اغتيال الظواهري ومصير منظمة «القاعدة»

حجم الخط
2

قد تعلن منظمة القاعدة، في الفترة القادمة، عن خليفة لزعيمها المقتول في نوع من الروتين الذي يصعب التخلي عنه، لكن ذلك لن يغطي على حقيقة أن المنظمة الجهادية قد فقدت وهجها القديم منذ سنوات، فلا فاعلية تذكّر بوجودها إلا فروعها المنتشرة في بعض الدول كاليمن ومالي والصومال وسوريا، وهي فروع استقلت إلى حد كبير عن المركز وإن لم يصل بها الأمر حد إعلان انشقاقها عنه كحال تنظيم الدولة الإسلامية أو جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام) الناشطة في شمال غرب سوريا.
والحال أن جزءًا مهماً من أفول شمس «القاعدة» يعود إلى تلك الانشقاقات الكبيرة لمجموعات وجدت أرضاً ملائمة لـ«إدارة التوحش» عليها، بل إقامة دولتها كما فعل تنظيم الدولة على أراض عراقية وسورية، وكما يسعى أبو محمد الجولاني لإقامة «كيان سني» في منطقة سيطرته في محافظة إدلب وجوارها.
أما منظمة القاعدة التي بلغت أوج فعاليتها الضاربة في حدث الحادي عشر من أيلول 2001، فقد تعرضت، طوال السنوات اللاحقة، لحروب أنهكتها وشلت فاعليتها، ولم يستطع أيمن الظواهري من ملء الفراغ الذي تركه الزعيم المؤسس أسامة بن لادن، فكثر تذمر بعض الجهاديين من كلمات الظواهري التي وجدوا فيها الكثير من التنظير الفارغ. في حين أن العمل الجهادي هو ما يجري في الميدان بعيداً عن سلطة الظواهري. والسياسة هي ما يشغل بال الجهاديين في مختلف مناطق تواجدهم، وهي تقتضي جهاداً محلياً وليس عالمياً موجهاً للغرب أو «أرض الكفر». حتى العمليات التي ضربت في بعض المدن الأوروبية في السنوات السابقة حملت توقيع «داعش» وليس منظمة القاعدة، وقد توقفت تلك العمليات تماماً منذ انهيار دولة الخلافة.
أما جبهة النصرة فلم تكتف بإعلان انشقاقها عن منظمة القاعدة، بل غيرت الكثير بدءا باسمها وليس انتهاءً بتوجهاتها المحلية الصرفة. فالمنظمة التي يقودها السوري أبو محمد الجولاني ازدادت سوريةً باطراد، وانحصر اهتمامها في محاربة نظام الأسد في البداية، أما بعد «استقرار» الخرائط في سوريا تحت مظلة ثلاثي آستانة، وغياب أي إرادة دولية لحل الصراع في سوريا حلاً سياسياً، فقد اتجهت «الجبهة» للحفاظ على سلطتها في المنطقة التي تسيطر عليها، بعد «تطهيرها» من الفصائل المسلحة الأخرى، ومأسسة تلك السلطة في «حكومة الانقاذ» التابعة لها، وأخيراً العمل على «بناء كيان سني» في تلك المنطقة على ما قال الجولاني خلال فترة عيد الأضحى.

الحركة التي اضطرت للانتظار عشرين عاماً لتعود إلى السلطة في أفغانستان لا تريد لغماً قابلاً للانفجار في حضنها في أي لحظة، فلا غرابة إذا قامت بالتخلص من أيمن الظواهري من غير أن تحمل وزر قتله مباشرةً أو طرده خارج البلاد

القول بنهاية محتملة لمنظمة القاعدة لا يعني اندثار الفكرة الجهادية والتيار الجهادي، بقدر ما يعني نوعاً من «قومنة» جهادية، بمعنى اتباع سياسات محلية وما يتبع ذلك من تنظيمات محلية لها هموم محلية. عودة حركة طالبان في أفغانستان إلى السلطة قد تشكل نقطة الذروة في هذا النزوع إلى المحلية.
صحيح أن الحركة لم تكن يوماً تابعة لمنظمة القاعدة، لكن احتضانها لقادة التنظيم، في 2001، قد أنشأ نوعاً من الرابط بينهما أدى إلى غزو أمريكي أسقط سلطة الحركة واحتلال امتد لعشرين عاماً.
هنا لا بد من النظر إلى عملية الاغتيال بذاتها. كان الظواهري يسكن في حي راقٍ من أحياء العاصمة كابول مخصص للأبنية الحكومية ومساكن قادة الحركة وبعض الأثرياء، حيث التدابير الأمنية مشددة، فلا يمكن دخول «غرباء» إلى الحي إلا تحت رقابة أمنية دقيقة.
في الخامسة من صباح ذلك اليوم خرج الظواهري لبرهة إلى شرفة منزله ربما لتنشق الهواء بعد صلاة الفجر، فعاجله صاروخان من مسيّرة أمريكية قتلتاه على الفور، وقال الأمريكيون إنه لم يسقط قتلى آخرون في هذه العملية.
معنى ذلك أن مكان إقامة الزعيم الجهادي كان تحت مراقبة لصيقة من الأمريكيين أو من أدوات محلية مكلفة بإخبارهم ما أن تسنح فرصة لاغتياله عن بعد، بدون الاضطرار إلى تنفيذ إنزال مظلي كما حدث سابقاً في اغتال قادة «داعش» أو غيرهم من الجهاديين في سوريا.
حين نقول «أدوات محلية» ينطرح سؤال لا يخلو من وجاهة: ترى هل باعت حركة طالبان أيمن الظواهري الذي بات عبئا عليها يحسن التخلص منه؟
ألا تتضمن اتفاقية الدوحة بين الحركة والأمريكيين ألا تؤوي الحركة منظمات إرهابية تستهدف أمن الولايات المتحدة؟ الحركة التي اضطرت للانتظار عشرين عاماً لتعود إلى السلطة في أفغانستان لا تريد لغماً قابلاً للانفجار في حضنها في أي لحظة، فلا غرابة إذا قامت بالتخلص منه من غير أن تحمل وزر قتله مباشرةً أو طرده خارج البلاد.
يبقى هذا افتراضاً على أي حال، لكن مقتل خليفة بن لادن قبل مضي عام كامل على انسحاب الأمريكيين وعودة طالبان للحكم هو بحد ذاته مؤشر إلى أفول منظمة القاعدة.
في مرحلة سياسية مضطربة انقسم فيها العالم مجدداً بين روسيا والولايات المتحدة، يبدو مصرع الظواهري كحدث عرضي ينتمي إلى زمن مضى.

كاتب سوري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الصيادون في مياه الأزمات:

    وبقيت التنظيمات التابعة للحلف الغربي الروسي تدعم المصالح الصليبية الاستعمارية!

  2. يقول علي محمد:

    لن اتوقف سوى على كلمة واحدة وهي قتل طالبان للظواهري أو كما سميتها التخلص منه ربما لا تعلم أن طالبان قررت الدخول في حرب من أجل عدم تسليم شخص واحد ولم تقبل بذلك رغم كل الضغوط. وهو في أوج نشاطه فكيف تخشى من شخص على حد وصفك كان قاصرا عن ملىء مجرد فراغ!
    وتتسبب في قتله

إشترك في قائمتنا البريدية