ليس ما يعصف بتونس هذه الأيام من إرهاب وما يشغلها من ‘حوار’ متأخر جدا حول بسائط كان من اليسير تأمينها منذ أكثر من عام (لو كان عند القوم حد أدنى من الالتزام الوطني والاحتراف السياسي) بمانع من استئناف السؤال الذي انتهينا إليه الأسبوع الماضي: هل يمكن لتونس أن تبلغ، في العقود الثلاثة المقبلة، من التقدم ولو الدرجة المحدودة التي بلغتها اليونان أو البرتغال؟
ـ سؤال يقع في صميم تحديات البناء الوطني. إذ إن هذا الأفق التاريخي، الذي يبدو شبه مستحيل الآن، قد كان في المتناول قبل نحو ثلاثة عقود. حيث أذكر أن الأستاذ البشير بن يحمد، مؤسس مجلة ‘جون أفريك’، قال في مقابلة مع المذيع الفرنسي الشهير جاك شانسيل أواخر سبعينيات القرن الماضي إنك اذا أردت أن تفهم تونس المعاصرة، فلا بد أن تدرك أنها منخرطة في نسق تحديث شبيه بما تشهده اليونان أو البرتغال. كما أن خبير الاقتصاد الأمريكي مايكل بيور قال لي، أواسط الثمانينيات، إن لدى تونس كل المقومات التي تؤهلها لمجاراة جنوب إيطاليا في الأداء الاقتصادي، نظرا لأن الجانبين متشابهان في كثير من الخصائص.
فأين نحن اليوم من ذلك كله؟ إننا لنعلم ونحزن علم اليقين وحزنه أن مسألة اليونان أو البرتغال هذه (على احتماليتها النظرية) قد صارت بعيدة المنال، ولو بعد أجيال. ذلك أن ما تعلمناه بأصعب الطرق، كما يقول التعبير الإنكليزي، في العامين الماضيين هو أننا قد بددنا عقودا كاملة من عمرنا الوطني في تدمير القليل الذي كنا أنجزناه. فقد انتهت العقود الثلاثة الماضية بتقويض أسس دولة الاستقلال وخسران أهم المكتسبات (أي القيم) وإصابة المجتمع بداء فقد المناعة الروحية. وليس الاستبداد هو السبب الوحيد. فمن الاستبداد ما هو هادف منتج (والأمثلة كثيرة، لعل أبرزها العقود الأولى من عمر الاتحاد السوفييتي). ولكنه كان استبدادا مجانيا لا غاية له، كل همه ومبلغ علمه أن يعض بالنواجذ على رقبة سلطة عقيم. لقد كان استبداد رداءة. استبداد قلة حيلة وانعدام خيال.
نحن اليوم شبه بادئين من الصفر. فقد صرنا مجتمعا خلوا من أهم القيم الفعالة في تحقيق توازن المجتمعات وتقدمها وتضامنها. وليس هذا بكاء على أطلال الأخلاق، وإنما هو تقرير لواقع أبرز سماته انجراف القيم، سواء الأخلاقي منها أم العملي. من ذلك أنه لم يعد للعلم أهمية. فقد صار التعليم مجرد نظام صناعي للإنتاج المكثف في حقل جديد لا عهد للحضارة المعاصرة به: حقل الجهالة المقنّعة (بأقنعة الشهادات).
فما الذي بقي في المتناول؟ بقي الكثير. ولكنّ أشباه الساسة، ولا ساسة، هم أبدا مشغولون ‘بإعادة توضيب المقاعد على سطح تايتانك’ البلاد الغارقة، ولا يزالون يحولون بين المجتمع وبين أن يحزم أمره ويستأنف العمل التحديثي الذي بدأه في العقود الأولى من الاستقلال. ولهذا فأغلب الظن أننا سنبدد عقدا آخر قبل أن نكتشف أننا بمثلما هدرنا مقدرات بلادنا في متاهات ‘اقتصاد يهدم الإنتاج’ (حسب عبارة محمود درويش)، فإننا قد انخرطنا منذ أكتوبر 2011 في أباطيل سياسة تهدم الوطن.
أخيرا وضعت يدك على الجرك يا مالك التريكي
الأمة لا يمكن بنائها على ثقافة الـ أنا
الأمة يعتمد بنائها على ثقافة الـ نحن
السلام عليكم
التغيير في العراق – ولومن خلال أحتلال أعظم دولة في العالم في القرن الحادي والعشرين – سبق التغيير الذي جاء لتونس ومصر وليبيا (والذي ما يزال محتدم في سوريا) بثمانية أعوام…أي أن التجربة العراقية بهذا المفهوم أكبر سناً و أخبر تجربة ومع ذلك فأننا في العراق ما نزال لم نضع أقدامنا على طريق الحرية و الديقراطية وحكم القانون وحقوق الانسان بمعانيها وممارساتها الحقيقية
أنت أستشهت بمقولة المغفور له الشاعر المستبصر محمود درويش و أنا أقابلك بقصيدة كاملة لعبقري زمانه بدر شاكر السيّاب (عليه رحمة الله) أسمها: قافلة الضياع.