غزة – رويترز – الاناضول: رغم الحصار الإسرائيلي لقطاع غزة استطاع رجل الأعمال محمد التلباني صاحب مصنع العودة أحد أكبر مصانع المواد الغذائية في غزة تنمية اعماله لكن أعيته الحيل.
فبعد أن اغلقت الحكومة الجديدة التي يدعمها الجيش في مصر أنفاق التهريب التي كانت متنفسا لغزة، أصبح يخشى لأول مرة أن ينجح الحصار في تضييق الخناق على انشطته ويدفع بموظفيه وعددهم 400 إلى صفوف الفقراء.
وفي الشهر الماضي اضطر لسداد 60 ألف شكل (17 ألف دولار) لشراء وقود من إسرائيل لتشغيل مولداته الأربعة. وذكر أنه توقف عن العمل لمدة 11 يوما لكنه لا يزال يأمل أن يواصل أنشطته.
وتابع ‘نحن نتكبد خسائر فادحة ولكنني لا أريد ولن أقوم باغلاق مصنعي. يجب علي أن أحافظ على زبائني حتى وان أدى ذلك الى أن أضحي بالربح أو اتحمل بعض الخسارة. علينا أن نتشارك الأوقات الجيدة والأوقات الصعبة ونبقى معا’.
وخلال سنوات الحصار الإسرائيلي ركن رجال الاعمال لاقتصاد يقوم على التهريب، لكن بعض الاطاحة بحكومة الاخوان المسلمين في مصر واحكام الحصار على غزة يقول كثيرون في القطاع أن الاوضاع أقسى من اي وقت مضى.
ونتيجة نقص الوقود توقفت محطة الكهرباء الوحيدة في غزة عن امداد نحو نصف السكان بالكهرباء، وأدى عدم انتظام الامدادات البديلة من الشبكة الإسرائيلية لانقطاع الكهرباء لمدة تصل إلى 12 ساعة يوميا.
ويغلف الظلام مدينة غزة اثناء الليل. وتغلق المتاجر أبوابها مبكرا لتوفير استهلاك مولدات الكهرباء.
ويشعر سكان الادوار العليا انهم محاصرون في منازلهم. وفي حين يسمع ازيز مولدات الكهرباء في منازل الاثرياء يغرق الفقراء في سكون ظلام دامس.
ويقول أحمد حامد سائق سيارة اجرة ‘لا يوجد كهرباء ولا أي مصدر للطاقة لتدفئة البيت خلال الشتاء والمطر. نحن نلقي باللوم على الجميع. القادة في غزة وأولئك في الضفة الغربية وحتى على أوباما نفسه وكل من يتفرج علينا ونحن نعاني ولا يفعل شيئا هو شريك في المسؤولية’.
ويقول سكان غزة إن المعاناة الاقتصادية تلقي بظلالها على الحياة في غزة أكثر من الخوف الازلي من الحرب مع إسرائيل. وكانت اخر اشتباكات خطيرة قبل ما يزيد عن عام ويبدو ان الجانبين ملتزمان بالهدنة التي تم التوصل إليها بوساطة الحكومة المصرية وكان يقودها انذاك جماعة الاخوان المسلمين.
ويعتبر الجيش الذي اطاح بالاخوان المسلمين في تموز/يوليو حركة المقاومة الاسلامية (حماس) مصدر تهديد امني. ومنذ ذلك الحين اغلق معظم الانفاق بين سيناء وغزة وعددها نحو 1200 .
وتحقق الهدف المرجو وهو منع وصول الأسلحة ولكن حرمت غزة من سلع أخرى مثل مواد البناء والاهم البنزين المصري الرخيص.
وتقول مخابز ومطاعم وفنادق بل ومزارع إنها ربما تضطر لتقليص أعمالها أو الاستغناء عن عاملين كي تستطيع البقاء ما يعني مزيدا من المعاناة لسكان القطاع حيث تبلغ نسبة البطالة 32 في المئة.
وفقدت حكومة حماس دخلها من الضرائب التي تفرض على التجارة عبر الانفاق وتأخر صرف أجور كثير من الموظفين العموميين في القطاع وعددهم 50 ألفا على مدى الأشهر الثلاثة الماضية.
ولأول مرة منذ عام 1995 الغت حماس الاحتفال بتأسيسها في 14 ديسمبر كانون الأول. وقالت حماس في بيان انها قرارها نابع من ادراكها لمعاناة مواطنيها.
وتقول حماس إنها تبحت عن مصادر دعم اخرى. وقال غازي حمد وكيل وزارة الخارجية في حكومة حماس بغزة ‘نحن لا ندخر جهدا في مساعدة شعبنا وأهلنا للخروج من هذه المحنة. واننا نتحدث مع كل الدول والجهات سعيا في الوصول إلى حل.’
وقال ايضا إن المحادثات تجري مع مصر بشأن أزمة الوقود والكهرباء مضيفا أن غزة تناشد دولا أخرى مثل قطر للحصول على مساعدات.
كما حاولت حماس اصلاح العلاقات مع إيران التي قلصت تمويلها لها بعد ان تخلت الحركة عن مقرها في دمشق ودعمها للرئيس السوري بشار الأسد حليف إيران.
وقال سعيد سمير محمد موظف عام (31 عاما) ‘من الطبيعي أن نطلب من حماس أن تجد حلولا ولكن لن نعفي أحدا من المسؤولية’ مشيرا للسلطة الفلسطينية الحاكمة في الضفة الغربية بل وإسرائيل ايضا.
وقبل اغلاق الانفاق مع مصر كان الاقتصاد الفلسطيني يتجه للتعافي من الدمار الذي خلفته حرب قصيرة في العام الماضي حسب احصاءات محلية ودولية.
وذكر البنك الدولي ان الاقتصاد نما 12 بالمئة في الربع الأول من عام 2013 على عكس اقتصاد الضفة الغربية الذي انكمش 0.6 بالمئة .
ويقول ماهر الطباع الخبير في اقتصاد غزة ‘يوجد فاقد في الناتج المحلى الاجمالي وهو ما يعتبر خسارة لكافة القطاعات الانتاجية حوالى 60 بالمئة أي حوالى 450 مليون دولار خلال 5 شهور نتيجة إغلاق الانفاق.’
وصرح الطباع لرويترز ‘بكلمات مختصرة فإن الأشغال في غزة في حالة انهيار بسبب الحصار وبسبب أزمة الوقود والكهرباء’ وتوقع أن ترتفع نسبة البطالة في الربع الأخير من العام إلى 38 بالمئة.
وتباطأ قطاع البناء إثر اغلاق الانفاق ولكنه توقف تماما بعدما منعت إسرائيل توريد مواد البناء عقابا لحماس بعد اكتشاف نفق تحت حدودها في تشرين الأول/اكتوبر.
وفي السوق السوداء ارتفع سعر طن الاسمنت أكثر من سبع مرات منذ حزيران/يونيو ليصل إلى 2900 شيقل (أكثر من 800 دولار) من 400 شيكل.
وتقول حماس إنها تحاول توفير فرص عمل. ويقول بعض ملاك الشركات الخاصة انهم حصلوا على كميات من الوقود من احتياطيات الطوارئ التي تحتفظ بها الحكومة. وتتمركز الشرطة عند محطات الوقود ومستودعات انابيب غاز الطهي فيما وصفته حماس باجراء وقائي لمنع التلاعب في الأسعار وسوء التوزيع.
ورغم المعاناة يتحدى المواطنون الصعاب. ويقول أبو حسن الرجل المسن ‘غزة لن تموت مهما يحدث. في البداية يحاربوننا بالطائرات والدبابات واليوم يحاربوننا بالحصار وقطع الكهرباء’.
يقول اقتصاديون واكاديميون في غزة ان اخراج اقتصاد هذا القطاع الذي يكاد ينهار قد لا تكفيه خمسة مليارات أو حتى سبعة مليارات دولار لكي يستعيد عافيته، ويشفى من آثار ما خلفتّه الأزمات المتتالية، والضربات الموجعة التي تعصف بكافة قطاعاته.
وقدّر اقتصاديون فلسطينيون في أحاديث لوكالة الأناضول فاتورة إنعاش غزة بـ ‘المليارات’، بعد أن توقفت كافة مؤشرات الاقتصاد عن النمو عقب الخسائر اليومية الفادحة في الوقت الراهن.
يقول خبير الاقتصاد الفلسطيني علي أبو شهلا إن إحكام الحصار الاسرائيلي وتشديده، بالتزامن مع اغلاق مصر المحكم للأنفاق، زج بالقطاع إلى مرحلة الانهيار الاقتصادي.
وأضاف أبو شهلا في حديثٍ لمراسلة وكالة انباء الأناضول أن الوضع الاقتصادي بغزة هذه الأيام يعيدها لسنوات ما خلّفته الحربين الأخيرتين (2008/2011) من دمار.
وتابع ‘مؤتمر إعادة إعمار غزة في شرم الشيخ (مصر) في عام 2009 رصد نحو 5 مليارات دولار، واليوم لن يكفي القطاع 5 مليارات أو أكثر، فنحن نتحدث عن دمار كامل للبنية التحتية وتعطل لمئات المصانع، وازدياد مزعج لمعدلات الفقر والبطالة’.
ورأى أبو شهلا أن الأزمة الأخيرة المتمثلة بتوقف محطة توليد الكهرباء الوحيدة في القطاع عن العمل تسببت بانهيار تام في كافة القطاعات الاقتصادية وهو ما انعكس على كل مناحي الحياة، وانعدمت أدنى الخدمات المقدمة للمواطنين.
واقترح خبير الاقتصاد الفلسطيني أن يتم تشكيل لجنة مستقلة تكون مهمتها التنسيق بين حكومتي غزة ورام الله من أجل إغاثة القطاع وإعادة تقديم الخدمات المفقودة لقرابة مليوني مواطن.
وتابع أبو شهلا ‘هناك مأساة كبيرة، وتدهور غير مسبوق لم يعد يجدي معه انتظار إنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة، إذ يجب التدخل بشكل عاجل وفوري لتشكيل لجنة اقتصادية مستقلة تبحث عن حلول تعيد الحياة للغزيين’.
يقول مسؤولون في حركة حماس الحاكمة في القطاع ان حكومة رام الله لم تستجب لطلب إلغاء كافة الضرائب المضافة على الوقود الصناعي الذي تشتريه غزة من اسرائيل، وهو ما عطّل شراء السولار الصناعي الإسرائيلي وأدى لتوقف عمل المحطة بشكل كامل.
ويلزم لتشغيل محطة الكهرباء بغزة نحو 650 ألف لتر يومياً من السولار الصناعي لتعمل بكامل طاقتها، وهو الأمر الذي تعجز المحطة عن توفيره في الوقت الراهن.
ويصل التيار الكهربائي حاليا ست ساعات يوميا لكل بيت حسب جدول تعدّه شركة توزيع الكهرباء معتمدة في ذلك على الخطوط المصرية والإسرائيلية.
وتحذر سلطة الطاقة بغزة من انها ستضطر الى زيادة عدد ساعات قطع التيار الكهربائي في الأيام القليلة القادمة رغم سوء الأحوال الجوية المتوقعة والدخول في فصل الشتاء المصحوب بالعواصف والبرد.
وفي حال تقلص الجدول اليومي للكهرباء فستكون غزة أمام أبواب كارثة حقيقية لن تفك عقدتها مليارات الدولارات كما يؤكد الكاتب الفلسطيني والمحلل الاقتصادي محسن أبو رمضان، والذي أكد في حديثٍ لوكالة الأناضول، أن إغلاق الأنفاق وعدم دخول مواد البناء وكافة مستلزمات الحياة، بالتزامن مع أزمة الكهرباء دفعت باقتصاد القطاع إلى الهاوية.
وأضاف أبو رمضان أن اقتصاد غزة بات على أعتاب انهيار شامل، مع ارتفاع حاد لمعدلات البطالة وصلت لأكثر من 40′ وتجاوزت نسبة الفقر الـ’60”.
وتابع ‘هذه المعدلات هي آنية فقط، وما سيتكشف في قادم الأسابيع هو أخطر وأشد قسوة، فلا إنتاج للمصانع، والحركة التجارية مشلولة، ومواد البناء لا تدخل، وآلاف العمال عاجزين عن استئناف حياتهم كما في السابق، ولن تكفي لا خمسة مليارات ولا حتى سبعة لإنعاش القطاع من جديد’.
وعبر أبو رمضان عن خشيته من عودة الاقتصاد إلى نقطة لا يمكن تجاوز خطورتها، بسبب غياب انعدام التوافق السياسي والاقتصادي بين الأطراف الفلسطينية في وقت تزداد فيه معاناة الغزيين.
وأدى التعليق الإسرائيلي لدخول مواد البناء من معبر كرم أبو سالم إلى توقف 85′ من الصناعات المعتمدة على قطاع الإنشاءات، وتسريح أكثر من 90′ من العمال وفق إحصائية لاتحاد الصناعات الإنشائية.
ويعد قطاع الإنشاءات المشغل الأساسي للعمال في القطاع إذ يصل عدد العاملين فيه إلى أكثر من 23′ من العمالة بغزة.
وانضم ما يزيد عن 35 ألف عامل في مجال البناء وفق إحصائيات لوزارة الاقتصاد المقالة إلى طابور البطالة نتيجة توقف وتعطل المشاريع العمرانية.وتوقف 3900 مصنع بغزة عن العمل، ولا يتم تشغيل سوى 10′ من تلك المصانع وبشكل جزئي وفق تأكيد اتحاد الصناعات الفلسطينية.
من جهته يرى أستاذ الاقتصاد في الجامعة الإسلامية بغزة محمد مقداد أن العجز عن توفير سبل العيش أضعف مقومات الاقتصاد والتنمية. وأضاف مقداد في حديثٍ لوكالة الأناضول ‘أن الوضع المعيشي المتدهور أصلا في غزة سيزداد تدهورا ما يجعل إمكانية الخروج من هذه الدائرة صعبا للغاية’. وتابع ‘هناك انهيار اقتصادي كامل، وإن لم يتم الإسراع في وضع حلول تتجاوز هذه المأساة، فلن يكون هناك فرصة لأية مشاريع تنموية كتحلية المياه، وإعمار البنية التحتية، وتحقيق التنمية الاقتصادية’.
ودعا مقداد حكومة غزة لتشكيل لجنة وطنية مستقلة يكون دورها فتح قنوات اتصال مع مصر من أجل إنقاذ القطاع وإنهاء الحصار الخانق والمستمر منذ سبع سنوات، ومنح الحرية الكاملة لحركة البضائع والأفراد.