بغداد ـ «القدس العربي»: بدأت قوات الأمن العراقية بـ«تحرك جاد» للقبض على تجار المخدرات وعصابات الإتجار بالبشر وأصحاب صالات القمار والنوادي الليلية وشبكات الدعارة، تزامناً مع حادثة هرب 15 موقوفاً، مطلع الأسبوع الجاري، من أحد مراكز الاعتقال شرقي العاصمة بغداد.
أبرز الشبكات التي أطاحت بها قوة أمنية مشتركة (أمن الحشد الشعبي، وجهاز الأمن الوطني) تعود لرجل يدعى «حجي حمّزة الشمري»، الذي يُعرف بأنه «عرّاب» النوادي الليلية وصالات القمار (الروليت)، بالإضافة إلى امتهانه وأقاربه تجارة المخدرات.
ويدير الشمري وأقاربه شبكة واسعة من النوادي الليلية في العاصمة بغداد، تُدرُ عليه نحو «مليون دولار يومياً»، وفقاً لمصادر مقرّبة منه.
وطبقاً للمصادر، فإن قوة أمنية خاصة داهمت أحد النوادي الليلية التابعة للشمري، والواقعة في فندق «المرديان» وسط العاصمة بغداد، وقامت بتفتيش المكان.
ويروي مصدر يعمل في أحد النوادي الليلية التابعة للشمري، لـ«القدس العربي»، تفصيلات ما جرى قائلاً: «في تمام الساعة الواحدة و15 دقيقة بعد منتصف ليلة الثلاثاء الماضي (11:15 GMT)، تفاجأنا بدخول قوة أمنية خاصة، ترتدي الزي العسكري الأسود، ويبدو إنها تابعة لرئاسة الوزراء، حسب الشعار المثبّت في البدلات»، مبيناً إن «القوة كان يرشدها مصدر (ملثّم) يعرف كل تفصيلات المكان، ويعرفنا نحن العاملين بالأسماء».
وأضاف المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، إن «القوة كانت توثق عملية المداهمة بكاميرا فيديو، وقالوا لنا بأن لا نقلق، وإنهم هنا للبحث عن شخص مطلوب (حجي حمزة الشمري)»، موضحاً إن «القوة قامت بنفتيش المكان، وطلبوا حضور مدير الصالة، قبل أن يأخذوه معهم».
صالة خاصة بالروليت
ومضى إلى القول: «القوة فتشت أيضاً جميع النوادي والصالات التي تعود للشمري (3 نواد ليلية) في الفندق، بالإضافة إلى صالة خاصة للروليت»، لافتاً إلى إن القوة «كانت تبحث أيضاً عن أولاد الشمري (اثنان) وأخوه».
وطبقاً للمصدر فإن «القوة قامت بفتح جميع الخزائن في النوادي التابعة للشمري، وقاموا بتفتيشها من دون أخذ أي شيء منها، باستثناء إحدى الخزائن التي لم يتمكنوا من فتحها فأخذوها معهم»، مشيراً إلى إن «العملية استمرت حتى الساعة الثالثة فجراً، قبل أن يخبروننا بإمكانية الخروج من النادي».
وحسب المصدر فإن «الشمري كان موجوداً في الخارج، وهم مكبّل اليدين ومعصوب العينين في سيارة نوع (بيك أب) تابعة للقوة المُداهمة، قبل أن يتم اعتقال ابنه عمر وشقيقه قاسم، فيما لاذ ابنه الثاني (حمودي) بالهرب، وما يزال هارباً حتى الآن (وقت إعداد التقرير)».
ونقل المصدر عن معلومات استقاها من العاملين معه تفيد بأن «القوة الأمنية جاءت إلى النادي وكانت قد ألقت القبض على الشمري في أثناء مداهمتها لشركته (الأمنية) الواقعة قرب المسرح الوطني في منطقة الكرادة في بغداد»، منوهاً بأنه «في اليوم التالي داهمت القوات مزرعة الشمري في منطقة الزعفرانية، جنوب العاصمة».
وأكمل: «إن المعلومات تشير إلى العثور على أسلحة ومواد مخدرة (كوكايين وكريستال) في المزرعة والشركة التابعتين للشمري، فضلاً عن كميات من الأسلحة»، مبيناً إن «كل ناد من الأندية الليلية الثلاثة التابعة للشمري، يُدر يومياً ما بين 10 إلى 20 ألف دولار يومياً، باستثناء صالة الروليت التي يجني منها (الحجي) مبالغ كبيرة جداً».
وأكد إن «الشمري لديه نفوذ كبير في الدولة، ويتمتع بعلاقات مع شخصيات رفيعة المستوى (سياسية وأمنية)»، مبيناً إن «الأنباء تشير إلى إن (حجي حمّزة) ما يزال رهن الاعتقال، لكن مكان اعتقاله مجهول».
وختم المصدر حديثه بالقول: «(الحجي) يسيطر على جميع النوادي الليلية ـ خصوصاً الراقية منها – وعلى المطربين الذين يعملون فيها، بالإضافة إلى الراقصات وشبكات الدعارة في العاصمة بغداد».
وتعدّ مشاركة قوات «أمن الحشد» في مداهمة منزل وأماكن تواجد «الشمري»، المهمة الأولى التي تضطلع بها هذه القوات تجاه الجريمة المنظمة، رغم تخصصها في مراقبة سلوكيات عناصر وقادة «الحشد»، لكن يبدو إن إدارة فالح الفياض لهيئة الحشد الشعبي ومستشارية الأمن الوطني، وراء قرار إشراك القوتين معاً في العملية.
وأصدرت مديرية أمن الحشد الشعبي، الاثنين الماضي، بيانا بشأن تنفيذ ما وصفته «أكبر حملة» في تاريخ العراق لملاحقة «مافيات» الروليت وصالات القمار وتجار المخدرات وبيع وشراء النساء.
وأضاف البيان: «بتوجيه من رئيس الوزراء لرئاسة هيئة الحشد الشعبي، نفذت مديرية أمن الحشد الشعبي الحملة الأكبر في تاريخ العراق لملاحقة مافيات الروليت وصالات القمار وتجار المخدرات وبيع وشراء النساء».
أرباحه تُقدّر بمليون دولار يومياً… ونفوذه يمتدّ لشخصيات رفيعة في الدولة
وأشار إلى إن «أمن الحشد الشعبي نفذ العملية النوعية التي أسفرت عن إلقاء القبض على المدعو حجي حمزة الشمري، زعيم المافيا الأكبر في العراق والمسيطرة على جميع أماكن لعب القمار والدعارة وتجارة المخدرات»، لافتاً إلى «اعتقال 25 آخرين من اتباعه ومسؤوليه الذين كانوا يدعون انتماءهم للحشد الشعبي ويمتلكون هويات مزورة، والذين فتكوا ببعض الشباب العراقي من خلال توريطهم بتعاطي المخدرات وزجهم في صالات القمار من أجل كسب ملايين الدولارات يوميا».
وطبقاً للبيان فإنه «ومن خلال الحملة تمت مصادرة عدد كبير من آلات القمار والمواد المخدرة وبعض المقتنيات، وجاء ذلك وفق مذكرات قضائية أصولية».
وأكمل: «بعد تنفيذ العملية النوعية بنجاح، تم تسليم المطلوبين مع ما تمت مصادرته من مواد مخدرة إلى الأمن الوطني من أجل التحقيق معهم وعرضهم على القضاء لينالوا جزاءهم العادل».
وعلى إثر ذلك أكدت حركة بابليون أن «أمن الحشد الشعبي» نجح في تحقيق مهمته بملاحقة عصابات المخدرات وتجار النساء وغسيل الأموال، وأنه لقن هذه العصابات درسا قاسيا.
وقال الأمين العام لكتلة بابليون النيابية ريان الكلداني في بيان إن «أمن الحشد الشعبي صمام أمان واطمئنان»، مبينا أن «أمن الحشد ومديره الحاج أبو زينب اللامي أثبت بأنه الوجه المشرق للحشد الشعبي والمدافع عن إنجازاته وتضحياته في مواجهة المندسين والمستهترين وسارقي انتصارات وتضحيات الأبطال».
وأضاف أنه «بعد إسناد ملاحقة عصابات المخدرات وتجار النساء وغسيل الأموال من قبل رئيس الوزراء ورئيس هيئة الحشد فالح الفياض والإشراف القضائي لأمن الحشد وعمليات جهاز الأمن الوطني، استطاع أبطال أمن الحشد من تحقيق مهمتهم بنجاح باهر».
وتابع أنهم «لقنوا هذه العصابات درساً قاسياً بعدما راهنت على إغراء بعض ضعاف النفوس من المرتشين والفاسدين في حمايتها وتسريب معلومات المداهمات إليها قبل حصولها».
تحقيق سري
ووصف رئيس المجلس الأعلى الإسلامي همام حمودي، العمليات التي نفذها أمن الحشد الشعبي في مداهمة صالات القمار وأوكار تجارة البشر والمخدرات بأنها «قرار شجاع» من لدن رئيس الوزراء بمنح الحشد دور حماية الأمن المجتمعي.
وقال في بيان، «ندعم بقوة العمليات التي ينفذها أمن الحشد الشعبي، في تجفيف منابع مافيات غسيل الأموال، وأوكار عصابات المتاجرة بالبشر والمخدرات، ونعدها قرارا شجاعا من لدن رئيس الوزراء بمنح الحشد الشعبي دور حماية الأمن المجتمعي وشبابنا ممن يستهدف قيمهم وتدمير مستقبلهم، وهدم المجتمع العراقي».
وشدد حمودي على أمن الحشد «بضرورة التعامل بحزم كبير مع كل من ينتحل صفة الحشد للإساءة إليه وإلى تضحياته وانتصاراته وشهدائه»، مثمنا «ما يقوم به الحشد ما بعد الانتصار من أدوار داعمة لأمن الدولة والمشاريع الخدمية، وفي مواجهة الازمات».
في الأثناء، وصف الخبير القانوني المخضرم طارق حرب، الأرباح التي تدرها صالات القمار وتجارة المخدرات والدعارة يفوق ما تأمل الحكومة الاتحادية حصوله من نفط إقليم كردستان.
وقال في منشور على صفحته على مواقع التواصل الاجتماعي، إنه «التحقيق بدعوى (حجي حمزة) لا يزال سرياً ولم ترفع السرية عنه لحد الآن، طبقاً لأحكام قانون الأصول الجزائية الذي أجاز سرية التحقيق لفترة محددة وليس مطلقة».
وأضاف أن «السؤال المهم هو هل بدأت حرب المافيات والتصفيات بين المتصدرين والمتنافسين على احتكار هذه التجارة، ولمن ستكون من هؤلاء خلافة (حجي حمزه) في قيادة هذه التجارة التي أرباحها وما يتحقق منها يوازي أو يفوق ما تأمل الحكومة الاتحادية حصوله من تصدير نفط كردستان بالرقم الوارد في قانون موازنة 2019 «.
لاس فيغاس
وتابع حرب قائلا: «روى لنا أحد المختصين ممن خبروا المنطقة ذات العلاقة المحصورة بين الباب الشرقي وساحة الطيران شمالاً وبدايات الكرادة والعلوية جنوباً حيث تعتبر هذه المنطقة بما تضمها من الفنادق وشارع أبو نواس وشارع السعدون (لاس فيغاس) بغداد». وتتزامن عملية القبض على «عرّاب» النوادي الليلية وصالات القمار وتجارة المخدرات في العاصمة بغداد، مع حادثة هرب 15 موقوفاً من سجن القناة الواقع شرقي العاصمة، وسط حديث عن احتمال هرب (حجي حمزة) من السجن.
لكن قيادة شرطة بغداد «نفت»، أمس الأربعاء، وجود أي صلة بين المعتقلين الهاربين من سجن القناة شرقي بغداد، وبين المعتقلين بعملية الحشد الشعبي ضد نوادي القمار في بغداد.
وذكرت القيادة في بيان لها إن «ما يخص موضوع خروج الموقوفين من موقف مركز القناة، فهم ليسوا أنفسهم الذين تم إلقاء القبض عليهم في صالات القمار والروليت، كما قالت إحدى القنوات الفضائية».
وأعلنت وزارة الداخلية، آخر تطورات قضية هروب تجار المخدرات من سجن مركز شرطة القناة، شرقي العاصمة قبل 6 أيام.
وقالت في بيان أمس الأربعاء، إن «فرقة مشكلة من وزير الداخلية ياسين الياسري تمكنت من اعتقال أحد المتهمين الهاربين من سجن القناة».
وأضافت، أن «الجهود ما زالت مستمرة لإلقاء القبض على الهاربين الآخرين»، مبينةً أن «العدد المتبقي من الهاربين هو ستة فقط». الأمر الذي يشير إلى اعتقال 9 هاربين حتى الآن. وهرب 15 سجيناً يوم السبت الماضي (3 آب/ أغسطس 2019)، من سجن القناة في بغداد، في أحداث غامضة لم تكشف عنها الوزارة إلى الآن.
وأعقبت عملية الهروب إجراءات مشددة من وزير الداخلية تمثلت بإقالة مدير شرطة بغداد وإعفائه من الخدمة، كما أعفت مسؤولين آخرين.
وأعلنت محكمة التحقيق المختصة إصدار أوامر بمداهمة وغلق عدد من مراكز المساج، التي غالباً ما تعدّ واجهة لممارسة البغاء.
وحسب إحصائية النصف الأول من العام الجاري فإن «المحكمة أصدرت العديد من القرارات القاضية بغلق المحال والمراكز المخالفة للقانون في بغداد، بضمنها غلق (43) مركز مساج بعد التأكد من مخالفتها الإجراءات القانونية وعدم امتلاكها إجازة لمزاولة هذه المهنة».