اغتيال الهاشمي رسالة إلى الكاظمي

حجم الخط
17

كل الذين أوردوا خبر اغتيال الكاتب والمحلل السياسي العراقي هشام الهاشمي لم يغفلوا عن ذكر صفتين أساسيتين في الرجل، الأولى أنه خبير في الجماعات الدينية المتطرفة والثانية أنه معارض للتيارات والأحزاب الطائفية المختلفة في بلاده لاسيما تلك الموالية لإيران.
الهاشمي، الذي سبق أن زارنا في الدوحة ضيفا على برنامجي الأسبوعي «سيناريوهات»، قُتل مساء الاثنين برصاصات غادرة قرب بيته في حي «الزيتونة» في بغداد لم يكن يخفي انتقاداته الشديدة لهؤلاء وأولئك على حد سواء. كان يُقدم على ذلك برصانة وبالأخص بمعرفة دقيقة للأطروحات النظرية والمرجعيات الفكرية لكلا الجهتين، وهو ما جعله شخصا مطلوبا من وسائل الإعلام ومختلف الدوائر المهتمة لفهم التطورات والأحداث التي تكون فيها هذه الأطراف لاعبا أساسيا.
عندما يُورد خبر اغتيال الهاشمي مقرونا بالمعلومات المشار إليها فذلك يتضمن تلميحا ضمنيا بأنه من المرجح أن من يقف وراء هذا الحدث الذي هز الأوساط العراقية المختلفة، وكذلك الأجنبية وخاصة الدبلوماسية المقيمة في بغداد، هو إما الجهة الأولى أو الثانية.
وفي انتظار أن يماط اللثام بالكامل على ملابسات عملية الاغتيال، كما هو مأمول من لجنة التحقيق التي أمر بتشكيلها رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الذي يمثل ما جرى تحديا كبيرا لسلطته في بدايتها، فإن أغلب ما كتب إلى حد الآن في وسائل الإعلام العراقية يشير إلى عنصرين بالغي الأهمية:
الأول أن لا أحد، إلى حد الآن على الأقل، توقف بشكل جدي عند امكانية أن يكون تنظيم «الدولة الإسلامية» هو المسؤول عن الاغتيال رغم شدة انتقادات الراحل له، وذلك ليس فقط لما أصاب «داعش» من وهن كبير في الفترة الماضية، وإنما أيضا إلى أن المنطقة التي جرى فيها الاغتيال يُصعب كثيرا أن تتحرك فيها عناصره للتخطيط والتنفيذ نظرا للبيئة السياسية والأمنية المعادية له هناك.

الهاشمي وقف بقوة إلى جانب الانتفاضة الشعبية التي انطلقت في العراق مطلع تشرين الأول/أكتوبر الماضي للمطالبة بإصلاح شامل للنظام السياسي والتنديد بخضوع الحكومة العراقية للسياسات الإيرانية

الثاني، وهو يقترب من الإشارة بإصبع الاتهام إلى جهة محددة، هو انتقادات الراحل الشديدة للأطراف السياسية والعسكرية المحسوبة على طهران. لم ينس كثيرون التذكير بأن الهاشمي وقف بقوة إلى جانب الانتفاضة الشعبية التي انطلقت في العراق مطلع تشرين الأول/أكتوبر الماضي للمطالبة بإصلاح شامل للنظام السياسي والتنديد بخضوع الحكومة العراقية للسياسات الإيرانية سواء على الصعيد الداخلي البحت أو في المنطقة. وخلال تلك الاحتجاجات اغتيل عدد من الناشطين أمام منازلهم بأيدي مسلحين مجهولين لم يقع العثور عليهم بعد وغالباً ما كانوا يستقلون دراجات نارية، أي بنفس الطريقة التي حدثت في اغتيال الهاشمي.
لم يقف من ألمحوا إلى ذلك عند هذا الحد بل أشاروا كذلك إلى تهديدات بالقتل عبر مواقع أنترنت تلقاها الهاشمي وزهاء الثلاثة عشر آخرين، حتى قبل التحركات الاحتجاجية الأخيرة للشارع العراقي، من قبل الجماعات المعروفة بولائها لإيران متهمين إياهم بأنهم «عملاء» و«خونة الوطن» و«حلفاء لإسرائيل وأمريكا». وهنا لم يقع إغفال أن الهاشمي، وفي المقابلة التلفزيونية التي سبقت اغتياله مباشرة، ندد بما سماه «خلايا الكاتيوشا المستمرة في خرق القانون» وذلك في سياق ما دأب عليه في كل مشاركاته الإعلامية الأخيرة من ضرورة ضبط سلاح الميليشيات المنفلت والتأكيد على سيادة الدولة وأجهزتها الرسمية وحدها.
وإذا أخذنا في الاعتبار أن مثل هذا التوجه هو ذاته الذي يبدو أن رئيس الوزراء الجديد يروم السير فيه بحزم، فإن اغتيال الهاشمي يبدو في أحد أوجهه الهامة رسالة تحذير واضحة للكاظمي من أنه من غير المسموح الاقتراب من مثل هذه الخطوط وبأن تغيير دفة السياسة العراقية الجديدة خارج السياق الإيراني المرغوب لن يمر دون أثمان باهظة.
ما من أحد اتهم بوضوح لا لبس فيه جهة بعينها من بين الموالين لطهران، وهم كثر في العراق بتلوينات سياسية وعسكرية مختلفة، ولكن كان من اللافت ما قاله صحافي عراقي لموقع «الحرة» الأمريكي، طالباً عدم الكشف عن هويته، من أن الهاشمي، أبلغه في حديث هاتفي قبل أقل من أسبوعين فقط، بتلقيه بشكل دوري تهديدات بالقتل، وأن المسؤول الأمني لميليشيا كتائب حزب الله في العراق، أبو علي العسكري، دأب على تهديده، بل وقال له حرفيا في آخر رسالة تهديد عبر الهاتف «سوف أقتلك في منزلك!!». المعلوم أن شخصية أبو علي العسكري غير معروفة حتى الآن، لكن وسائل الإعلام العراقية تتعامل مع حسابه على «تويتر «على أنه المعبّر عن توجهات ومواقف هذه الميليشيا.
لكل هذا، فإن ما حصل للهاشمي من عمل مُدان بكل المقاييس لا يذهب فقط في اتجاه توريط جماعة إيران في العراق، أو جزء منها على الأقل، في التخطيط له وتنفيذه عن سبق إصرار وتوعّد، وإنما يفتح على مجموعة من الأسئلة من بينها ما إذا كان ما كان الاغتيال قد تم بأمر وعلم جهات إيرانية لأنه من المهم الآن معرفة ما إذا كانت الرسالة الموجهة إلى مصطفى الكاظمي، داخلية بحتة أم هي تحذير من طهران. كلاهما خطير لكن الثاني أخطر.

كاتب وإعلامي تونسي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول سامح //الأردن:

    *للأسف بدون تفكيك المليشيات المسلحة
    وحصر السلاح (بيد الدولة) لن ينهض العراق
    ولن يخرج من عنق الزجاجة..
    حسبنا الله ونعم الوكيل.

  2. يقول تامر العربي:

    …انا باعتقادي . اغتيال الهاشمي هي رسالة للدور العربي في العراق وخاصة السعودي منه .فلا مكان في ارض الرافدين سوى لايران

  3. يقول yousif ali:

    عندما تكون سنيا معاضا لايران و تنظيم الدولة معا تصبح هدفا ممتازا لايران و ميليشياتها التي تسيطر عسكريا على بغداد ليتهم تنظيم الدولة بالجريمة على طريقة المالكي في قتل السنة و القاء التهم على المتطرفين السنة لينجوالقاتل الشيعي بفعلته حيث منذ 2003 و الاى الان لم يتهم و يسجن شيعي واحد رغم خسارة السنة لمئات الالاف من الضحايا بتهم الارهاب و الفلول

  4. يقول yousif ali:

    هذا هو الدرس الاخير لسنة العراق حيث لا مكان للسني القوي ذو الارادة النافذة ..بل للسني الطيع الخنوع المدجنوهو جزء من اصل العقيدة الشيعية الطائفية
    ..اذا كان المتهم من الميليشيات الشيعية ..فالكاظمي يمكن ان يكون مقنعا وطنيا للجميع و اذا اتهم تنظيم الدولة (وهو المتوقع ) فليس امام السنة سوى الانفصال باقليم

  5. يقول شعرت بالحزن والصدمه:

    المغدور شخصيه معروفه على المستوى الدولي والاعلامي نعته الحكومات وسفاراتها. السؤال هو:
    ماذا عن المساكين المحرومين الذين لا يعرفهم أحد ـ سوى جيرانهم ـ والذين تختطفهم الملشيات
    السائبه ثم يتم التخلص من جثثهم بطريقه بارعه لا يجيدها غير الملشيات العقائديه/الولائيه!

    أقول جازماً بأن الرقم مئآت الآلاف. هذه هي ايران التي ستحرر لكم فلسطين.

  6. يقول صفي الدين لبات مبارك - موريتانيا:

    رحم الله شهداءالأقلام.

  7. يقول sabih dastbaz:

    قتل في حي الزيونة وليس في حي الزيتونة

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية