الأبعاد السياسية للكيماوي الأخير للأسد

حجم الخط
0

رغم كل ما حدث في الغوطة الشرقية والغربية بمحافظة ريف دمشق لا زال هناك من يشكك في أن المعارضة السورية هي من قصفتهما بالأسلحة الكيماوية رغبة من المعارضة في إدانة النظام بشكل مباشر بعد وصول الوفد الأممي المختص بالأسلحة الكيماوية إلى دمشق، في مقابل هذا لم يتوانَ النظام هو الآخر عبر الناطق باسم مؤسسته العسكرية – وللمرات القليلة كبقية دول العالم ـ عن التصريح في هذا الموضوع ونفي مسؤوليته عن الأمر متهماً المعارضة باستخدام الكيماوي ضد المدنيين.
‘لكن كيف يمكن افتراض أن النظام لم يفعل تلك المجزرة المروعة والتي راح ضحيتها أكثر من 1500 شخص وآلاف المصابين عبر استخدام غاز السارين لأول مرة بهذه الكمية في الغوطتين بريف دمشق، ولا يعمد إلى إعلان الحداد مثلاً في البلد، أو وضع شريط أسود على شاشة فضائيته كما عودنا أي بلد أن يفعل بعد كل مصيبة كبيرة تلم بالبلد ما دام يعز على النظام أن أبناءه راحوا ضحية لهجمات المعارضة؟ هذا بصرف النظر عن الفرضية التي تؤدي إلى امتلاك المعارضة لهذا السلاح وألا تلقيه على النظام ورئيسه في عقر دارهم فيما لو تجاوزنا طبعاً كيفية الحصول عليها من قبل المعارضة، وكيفية قيام المعارضة بقصف المنطقة بالغازات السامة بالتزامن مع قصف جوي ومدفعي على المنطقة.
كان للنظام قبل مجزرة الغوطتين عادة في أن يقوم بتفجيرات بالتزامن مع وصول أي وفد حتى في أيام وفد الجامعة العربية أو المبعوث الأممي السابق المستقيل كوفي عنان وذلك في دمشق أو حلب على اعتبار أن الوفد لا بد أن يتأثر بالحدث كونه قريباً منه إلى جانب أن تلك المناطق التي كان يتم فيها التفجير لا تزال تحت سيطرته وبإمكانه تقديم شهود من مخابراته لتلك الوفود يحكون للوفد القصة التي يريدها هو، لكن هذه المرة المنطقة التي تم قصفها بالكيماوي وهي الغوطة الشرقية والغربية بالتزامن مع وصول الوفد الأممي المختص بالأسلحة الكيماوية كانت خارج سيطرة النظام، وهذا ما يحمل الكثير من التأويلات المتعلقة بسياسة النظام إزاء مجزرة الغوطتين.
النظام لا شك يعي تماماً بأنه بقصف الغوطتين بغاز السارين أو الأعصاب أو الأسلحة الكيماوية لن تمكنه من السيطرة عليها فمقاتلو المعارضة لن ينسحبوا منها لأنها باتت شبه خالية من سكانها نتيجة الاشتباكات والقصف المستمر وهذا الأمر يقتضي بأن هناك رسالة سياسية من وراء القصف، لكن ما هي هذه الرسالة؟
الرسالة السياسة التي أراد النظام إيصالها عبر قصف الغوطتين بالغازات السامة بهذا الشكل الكبير ومعرفته بنتائج القصف الذي ستكون ضحاياه بالآلاف كانت لأمريكا وللدول الأوربية التي تصرح بأنها مناصرة للثورة السورية ولإسرائيل بالدرجة الأولى بأنه يملك أسلحة كيماوية وتذكرهم به من جديد كي لا ينشغلوا بحلول أخرى من شأنها أن تعيد التوازن ببينه وبين المعارضة المسلحة بتسليحها مثلاً’قبل أي مؤتمر سلام ربما يضطر النظام فيها للجلوس على طاولة المفاوضات مع المعارضة التي حتى وأن تقدمت على الأرض وأحرزت نتائجاً فأنها لن تمتلك الأسلحة الكيماوية.
ما يدفعنا للمضي في سياق تصور أبعاد سياسية لمجزرة الغوطتين التصريحات التي جاءت بداية على لسان رئيس أركان الجيش الأمريكي مارتن ديمبسي الذي أوضح في وقت سابق من الشهر الحالي أن معلومات استخباراتية أكدت أن النظام يقوم بتأمين أسلحة كيماوية ونقلها من مواقع إلى مواقع أخرى، وهو ما رأى فيه ديمبسي تحركات غريبة تثير القلق من الإعداد لضربة بالكيماوي لا يمكن منعها.
بالإضافة إلى تأكيد وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يعلون عقب مجزرة الغوطتين أنَ نظام الأسد استخدم السلاح الكيماوي أكثر من مرة؛ وهو ما يمكن فهمه بأنه تصريح متمم وداعم للضربات التي كانت إسرائيل تستهدف فيه مراكز الأسلحة الكيميائية في سورية في نفس الوقت الذي كان يصرح فيه مسؤولون إسرائيليون بأن الأسد والإبن هم خير حماة لحدودها الشمالية وكأنهم خير حماة لهذه الحدود بلا أسلحة كيمائية
النظام الذي استخدم غازات الأعصاب والسارين وربما الأسلحة الكيماوية قبلاً و أدين فيها ومن ثم لم يحدث أي إجراء ضده، يعي تماماً بأنه لو قصف كل شبر من سورية ما لم يتأثر به المواطنون الاسرائيليون فلن يحدث أي تحرك ضده أكثر من بيان إدانة ،إلى جانب هذا فلا الغرب يصدق ولا النظام صدق نفسه أو حتى موالوه صدقوه في روايته القائلة باستخدام المعارضة للكيماوي، لكن الدول المدعية بمناصرتها للثورة كانت بحاجة إلى مهرب من الحرج الذي وقعت فيه أمام مجزرة بهذا الحجم ليعتمد تصريحات النظام التي تنفي مسؤولية عنها.
لا شك لو كان القصف بهذه الأسلحة على منطقة حدودية وذهب ضحيتها إسرائيلي أو أردني أو تركي لكانت المعادلة على غير هذا الشكل، وما كانت لتمر بهذه السهولة ولكن دقة النظام في اختيار مناطق غير حدودية توصل بنا إلى نتيجة في أن النظام يعرف أن حياة شخص إسرائيلي ستغير التوازنات الدولية فيما يخص الملف السوري وستقيم الدنيا ولن تقعدها في الوقت الذي تتفق كل القوى الكبرى على حماية إسرائيل إلى الأبد بسوريا مدمرة ولذلك يُمنع أي تدخل أو مساعدة صغيرة إلا بعد غض النظر أمريكياً.
مجزرة الغوطتين بالغازات السامة كما مجازر أخرى مرت في سورية بالقصف أو الغازات السامة بحق مدنيي هذا الشعب ستمر دون محاسبة نظام الأسد لا الآن ولا بعد سقوطه ففي الوقت الذي لا يزال النظام على رأس الحكم هو ينفي هذا المجازر وروسيا تسانده في ذلك والغرب يعرب عن قلقه بدرجات متفاوتة ويدعو إلى محاسبة المرتكب دون تسميته، أما بعد سقوط النظام فلن يحاسب النظام ولا أركانه لأن نهاية الصراع في سوريا ستكون بموت أحد الطرفين دون أي حلول سياسية تسمح بإحالتهم إلى المحاكم لمقاضاتهم.

‘ كاتب سوري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية