلك حدث في وضح النهار، وفي مدخل واحد من أهم وأكبر الجسور التي تربط بين أطراف العاصمة، وانه لم يظهر جندي واحد في محيط الجريمة، ولأن الجناة كانوا مدركين لتلك الحقيقة فإنهم تصرفوا بمنتهى الطمأنينة، حيث أوقفوا سيارتهم (كورولا سوداء) بعرض الجسر، وفعلوا فعلتهم، ثم أطلقوا رصاصة التخويف أثناء انصرافهم.
لا أستطيع أن أفترض السذاجة في السارقين، فاختيارهم لصباح يوم الجمعة يكشف عن دراية وخبرة، لأنه اليوم الذي تتوقع فيه الأجهزة الأمنية أن يتسع نطاق المظاهرات وأن تخرج إلى الشوارع من حيث لا يحتسبون. لذلك فإن كل همها خلال ذلك اليوم بالذات أن تتصدى للمظاهرات وأن تؤمّن المناطق أو المؤسسات التي تتوقع استهدافها، لهذا السبب فكل من تسول له نفسه أن يرتكب أي جريمة لا علاقة لها بالسياسة فعليه أن ينتظر أوقات المظاهرات، وأن يُقدم على فعلته وهو مطمئن إلى أن أعين الشرطة وكافة حواسها متجهة صوب ما هو وثيق الصلة بالسياسة، ومنصرفة عما عداها.
الفكرة ليست جديدة، لأن الانطباع السائد في مصر منذ عدة سنوات، أن الأجهزة المعنية مشغولة بحماية النظام ورموزه أكثر من حمايتها للمجتمع ورعايتها لمصالحه. وقد استقرت تلك الفكرة في مرحلة مبارك بوجه أخص، حين كان اعتماده الأكبر على الشرطة التي عهد إليها ترتيب أمور كثيرة في البلد، من الانتخابات إلى التوريث، وكل الذي حدث ان نشاط الخارجين على القانون تضاعف بعد ثورة يناير 2011، أولا لأن الشرطة انسحبت من المشهد بصورة نسبية، وثانيا لأن جرأة الناس عليها صارت أكبر، وثالثا لأن خروج المظاهرات منذ تولى الدكتور محمد مرسي الرئاسة لم يكن أحد أسباب انشغال الشرطة واستدعائها فحسب، ولكن أيضا لأن تلك المرحلة شهدت ‘تعاونا’ بين الشرطة والبلطجية، الذين أصبحوا أحد العناصر التي تسهم في قمع المتظاهرين وفض المظاهرات.
لا يزال انشغال الشرطة بحماية النظام وانصرافها عن حماية المجتمع يشكل عنصرا مهما في تشجيع الخارجين على القانون على ارتكاب جرائمهم. إلا ان هناك مشكلة أخرى تضاعف من عدم اكتراث الشرطة بمثل الحالة التي نحن بصددها، وهي أن الضحية فيها من المواطنين العاديين الذين لا يثير اهمال الشرطة لأمرهم تساؤل أحد أو اهتمامه. أما كبار المسؤولين ونجوم السياسة والإعلام فإنهم يلقون معاملة خاصة إذا ما تعرضوا لأي عدوان على أموالهم وممتلكاتهم أو مواكبهم بطبيعة الحال، حيث تلك هي الحالات التي تستنفر فيها الشرطة لتستعرض قدراتها وتسلط فيها وسائل الإعلام الضوء على كفاءتها وانجازاتها. وهو ما لا يتاح لها في حالات الجرائم التي ترتكب بحق المواطنين العاديين، الذين هم أصلا أكثر من الهم على القلب، ناهيك عن ان وسائل الإعلام لا تأتي لهم على ذكر في العادة. وفي أحسن أحوالهم فإنها قد تشير إلى اسمائهم في صفحات الحوادث إذا حلت بهم كارثة من أي نوع. وتقبل بذكرها في صفحات الوفيات إذا ما دفع أهلوهم في ذلك الأجر المعلوم.
إزاء ذلك فلعلي لا أبالغ إذا قلت ان المشكلة أكبر من مجرد حادث سرقت فيه سيارة هيونداي، وأدت العربدة والاستهتار فيه إلى إزالة طحال شاب وتهديد حياته، ولكنها مشكلة جهاز للشرطة تدرب على حماية النظام دون المجتمع، ومشكلة نظام نخبوي اعتبر المصري العادي مواطنا من الدرجة الثانية وبنى سياسته على أساس ان العين لا يمكن ان تعلو على الحاجب. وأن الجميع أولاد تسعة أشهر حقا، لكن لكل مقامه واجب الاعتبار أيضا’.
هامش الديمقراطية والمتواطئون الاقليميون
وفي نفس العدد من جريدة ‘الشروق’ ينتقل بنا الكاتب عمرو حمزاوي الى موضوع الديمقراطية في الدول العربية من خلال مقاله ‘هامش الديمقراطية والمتواطئون الاقليميون’ يقول فيه:
‘نعود إلى البدايات: يندر أن تتمكن الفاشيات والنظم الشمولية والسلطوية والنظم المسخ من دولها ومجتمعاتها من دون شيء من الدعم الدولي والإقليمي أو بعض التواطؤ معها بالصمت عن القمع وانتهاكات حقوق الإنسان والانتقاص من الحريات. تدعم الولايات المتحدة منذ عقود نظما غير ديمقراطية، وتوظفها دوما لحماية مصالحها، وأحيانا لتنفيذ حروب بالوكالة أو عمليات عسكرية أو لانتهاكات لحقوق الإنسان، وتستثمر كل من روسيا والصين أيضا الكثير من الموارد العسكرية والاقتصادية والمالية لدعم حكومات ديكتاتورية والحفاظ على بقائها في مواضع مختلفة. ولم يبتعد أبدا لا الدعم الأمريكي من جهة ولا الروسي والصيني من جهة أخرى عن المنطقة العربية والشرق الأوسط، فنظم الحكم غير الديمقراطية في الخليج ترتبط بعلاقات دعم وتحالف وثيقة مع واشنطن وكذلك تفعل إسرائيل (غير الديمقراطية باتجاه العرب داخل حدودها وباتجاه العرب الذين اغتصبت أراضيهم) وفعلت مصر منذ السبعينيات وباستثناء بعض التوتر الراهن، بينما يعول الحكم في إيران والديكتاتور السوري على المساندة الروسية والصينية.
الهدف دائما هو إبقاء الحلفاء في الحكم وضمان المصالح أو الإطاحة بالمعارضين واحتواء خطرهم أو اكتساب النفوذ والوزن الإقليمي ولا رغبة في الديمقراطية أو ضمان حقوق الإنسان والحريات، بل هو استعداد للتواطؤ للتضحية بها أو إفشال مساراتها أو تعويقها. وهنا جوهر الاستثناء الإقليمي الشرق الأوسطي والعربي’.
هل سيسقط الدستور
الجديد بتصويت سلبي؟
وفي جريدة ‘المصريون’ نقرأ سيناريو تولي السيسي رئاسة الجمهورية في رأي الكاتب جمال سلطان:
‘البيان الذي أصدرته حملة ‘اخترناك’ يوم السبت وتهدد فيه بتجميد أعمالها غضبا من تردد الفريق السيسي في اتخاذ خطوات وصفتها بالثورية، هو بيان من تلك البيانات التي ينبغي أن تحمل على محمل الجد، ليس من أجل الواجهة التي أذاعت هذا الكلام، ولكن من أجل الجهة الحقيقية التي تضخ تلك الأفكار والمواقف والخطط، من خلال تلك الواجهات، كبالونات اختبار لردود الفعل أو التمهيد المبكر لخطط محتملة، ولم يعد خفيا أن مثل هذه التحركات والنشاطات والواجهات، مثل ‘اخترناك’ ومعها ‘كمل جميلك’، هي حركات تعمل بدعم وتنسيق من أجهزة رفيعة تتصور أنها قادرة على هندسة الدولة والشارع في مصر هذه الأيام، لفرض سيناريو جديد للسيطرة على السلطة لعدة عقود مقبلة وإنهاء كامل ميراث ثورة يناير، البيان يطالب السيسي بإقالة حكومة الببلاوي، ومحاكمة الفريق عنان والمشير طنطاوي والمجلس العسكري السابق، وعزل اللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية ومحاكمته، والدعوة إلى إعداد دستور جديد بديل، غير الذي يجري الانتهاء منه الآن، وبطبيعة الحال يضاف إلى ما سبق المطلب الجوهري المعلن مسبقا للحركة الذي يمثل العمود الفقري لها، وهو تولي الفريق السيسي لرئاسة الجمهورية بدون انتخابات.
البيان موجود بكامل نصه على المواقع المختلفة وقد بثته وكالة الأناضول، وما تقدم هو خلاصته، وهي تعيد رسم ملامح المستقبل القريب في مصر، الذي يجري إعداده في الغرف المظلمة، وهو سيناريو مختلف تماما عما هو قائم الآن تحت لافتة ‘خارطة المستقبل’ ، إذ يبدو أن تلك الخارطة كانت منطقة ترانزيت، أو ‘محلل’ بالتعبير الاجتماعي، الذي يصف الزوج المفتعل للعروس والذي ينحصر دوره في أن يحلل للعريس الفعلي أن يستعيد الزواج منها، بعد أن خرجت من عصمته بطلاق ثالث. فخارطة المستقبل كانت إطارا مؤقتا لبلورة واستثمار احتجاجات 30 يونيو وتوظيفها من أجل إنهاء الخطر الحال والتحدي الأكبر وقتها، وهو سيطرة الإخوان المسلمين على السلطة ووجود رئيس منها منتخب بطريقة شرعية، وأي محاولة لوجود ‘جنرال’ على رأس السلطة حينها سيعني بداهة أن مصر أمام انقلاب عسكري صريح وكامل الأوصاف، وبالتالي جاءت خارطة المستقبل، التي فرضت نظاما بديلا ومؤقتا يتمثل في وجود رئيس للجمهورية له كامل الصلاحيات دستوريا، ورئيس للوزراء يدير شؤون الدولة داخليا، وحكومة لا يرضى العسكريون عن كثير من أعضائها، كما يوجد دستور جديد جار إعداده ويفرض صياغة جديدة للدولة لا ترضي الجنرالات الذي يقاومون حتى الآن أي مساس باستقلالية المؤسسة العسكرية، وأنها صاحبة قرارها في كافة شؤونها ولها أن تخضع أي مواطن لمحاكمها إذا رأت أنه تعدى عليها أو أساء إليها، ويبدي كثير من رموزها استياءهم الشديد من تمسك لجنة الخمسين بإخضاع بعض شؤون المؤسسة للرقابة المدنية وعدم محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية . على جانب آخر ظهرت توترات تعطي إحساسا بالخطر من طموح الفريق سامي عنان رئيس أركان حرب القوات المسلحة السابق للترشح للرئاسة، حيث يرى البعض أن هناك تيارا لا يستهان به يدعم هذا الترشح بقوة، على خلفية الاستياء من مجمل ما جرى تجاه المجلس العسكري السابق وتوظيف أحداث مقتل 16 جنديا للتخلص من المشير وعنان تحديدا، وإزاحتهم من طريق نجوم جديدة صاعدة، وبغض النظر عن فرص نجاح عنان في أي سباق محتمل للرئاسة، إلا أن المؤكد أن نزوله سيكون خصما من رصيد وفرص الفريق السيسي، وسيفتت الأصوات التي تذهب إلى المرشح العسكري، باعتبار أن الاثنين يمثلان المؤسسة العسكرية، وأي خلاف بعد ذلك هو في التفاصيل لا أكثر، أيضا هناك انقسام سياسي ومجتمعي يتبلور مع الوقت بكل وضوح لدى شركاء موجة 30 يونيو، حيث وضح أن فلول نظام مبارك ـ وهم أهم داعمي السيسي وحملة كمل جميلك واخترناك ـ يرون أن ما حدث في 30 يونيو هو الثورة، وأن يناير كانت مؤامرة أو هوجة في أحسن الأحوال، بينما يرى رموز وأحزاب وناشطو ثورة يناير أن الفلول يريدون استثمار 30 يونيو من أجل إعادة نظام مبارك وسيطرة العسكر على الدولة وأجهزتها، وهذا الانقسام العنيف لا يمكن أن يستمر إلا بحسم الموقف على الأرض لصالح أحد الطرفين بشكل واضح ونهائي لضبط بوصلة الدولة وسياساتها الجديدة وفقه.
السيناريو الجديد الذي يتم طبخه على نار هادئة، يتمثل في تدشين موجة شعبية ثورية جديدة يقودها فلول نظام مبارك بالأساس ومعهم الحلفاء الجدد للفريق عبد الفتاح السيسي، بنفس الطريقة التي نضجت بها موجة 30 يونيو، وسيكون محركها السخط العام على الحكومة الحالية والانهيار الأمني والاقتصادي والتمزق السياسي وعدم وضوح الرؤية وإحباط عموم الناس من استمرار معاناة البلاد لأكثر من ثلاث سنوات منذ ثورة يناير، وتكون هذه الموجة التي يحشد لها عدة ملايين في الشوارع والميادين الرئيسية بحماية مشابهة لما جرى في 30 يونيو مفتاحا لإعلان انتهاء تجربة ‘خارطة الطريق’ لفشلها في حل مشكلات الوطن وتسببها في تعريض البلاد لخطر شديد والأمن القومي للانهيار، وسيتم توظيف دعم إعلامي مكثف من قنوات فضائية تنتمي إلى فلول نظام مبارك ماليا وسياسيا، كما سيكون للتحرك الجديد دعم مضمون وكامل من المؤسستين الدينيتين الأهم: الأزهر والكنيسة، والأخيرة ستساعد في الحشد الجماهيري كما ساعدت في 30 يونيو، وسيكون هناك دعم سلبي مضمون أيضا من خلال المؤسسة القضائية التي يصعب عليها الاعتراض على سيناريو سبق ووافقت على نسخته السابقة وشاركت فيه، من خلال المجلس الأعلى للقضاء والمحكمة الدستورية العليا، كما سيحظى النظام الجديد بتغطية سياسية مناسبة من التيار الناصري الذي ترتبط رموزه الكبيرة بالمؤسسة العسكرية وأجهزتها، وحيث لا يوجد تناقض فعلي بين الناصريين وبين البنية المؤسسية التي حكمت مصر منذ 1952، ويلاحظ أن بعضهم يعلن من الآن أن السيسي هو الرئيس المقبل لمصر بلا نزاع، والمؤكد أنه ستكون للناصريين كوتة كبيرة في النظام الجديد، ووفق هذا السيناريو سيتم حل الحكومة القائمة، وعزل الرئيس المؤقت عدلي منصور وإعادته لمنصبه القضائي، وإعلان الفريق السيسي رئيسا مؤقتا للبلاد لمدة ثلاث سنوات على الأقل ـ حسب رؤية هيكل السابقة ـ يتم خلالها تشكيل لجنة رفيعة المستوى لإعداد دستور جديد للبلاد، والدعوة لانتخابات برلمانية خلال عامين، ووفق هذا السيناريو فإن الفريق السيسي لن يرفع قدما من المؤسسة العسكرية إلا إذا كانت الأخرى في قصر الاتحادية فعليا، بلا أي فارق زمني وبلا أي إجراءات أخرى، وستكون من ثمار هذه الموجة أيضا تصفية أي ظل سياسي لرموز المرحلة السابقة، خاصة الطامحين في الترشح مثل الفريق عنان ولو بتقديمهم للمحاكمة على خلفية ما وقع من أحداث خلال فترة حكم المجلس العسكري الأول، وأيضا إقالة اللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية ومحاكمته ومجموعة من مساعديه وتحميلهم المسؤولية عن الأحداث والقتل الذي تم، خاصة في مرحلة ما بعد خارطة المستقبل بما يفرغ الاحتقان ويمتص غضب قطاع واسع من الشارع، وإنهاء أي جدل أو تنازع بين ثورة يناير وموجة 30 يونيو، باعتبار أن مصر شهدت ثورة ثالثة أسست لمشروع جديد لا صلة له بما قبله، ومن ثم تعيد الأجهزة إنتاج نخبة جديدة تدفع بها في فضاءات السياسة والإعلام والإدارة وكافة شؤون الدولة.
هذه هي أهم معالم السيناريو الذي يتم مناقشته حاليا والبحث في تحدياته ومخاطره، وغالب الأمر أن لحظة الصفر في انطلاق هذا السيناريو سيكون في أعقاب الاستفتاء على الدستور الجديد، حيث ترجح بعض الدوائر أنه لن يظهر للوجود ، إما بإسقاطه عبر تصويت سلبي في الاستفتاء، وإما بأحكام قضائية تبطل مشروعية عمل لجنة الخمسين ، وإما بتعذر إنجازه عمليا للانفلات الشعبي والأمني، وهو ما يعني سد الطريق نهائيا أمام خارطة المستقبل، والإعلان عن تفجر الموجة الثالثة من الثورة الشعبية’.
ما هي مصادر تمويل حملات تحسين الصورة؟
اما محمود سلطان فنقرأ له في المصريون مقالا بعنوان ‘المال العربي في لعبة الصراع على الشرعية’:
‘تعاقدت سلطة ما بعد 3 يوليو، مع شركة ‘غلوفر بارك غروب’ الأمريكية، لتحسين صورة ‘السلطة’ في عيون صناع القرار في أمريكا.. والعقد قيمته 250 ألف دولار شهريا.. وبالتالي فإن الحكومة الحالية، ستسدد فاتورة الدعاية تلك من خزينة الدولة.. هذا بات معروفا.. ولكن الذي لا نعرفه هو الطرف الذي تكفل بدفع فواتير سفر ما يسمى بـ’وفد الدبلوماسية الشعبية’ الذي يجوب أوروبا وأمريكا حاليا، وما إذا كانت الحكومة، أم ‘تبرعات’ المحسنين وفاعلي الخير ومحبي وعشاق الرئيس المؤقت عدلي منصور؟
في الداخل.. نقرأ في الإعلام ، إن مصر ‘زي الفل’ وانها قهرت الجميع، والكل أتاها ‘معتذرا’ عن سوء فهمه لما حدث يوم 3 يوليو، وأنها باتت قبلة المعجبين بخارطة المستقبل.. في حين تُرسل الوفود وتتعاقد مع الشركات الأجنبية، من أجل ‘تحسين’ الصورة.. وتغيير ما استقر في الضمير الدولي، من انطباعات بشأن ما جرى في مصر، منذ عزل الرئيس السابق محمد مرسي؟ الإخوان ـ كذلك ـ بالتوازي، ترسل الوفود الإخوانية، إلى ذات العواصم الغربية التي توجد فيها الوفود ‘الشعبية’ المدافعة عن السلطة.. وفي حين لم تفصح الحكومة المصرية عن مصادر تمويل حملتها الدعائية في الغرب، وما إذا كانت مستقطعة من ‘المساعدات’ العربية.. أم من ‘اللحم الحي’ في بلد بات لا يجد ما يسدد به رواتب موظفي الدولة.. فإن الجماعة ـ كذلك ـ لا يعرف أحد من أين تأتي بكل أموالها التي تنفقها على حملتها الدعائية في أوروبا.. سواء من خلال الوفود أو من خلال نشر الإعلانات في الصحف الغربية الكبرى، مثل الغارديان البريطانية و’الفرانكفوتر’ الألمانية.. فضلا عن تلك التي رفضت نشرها، مثل ‘الفايننشال’ البريطانية. ويبدو لي أنه ليس ثمة فارق كبير بين الطرفين: فالحكومة تقف وراءها قوى مالية ونفطية عربية مؤثرة.. والجماعة يقف وراءها تنظيم دولي يمتلك أذرعا إعلامية ومالية يعدل ميزانية أية دولة عربية .. واستنادا إلى تلك القراءة، وفي غياب الشفافية فإن كل شيء يمسي متوقعا، حال سألنا عن مصادر تمويل تلك الحملات في العواصم الهوليودية.. وهي مسألة لا يمكن أن تكون مريحة إذا وضعنا أمام سؤال ‘الاستقلال الوطني’ و’السيادة الوطنية’.. إذ يظل دخول المال الأجنبي ـ حتى لو كان عربيا ـ في لعبة الصراع على الشرعية في مصر، سواء من قبل السلطة أو من قبل الأخوان، تدخلا ‘مهينا’ لدولة كبيرة في حجم ووزن مصر.. خاصة أن تلك الأموال لا يجري توجيها صوب أي مشروع تنموي وطني.. وإنما تتدفق لتسخين الاحتراب الأهلي الداخلي بين قوتين تتصارعان من أجل الاستحواذ على السلطة.. ما يعني أن عرش مصر، لن تقرره الإرادة الشعبية.. وإنما الأموال العابرة للحدود والمعبرة عن مشاريع إقليمية توسعية واستيلائية .. تستهدف الاستيلاء على العقل المصري.. وتحويله إلى أداة بطش في يد دول أو تنظيمات وجماعات مصالح ومافيات دولية’.