اقتتال «النصرة» و«جبهة ثوار سوريا»… تآكل الحلم السوري!

حجم الخط
0

فيما تدور عجلة الحراك السياسي في سوريا، بعد طول توقف وتعسر مخاض إثر انتهاء مؤتمر «جنيف 2»، عبر مبادرة المبعوث الأممي الجديد إلى سوريا «ستيفان دي ميستورا» الداعية إلى وقف إطلاق النار في مناطق بسوريا، وإيصال المساعدات الإنسانية إلى محتاجيها تحت شعار جديد ابتدعه المسؤول الأممي «مناطق مجمدة الصراع»، وبينما تقف المعارضة السياسية السورية مترقبة ما الأيام حبلى به من تطورات سياسية وعسكرية، في ظل الحملة الدولية على ما يسمى تنظيم «الدولة الإسلامية»، يبدو الصراع الذي اندلع بين كل من جبهة النصرة مدعومة بعناصر «فردية» كما قيل، من قبل «تنظيم الدولة»، ومعها تنظيم «جند الأقصى» في مواجهة «جبهة ثوار سوريا»، في مناطق نفوذها بريف إدلب، وحركة «حزم»، ليرسم صفحة جديدة في واقع التشظي العسكري الذي بات واقعاً في مشهد المعارضة السورية.
معارك عنيفة اندلعت بين الفريقين في ريف إدلب انتهت بانسحاب قائد «جبهة ثوار سوريا» جمال معروف إلى منطقة مجهولة بعد السيطرة على معقله في دير سنبل بريف إدلب، وانشقاق العشرات من مجموعته وانضمامها إلى كل من تنظيم جند الأقصى وجبهة النصرة، كما بسط الأخيران سيطرتهما على معظم الريف الإدلبي.
تختلف أسباب إعلان الحرب بين الطرفين وتتباين استناداً إلى البيانات الصادرة عنهما، فجبهة النصرة و»جند الأقصى» أصدرتا بياناً اتهمت فيه قيادة «جبهة ثوار سوريا» بـ «الاعتداء على عوام المسلمين وبعض الفصائل المجاهدة في المنطقة»، وأن «جبهة النصرة جنباً إلى جنب مع المجاهدين من عدة فصائل وأهالي المنطقة قاموا برد عاديته ودفع صياله عن دماء المسلمين وأموالهم».
كما علل الفريق المنتصر وقفه للمعارك بعد وساطة العديد من الفصائل ذات التوجه الإسلامي بالقول: إنه «حفاظاً على خطوط التماس والرباط مع الجيش النصيري، ومخافة تقدمه واستغلاله للوضع الحالي، واستجابة لجهود بعض أهل الخير والفضل في بلاد الشام، والذين توسطوا لوقف القتال الحالي».
بالمقابل، يقول قائد جبهة ثوار سوريا إن جبهة النصرة ومن والاها تريد تصفية حساباتها معه، وإقامة إمارتها الإسلامية الخاصة على غرار «الخلافة» التي أعلنها تنظيم الدولة.
أما «الائتلاف السوري» الممثل السياسي للمعارضة، فقد عبر على لسان ممثله في تركيا عن استيائه مما قامت به جبهة النصرة في ريف إدلب، وقال خالد الخوجة: إن «جبهة النصرة» بدأت تلعب دور ما يسمى تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا، من خلال إزالتها الكتائب المعتدلة، كما اعتبر أن «عمليات التحالف جعلت الجيش الحر الحلقة الأضعف» حسب قوله، موضحاً أن «جبهة النصرة تحاصر مدينة إدلب منذ 3 أشهر، ويمكن لطيران التحالف الدولي استهدافها، إن كان يريد القضاء عليها، ووقف تقدمها إلى المدينة، إلا أنه لم يفعل ذلك».
قد يكون من المستغرب أن تكون جبهة النصرة أكبر متضرر من إعلان «تنظيم الدولة» «الخلافة»، فبدلاً من أن يكون التنظيم سنداً لجبهة النصرة، كان المعول الهدام الذي كاد يطيح بوجود الجبهة. دخلت جبهة النصرة إلى سورية تحت مسمى «جبهة النصرة لجهاد أهل الشام»، وأريد لها أن تكون الوجه الجديد لتنظيم «القاعدة»، من خلال البعد عن الخوض في التفاصيل السياسية.
لكن إعلان البغدادي «الدولة الإسلامية في العراق والشام» وضم «النصرة»، كان العصا التي وضعت في عجلات الجبهة، مما دفعها للتصريح بتبعيتها لـ»القاعدة» الأم على أمل التحرر من التبعية للبغدادي. لكن ذلك الإعلان لم ينفع، وبدأ الشرخ يتسع والجبهة تتفكك، وزاد إعلان البغدادي قيام الخلافة الإسلامية من هذا التفكك في صفوف الجبهة، التي أوشكت على التلاشي أمام انضمام أعضائها لتنظيم الدولة.
لم تجد جبهة النصرة أمام حالة الانشقاقات التي عمت صفوفها وفشلها في مواجهة تنظيم الدولة عسكرياً وإعلامياً سوى الانكفاء والابتعاد عن خطوط التماس مع التنظيم، فانسحبت من الشرق السوري، وقبل ذلك، انسحبت من ريف حلب الشرقي، وأبقت على وجود رمزي في ريف حلب الشمالي، وتركز حضورها في ريف حماة الشرقي وإدلب والقلمون وجنوب سوريا، أي في المناطق البعيدة عن تنظيم الدولة.
ورغم كل ذلك لم تنجح «جبهة النصرة» في استعادة هيبتها وشعبيتها السابقة، ما دفع جبهة النصرة لاختبار إعلان الإمارة، الذي نفته لاحقاً، لكن المتابع يدرك أن إعلان الإمارة الإسلامية (بحسب فهم قادة النصرة) هو الخطوة الصحيحة لسحب الشرعية من البغدادي.
بين «دولة البغدادي» و«إمارة الجولاني» تتآكل الجغرافيا السورية أمام سكانها الهاربين من براميل النظام وسط صمت دولي مطبق، ويتولى قضمها كل من تنظيم الدولة من جهة، وجبهة النصرة من جهة أخرى، خدمة لمشاريع إقامة دول وإمارات إسلامية وفق مفهوم كل من التنظيمين، فيما يبقى الجيش الحر وفصائله المنضوية تحته ضعيفاً مفككاً قليل الحيلة إزاء تصاعد الهجمات عليه من قبل كل الأطراف، وتخاذل المجتمع الدولي عن مده بالسلاح والعتاد اللازم، لتتآكل الجغرافيا السورية ومعها حلم السوريين في بناء دولة لكل أبنائها، بعد التخلص من نظام الاستبداد فيها.

٭ كاتب فلسطيني

هشام منور

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية