اكسبو 2020: منشط واعد لمنطقة مرهقة

تمثل استضافة معرض إكسبو إحدى أبرز الأمنيات للدول، فهذا المعرض يمثل في دورته كل خمسة أعوام نقطة التقاء رئيسية للمجتمع الدولي لتبادل الابتكارات ومناقشة أهم قضايا العالم المشتركة، كالاقتصاد العالمي والتنمية المستدامة وتحسين المستوى المعيشي لشعوب العالم. ومنذ دورته الأولى عام 1851 تكمن عظمة منجز استضافة المعرض، في ما يوفره من فرص وظيفية ضخمة قرابة 280 ألف فرصة عمل، وإنعاش اقتصادي وسياحي بارز، ودعم للتحول الاجتماعي والثقافي والاقتصادي للدول التي تحتضنه، مما يترك غالباً أثراً منقطع النظير على مختلف جوانب الإنماء والتطوير لتلك الدول، كما حدث في شنغهاي الصينية عام 2010 عندما تحولت المدينة إلى إحدى أهم المدن الصناعية العالمية بفضله، وأضحت وجهة ثقافية بارزة على إثره، واجتذب معرضها أكثر من 73 مليون شخص خلال ستة أشهر.
يتساءل كثيرون حول ما يمكن أن يوفره معرض كهذا لمدينة دبي ودولة الإمارات التي تنافس للفوز باستضافة المعرض في دورته عام 2020، ومدى استفادة شعب دولة الإمارات وشعوب المنطقة من تنظيم هذا الحدث. كما يشك بعض المراقبين في جديد مختلف تستطيع المدينة توفيره للمشاركين والزوار على حد سواء. إن من المهم استطلاع ما يمكن أن تحققه تلك الاستضافة من أثر على المنطقة كلها، وهي التي تعاني كثيرا من عدم الاستقرار والتوتر السياسي والعسكري. ثم ماذا لو حدث وخسرت دبي شرف الاستضافة لصالح المدن الأخرى المرشحة: إزمير التركية، وأيوتهايا التايلندية، وإيكاتيرنبرغ الروسية، وساوباولو البرازيلية؟ كلها تساؤلات مهمة، وإجاباتها هي التي ستحدد جدارتها بالفوز أو الخسارة، خاصة أن شهراً واحداً يفصل المدن المرشحة عن إعلان النتيجة، وتبدو فيه دبي اليوم الأكثر استعداداً حتى من الناحية التسويقية للحظة التصويت للفائز الذي ستشارك فيه 167 دولة في عضوية المكتب الدولي للمعارض ومقره باريس. ويبدو من المهم أن نعرج على بعض تلك التساؤلات ببضع إجابات تحليلية، قد تساعد المتابعين للحملة من العرب على تفهم مدى الفائدة الذي يعد به فوز دبي بالاستضافة على المنطقة ككل.
بالنظر إلى ملف استضافة دبي للحدث، يُبرز عنوانه ‘تواصل العقول وصنع المستقبل’ رصانة أهداف دبي في منطقة تعج بمخاوف جمة حول مستقبل الشرق الأوسط السياسي والاقتصادي والحضاري، كما يبرز الدعم الدعائي الذي يقدمه بيل غيتس – أثرى أباطرة الاقتصاد العالمي الحديث ومالك شركة ميكروسوفت- جدية الاستعداد الذي يعكسه الملف، وتشيد به عدة أطراف دولية اقتصادية وسياسية.
غيتس يراهن في رسالته الرسمية للملف على قدرة دبي التي تقويها ما حققته في السنوات الماضية من مشاريع تنموية ضخمة تحدت بها العالم. وتعتزم دبي بحسب ملفها الرسمي برهنة شيء لمجتمع دولي ينظر إلى المنطقة على أنها ساحة التحديات الدولية الأكبر والأكثر تعقيداً، كما أن هذا المجتمع كثيراً ما ينظر للإمارات على أنها لاتزال بحاجة لبرهنة كل شيء، والدفع عن نفسها بين الحين والآخر تهما تتعلق بحقوق العمالة وحقوق الإنسان والحقوق المدنية والحريات، وهي الملفات التي لم تمنع مثلا مدينة شنغهاي من الفوز، وهي الواقعة في الصين. ويبدو من الظلم أن يسلم جدلاً أن الإمارات لن تحسن من وضع تلك الملفات، كما حدث في شنغهاي، فرياح التغيير التي تحيط بالإمارات وتمثل قلقا للأنظمة العربية ككل يتوقع أن تدفع بعجلة الإصلاحات والإنماء نحو الأمام بفعل حدث كهذا، خاصة أنها لا تشبه الصين في أي من النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والسكانية.
إن ما يدلل على الفوائد الاجتماعية والاقتصادية للإمارات على إثر استضافتها تلك، وجود التفاف ملحوظ من شعبها حول نظامها السياسي، وما تتمتع به الإمارات بفارق واضح عن معظم جيرانها من استقرار أمني وتطور في البنية التحتية والاقتصادية والتكنولوجية، فهي لا تمثل مركزا إقليميا للأعمال فقط، بل مركزا عالميا لأنشطتها، وهذا يعني أن أي تأثر إيجابي تحظى به سيصب في أسواق المنطقة والعالم ككل.
يرى البعض أن هناك مخاوف من واقع هذا التأثير الكبير الذي يمثله اقتصاد دبي، ويشكل خطرا محتملاً لتداعيات أكبر من إمكانية استيعابه. فقد طرحت وكالة رويترز الإخبارية تقريرا أبرز ‘مخاوف دولية’ من أن تحدث استضافة دبي للمعرض ‘طفرة باهرة يعقبها انهيار مقلق’ على غرار ما شهدته دبي قبل أربع سنوات، وبرر التقرير مخاوفه بحجم الطلب المتوقع ‘الذي قد يدفع المطورين العقاريين فيها لبناء مشروعات أكثر من اللازم تغرق السوق وتخلق فقاعة تضخم بفعل المضاربات’. لكن التقرير أغفل حقيقتين مهمتين، أولاهما أن السوق الدولي ليس على الحال الذي كان عليه عام 2008 عندما حدث الانهيار الاقتصادي الدولي ولعبت أزمة دبي فيه دورا مؤثرا، كما أنه لم يُبرز دور دبي في استيعاب الدرس، وهو ما أظهرته تحركاتها منذ ذلك الحين لتحسين مكانتها الاقتصادية ووضعها الائتماني بشكل لافت، مع وعودها من خلال الملف بالسعي لتلافي المخاطر الاقتصادية المحتملة المترتبة على استضافتها للمعرض واحتوائها، وهو ما لمح إليه حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد في كتاب صدر له أخيرا قال فيه ‘إن تحمل المخاطرة ثم الفشل لا يعد إخفاقاً وإن الإخفاق الحقيقي يتمثل في الخوف من تحمل أي مخاطرة’. من بين جملة المخاطر المحتملة يبرز تكرار ما حدث في هانوفر الألمانية عندما خسرت أكثر من مليار دولار إثر استضافتها للمعرض عام 2000، لكنه احتمال يتضاءل أمام الإنفاق الرأسمالي المتوقع الذي ستتحمله دبي البالغ 6.8 مليار دولار مقارنة بحجم اقتصادها البالغ 90 مليار دولار، مع وجود الدعم اللامحدود الذي تقدمه العاصمة أبوظبي للملف من ناحية السيولة والدعاية.
وجدانيا، فإن من المهم أن تدعم دول وشعوب المنطقة ككل هذه المبادرة الإماراتية، وأن تتجاوز تشنجات الوضع الراهن الذي تؤججه المتغيرات الفاعلة المتداعية للربيع العربي. ليست مبررات الشعور القومي وحدها التي يجب أن تدفعنا إلى التفاؤل خيراً بأثر هذه الاستضافة على الجميع أو على الإمارات فقط، لكنه بصيص الأمل الذي قد يخلقه نصر دولي كهذا لنا، ونحن في خضم الإحباطات التي تحيطنا وتتهددنا، ومدى التهديدات الجمة الواقعة التي تلقي بأثرها على حياة الأفراد قبل مصائر الدول دائما. ذلك أن هناك نظرية ما تقول إن رفرفة جناحي عصفور في هلسنكي قد تدفع بالريح الباردة نحو شواطئ هونولولو، وهو احتمال يستحق أن نحلم به ونسعى إليه، ما دامت الأحلام الأخرى كلها تبدو ثكلى. فإن حدث ولم تهب أي ريح، فمن الجيد معرفة أن العصافير لاتزال ترفرف في السماء.

‘ كاتب واعلامي اماراتي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول abu rashed:

    شكرا للاخ كاتب المقال, دبي مدينة اكثر من رائعة وتستحق كل الاحترام و الاجلال وما فعله الشيخ محمد بن راشد يستحق كل الاحترام و التقدير و الفخر ليس فقط لاهل الامارات ولكن للعرب ككل
    ودبي تسير على خطوات مرسومة وسليمة لان الشيخ محمد مبدع في وضع الاسس و الاستراتيجيات لدبي و لدولة الامارات الحبيبة
    انا مواطن اردني علمة في دبي وابو ظبي حقبة من الزمن وافتخر كعربي بدولة بوزن الامارات الحبيبة
    حمى الله الامارات من كل شر وحفظ الله شعبها وشيوخها لان الطرفين لبلدهم محبون وما يميزهم الانتماء الذي تفتقده الكثير من الدول العربية وخاصة الاردن

  2. يقول فاطمة علي:

    كلنا أمل بفوز دبي ..لأنها تستحق عن جدارة ذلك ..لأنها مدينة لا تشبه المدن الأخرى ..مدينة جميلة بكل معنى الكلمة شكلا و إنسانيا ..قلوب العرب جميعها معلقة بسماع النيتيجة ..إنشالله الفوز لدبي هذه المدينة التي علمتنا السلام و الحب وتقبل الأخر و علمتنا كل ماهو جميل .

  3. يقول فلسطيني:

    نتمنى من قلوبنا الفوز لدبي….. لأنها تستحق

إشترك في قائمتنا البريدية