عثرت في وثائقي وأنا أرتبها لأرشفتها، على حوار مهم للدكتور إسكندر زيادة، ابن جوزيف زيادة، أجرته معه المجلة النسوية: سيدتي.
وهو حوار مساعد على معرفة بروفايل الأب الذي دمر مي زيادة بلا رحمة، وسرق أموالها ووثائقها الثمينة، أهمها ليالي العصفورية، وهو عبارة عن يوميات كانت تكتبها سراً وقد حكت عنها لأمين الريحاني وكشفت فيها أسرار اعتداء جوزيف على ممتلكاتها، وكيف أنه سرقها مادياً معنوياً، تحمله مسؤولية ضياع رسائلها مع جبران.
ويبدو حتى أن بيت أهلها في شحتول لم يسلم من عملية النهب هذه، وباعه لرجل لا علاقة له بالعائلة، كما بيعت أراضيها وممتلكاتها، وظل يماطل في إخراجها من العصفورية ومن مستشفى رابيز حتى تدخل رئاسة جمهورية لبنان، وملك الأردن عبد الله، لتحريرها من أسرها الذي فرض عليها.
وأنا أقرأ الحوار الذي أجرته مجلة «سيدتي» مع إسكندر زيادة، كنت مستغرباً كيف يمكن لرجل، يفترض أن يكون حيادياً وعالياً في تقييمه لما قام به والده، وأن يكون رأيه محكوماً ببعض الحكمة، الذي تحدثت عنه بعض صحف ذلك الوقت، يحمل لميّ كل هذا الحقد، بل ويقدم على حرق عظامها بلا ذرة رحمة.
فقد اتهمها بكل الصفات البشعة، مع أنه من غير جيل والده. كان يمكن أن تكون نظرته أكثر إنسانية، وأكثر دفاعاً عن الحق. استحضرت في هذا السياق ابنة ألبير كامي كاترين كامو، التي وقفت في وجه كل الأعاصير التي جابهها والدها، ورفضت في البداية أن يكون والدها قد أحب امرأة أخرى غير أمها، لكن عندما وضع صديقه الحميم أوليفييه تود الذي كان مصدر ثقته وترك لديه كل وثائقه الخاصة، وهو يكتب سيرته الكاملة، رسائل كامو لماريا كزاريس أمامها بهدف الوفاء لتاريخه وعدم تضييع ذلك الميراث الثقافي والإنساني، ساعدته في فهم علاقته الخلافية مع والدتها فرانسيس فور، بل وكتبت مقدمة الكتاب الذي حمل عنوان ألبير كامو وماريا كزاريس/ مراسلات 1944-1959.
تقول: إن المراسلات التي جمعت بين ألبير كامو وماريا لم تتوقف على مدار اثنتي عشرة سنة، وتبين بشكل لا يدع مجالاً للشك قوة الحب الذي جمع بينهما. (المقدمة ص 8)، وتضيف: رسائل ماريا كزاريس تجعلنا نكتشف حياة فنانة مسرحية كبيرة، وشجاعتها وهشاشتها في زمن صعب. (المقدمة ص9) ثم تختم كتاب المراسلات بهذه الجملة العظيمة المتسامحة التي لا تحاكم ولكن تحاول أن تفهم: شكراً لهما.
مراسلاتهما تبين أن الأرض واسعة، وأن الفضاء أكثر نوراً، والهواء أخف. شكراً لهما فقط أنهما وجدا على هذه الأرض. (ص9). يتضح أن كاترين احترمت والدها وخياراته وتعاملت مع ماريا كزاريس بكل الاحترام الذي يليق بها ولم تنصب لها المشانق كما فعل إسكندر زيادة بميّ زيادة.
فقد دافع عن أخطاء والده، وراح يبررها بعقلية شديدة التخلف. اختار الاختزال والإهانة بدل محاولة الفهم كما حدث مع ابنة كامي. يقول واصفاً مي في حوار سيدتي: «لم تكن مي زيادة سوى امرأة قاسية القلب.
غير جميلة، وغير قريبة القلب، وجامدة، ولا تعرف معنى الحب في حياتها»، كلام مليء بالأحكام الجاهزة والحقد الأعمى، ضد امرأة هي في النهاية ضحية مكيدة دبرها والده الذي كانت تحبه حقيقة.
ما معنى امرأة قاسية؟ أي لا قلب لها وغير حساسة، مع أن الذين عرفوها عن قرب أكدوا على رهافة حسها وطيبتها وتحملها للكثير من الناس الذين كانوا يرتادون صالونها الثقافي. غير جميلة؟ جامدة ولا تعرف معنى الحب؟ لماذا أحبها مثقفو عصرها؟ لدرجة أن بعضهم قارب الجنون؟ بأي مقياس يتم هذا الحكم الظالم؟ عائلة جوزيف زيادة لم ترحمها حتى وهي رميم.
لقد غادر إسكندر وهو الدكتور، يعني المفترض العقل المتفتح، دائرة الرأي الخاص، ودخل في دائرة الشتيمة السهلة التي تحط من قيمة «حبيبة الأب» اعتماداً على حقد متوارث. أتساءل أحياناً، ما جدوى الشهادات التي لا تضيف شيئاً وتتحول إلى مساحة لتصفية حسابات قديمة. وحتى يظهر خفاياه، يفصل الدكتور إسكندر في حقده ضد مي: « إن والدي كان يحب الجمال، ومي لم تكن كذلك. كما أن والدي لم يكن يريد الزواج في الوقت الذي أشعرته مي بحبها له. أما السبب الثالث لرفضها، فلأن ذلك الطبيب الشاب كان قد فضل الزواج بسيدة أخرى، تنطبق عليها شروطه في فتاة أحلامه باعتبارها صاحبة جمال وثقافة وحضور جذاب» وهل هذه الصفات كانت غائبة عن مي؟ لماذا لا نقول الحقيقة أنه تزوج من فرنسية كانت تكبره سناً، وأنه كان انتهازياً حينما ذهب نحوها، كان يرى فيها سنده في فرنسا، لأن زواجه بالفرنسية يسهل من ظروف إقامته في فرنسا ويمنحه الجنسية الفرنسية.
تخلى عن مي لأنه لم يكن لديها ما تمنحه له إلا قلبها وحبها. كانت مي امرأة ساحرة وجذابة، وكان يظهر لها حبه بشكل دائم. كل الوثائق المتوفرة تؤكد أنه كان يذهب لها في ثانوية بيروت ويخرج برفقتها، ويقبلها أمام الجميع، وكانت سعيدة بذلك، وتحلم بمستقبل عاطفي جميل قبل أن يكسره جوزيف.
إن كلام إسكندر زيادة هو محاولة بائسة لتبييض صفحة والده، وتبرير ما قام به من إيداع مي زيادة في مستشفى المجانين في سنواتها الأخيرة بعد أن استولى كلياً على ثروتها، كان المعترض الأول على إخراجها من العصفورية، وهو ما يذكره بالتفصيل أمين الريحاني في كتابه: قصتي مع مي.
ماذا لو فعل إسكندر زيادة ما فعلته كاترين كامو؟ ونشر رسائل والده لمي؟ ونشر ليالي العصفورية التي سرقها جوزيف زيادة منها؟ وكتب مقدمة يحاول أن يفهم فيها حباً كان شبيهاً بالقدر القاسي بالنسبة لميّ، فدمرها ونخر عظامها إلى آخر لحظة؟
وما زال الكثير من شبان العرب يسيرون على خطى هذا الاب .
على الرغم من البؤس بقصة مي زيادة والمآسي الآي قبعت لها ؛ فان المقالة تبين الجانب الشهرياري للرجل الشرقي المتبجح والذي ما هو الا رجل شهواني أناني يفكر فقط بمصالحه الشخصية ويدعس ويدوس بسنابك عجرفته كل إنسانية ؛ إنما هو مسخ يسير بعنجهيته والتي تورث ابا عن جد ؛وأما بالنسبة للشهادات كما ذكرت سيدي انها براويز وصور تعلق على الحائط ليس الا . فلا تضيف الا هيمنه ومناصب فقط اما الشخصيات بائسة وتعيسه قابعه بظلمة الجهل والشهوانية . مقال بالصميم
سيرة العباقرة تعصف بالفهم وتستعصي علي النسيان اوتدري لماذا يا استاذ لأنهم استثنائيون ..مختلفون ..متميزون عن هذا العالم .مي زياده /اسطورة بزت عصرها في النبوغ الأدبي وجمعت حول صالونها رجالات الفكر والأدب والفن ./طه حسين وجبران والعقاد ونعيمة والرافعي وغيرهم وغيرهم ..كتبت حياتها العاصفة باسم مستعار .ليس غريبا ان تظل المسكينة حتي في قبرها تلاحقها الطعنات وتتعرض للطمس .ومن يجرؤ علي قول الحقيقة في شرقنا القابع في الظلام الدامس ..
لفت انتباهي منذ اعوام تعاطف واسيني الأعرج الادبي والانساني النبيل مع مي زيادة وهو جدير بالإشادة والتقدير .واضافة للادب العربي .ولبنة قوية في تاسيس فكر ادبي يقول الحقيقة وما اجمل الحقيقة ولو كلفنا ذالك ان نموت في سبيلها