تلقيت رسالة من الأخ الأستاذ أحمد العلاونة، الأديب الموسوعي المعروف، وجاء فيها ما يلي حرفيا: «من عجائب الصدف أني اطلعت على بعض أعداد مجلة «هدي الإسلام» التي تصدرها وزارة الأوقاف الأردنية، فإذا فيها بعض مقالاتك (في السبعينيات الميلادية)».
ورجوته أن يرسل لي نسخة عنها إذا أمكن، وظننت أن بينها ما سبق وكتبته بعنوان «صلاة فوق سهول القمر» حيث لم أجد في قدرة الإنسان على الوصول إلى القمر ما لا يدعو رائد الفضاء إلى الصلاة هناك!
لكنني وجدت أنها مقالات أخرى نقلتها «مجلة إسلامية علمية أدبية» اسمها «هدي الإسلام» يصدرها «مجلس الأوقاف الإسلامية» والمحرر المسؤول عز الدين الخطيب «مفتش الوعظ والإرشاد». سرني ذلك وأحزنني في آن.
كان أبي حيا ولم يدر!
أحزنني أن والدي رحمه الله كان حيا يوم تكرمت مجلة «هدي الإسلام» بنقل بعض ما نشرته يومــــئذ في أحـــد المنابـــر اللبـــنانية واسعة الانتشار ولم يطلع والدي على أن «هدي الإسلام» أعادت نشرها، وكان ذلك سيسره، فقد كان أبي رجلا محافظا متدينا.
تأسست «كلية الشريعة» في جامعة دمشق في عهده حين كان رئيسا لها، ولعل د. مطاع صفدي أبدع في وصفه يومئذ أبي بقوله: «غادة ابنة رجل محافظ ولكنها استطاعت أن تحمل والدها الوزير، رئيس جامعة دمشق، إلى الوقوف بجانبها ضد كل الحملات التي تعرضت لها».
ومن تلك الحملات في بداياتي الكتابية صدور منشور ضدي يقف خلفه أحد أشهر (مشايخ) سوريا المتزمتين يومئذ، حيث أصدر منشورا يبيح دمي!
أبي كان حيا حين أعيد نشر مقالين لي في «هدي الإسلام» وكان ذلك سيفرحه.. وفات الأوان الآن..
وثمة أمر عام يقلقني، وهو أن الإسلام ليس التزمت ولا إذلال المرأة وقتل الناس وطعنهم في الشوارع ودهسهم على الأرصفة، والأذى العشوائي تحت ستار الدين، ما يزيد في تأجج «الإسلاموفوبيا» الغربية.
الاستعباد المهيمن باسم الدين!
من منطقة حربية عربية من تلك التي سيطر عليها داعش بفخر، هالني أن أرى في الصحف صور ملصقاتهم، وإذا بها في معظمها (منشغلة) بجسد المرأة لا بجسد الأرض المغتصبة في فلسطين وجامعها «الأقصى» المنهتك و«قبة الصخرة» وسواهما.. تلك الملصقات التي شاهدت صورها في الصحف تتحدث عن «صفات الحجاب الشرعي» في ثمان قواعد للسلوك!!.. ففي (أوامرهم) لثياب المرأة مثلا: أن يكون فضفاضا واسعا غير ضيق، ألا يشبه ملابس الرجال، ألا يشبه ملابس الكافرات…!
أنا التي لم يعد ثمة ما يدهشها في هذا الكوكب الذي فقد رشده في بعض أقطارنا العربية.. ذهلت!
أين فلسطين من هذه الثرثرة التي تتضمن اعتداء على حرية مواطنة أخرى تساويهم في الحقوق وحرية الاختيار؟
ذات يوم، رضينا بالتغاضي عن بعض الاعتداء على الحرية الفردية للإنسان العربي مقابل مزاعم صدقناها من الحاكم الظالم هنا وهناك، وهي ذريعة تحرير فلسطين..
وانتهى بنا الأمر اليوم إلى تحرير المرأة من ملابس لا تروق للبعض، ويحاولون عبرها تقييد شهواتهم (أم المزيد من استفزازها…؟)
باختصار، حربكم ليست على «أجساد النساء»، بل على «جسد الأرض المحتلة»، ونرجوكم.. استعرضوا رجولتكم هناك!
لكل فعل ردة فعل مشابهة!
معظم المسلمين جرحهم ذبح ذلك الكاهن المسيحي في كنيسته الفرنسية أثناء عظة يوم الأحد بذريعة متأسلمة مع صيحة «الله أكبر» التي صارت مقترنة بالأذى والعنف بدلا من الإسلام الحقيقي المتسامح، وهذه الحكاية غيض من فيض؛ فقد ارتبطت صورة الإسلام مؤخرا في الغرب ـ للأسف الشديد ـ بالتوحش وقطع الرؤوس تحت الكاميرات التي (تخلد!) تلك الهمجية واغتصاب النساء (الكافرات) وممارسة فنون التعذيب وإطلاق الرصاص على الناس. كالساهرين في مسرح «البتاكلان» مثلا في باريس وبين أولئك (القتلة) تحت راية الإسلام، هناك من يتوهم حقا أنه يقوم بخدمة الدين الإسلامي! وهكذا جاءت في السنوات الأخيرة ردة فعل مشابهة عنيفة ضد المسلمين، ردة فعل عمياء كما كان يفعل (المتأسلم).
المنقبات و«لصوص البنوك»!
القتل العشوائي الذي مارسه بعض (المتأسلمين) تحت راية الدين أفرز ردود فعل مشابهة العنف واللاعقلانية، تحت راية «الإسلاموفوبيا». وها هي شبكات إجرامية أوروبية من إفراز اليمين المتطرف تخطط لعمليات إجرامية ضد نساء محجبات وشخصيات إسلامية، وها هو وزير خارجية بريطانيا السابق بوريس جونسون يشبه المنقبات بـ«صناديق البريد» و«باللصوص الذين يغطون وجوههم». وسواء استجاب الوزير للنداءات له للاعتذار أو لم يستجب فإن (الإسلاموفوبيا) صارت حقيقة يومية لا يمكن إنكارها كردة فعل على جرائم متوحشة قام بعض (المتأسلمين) باقترافها وحرصوا على تصويرها بالفيديو، ولم يخطر ببالهم أنهم يؤججون الخلط بين الإسلام والإجرام، ما صار للأسف الشديد شائعا. ومن ثم لم يدهشني الهجوم على مسجدين في مدينة برمنجهام البريطانية أثناء صلاة العشاء وبماذا؟ بالمنجنيق!
ولم تدهشني زيادة الاعتداءات على المحجبات في مترو ضواحي باريس في اعتداء على (الأقليات)، وهكذا جاءت منظمة «اقتل مسلما» كنتيجة حتمية لممارسة بعض (المتأسلمين) للقتل الاستعراضي للضحايا على الشواطئ بعد (إلباس) القادم على الموت ذبحا ثيابا مسرحية، وعملية الذبح تلك تثير اشمئزاز المسلم قبل أهل الأديان الأخرى، فالإعدام على الهوية ليس من شيم الدين الإسلامي الحنيف.
أما شعار «اقتل مسلما» الذي تبنته بعض الفئات من أهل «الإسلاموفوبيا» فمحزن لكل مسلم بقدر حزنه على القتل الإجرامي المتأسلم تحت شعار صيحة «الله أكبر»! وببساطة: لا مفر من إلغاء (الدمج) بين الإسلام الحنيف والإجرام. ولكن كيف؟
الصحيح أن المقالين نشرا عام 1964 وقد أرسلتهما للأديبة الكبيرة السيدة غادة، وما ذكرته لها أنهما في السبعينات فخطأ مني. وتحية طيبة مباركة طيبة لأديبتنا الكبيرة غادة.