عمان – «القدس العربي» : لا أحد بعد تجرأ على محاولة تفكيك اللغز المتعلق بالسؤال التالي: كيف تستمر عمان في قبول فكرة الجفاء والابتعاد والإقصاء عن محور فصائل المقاومة الفلسطينية التي تجلس على طاولة الحدث بكل التفاصيل اليوم، وتترك هامشاً متاحاً لها بقوة لدول أخرى مثل مصر وقطر؟ السؤال نفسه تقريباً لكن بصيغة أخرى: لماذا تسترسل عمان في تجاهل هذه الــحقيقة ولا تبذل جهداً لا سياسياً ولا أمنياً ولا حتـــى بــيروقراطياً من أي صنف لكي تكون حاضرة، ولو جزئياً، على طاولة التأزيم والصدام عندما يحصل ضد قطاع غزة، أو حتى في عمق مـــعادلة الضـــفة الغــربية؟
الضفة الغربية حتى في القراءة الأردنية تمثل عمقاً استراتيجياً لا يمكن تجاهله عندما يتعلق الأمر -كما يرى رئيس الوزراء الأسبق والسياسي المخضرم طاهر المصري- بمصالح الدولة الأردنية العليا.
أسئلة محورية
في مقاربة ليست مطابقة لكنها وشيكة، لا تحب عمان أي تواصل مع الشيخ رائد صلاح، لكن مصالحها الحيوية قد تدفعها للتواصل قريباً، الأمر الذي لا يحصل مع ممثلي فصائل المقاومة في غزة والضفة العربية، لا بل لا يحصل أيضاً مع قادة ورموز حركة فتح الذين تقصيهم وتستثنيهم السلطة الوطنية.
أسئلة محورية زاد معدل طرحها في أذهان بعض المراقبين والخبراء عندما لاحظ الجميع كيف يحصل اختراق قطري ثم اقتحام مصري في جزئية العدوان الجديد على قطاع غزة والمواجهة التي اتخذت شكلاً صاخباً بين إسرائيل وحركة الجهاد الإسلامي وبندية.
وهي حركة مرفوضة طبعاً شكلاً ومضموناً في عمان، ولا يوجد أي تواصل من أي نوع مع قادتها ورموزها. وحتى قاعدة التواصل الإنساني التي تسمح لقادة في حركة حماس سياسيين بالحضور إلى عمان أحياناً لأسباب سياسية، لا تشمل حركه الجهاد الإسلامي.
مجدداً، سؤال لا جواب عليه؛ لأن معيار الحديث الأردني – برأي مقربين جداً من رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة- هو دوماً الأولوية المطلقة للسلطة الفلسطينية والرئيس محمود عباس، ثم عدم الشعور بأي «غيرة دبلوماسية» من أي صنف يمكن أن تنتج عن الاقتحامات القطرية والمصرية وحتى الاقتحامات التي يقوم بها من أجل صناعة هدنة ولو هشة بعض المسؤولين في الإدارة الأمريكية.
أحد أبرز الأسئلة المحيرة في الواقع السياسي الأردني وفي قراءة هذه البوصلة، سبق أن سمعت «القدس العربي» مباشرة عضو المكتب السياسي لحركة حماس ومسؤول ذراعها الخارجي خالد مشعل نفسه في إسطنبول، طالباً المودة ومصراً على «المصالح الأردنية» ويطرح هذا السؤال على نخبة من السياسيين الأردنيين، مشيراً إلى أن العلاقة مع دول أخرى مثل تركيا ومصر وقطر في بعض الأحيان، هي علاقة في اتجاهين ومفيدة للطرفين.
بينما الدوحة «تخترق» والقاهرة «تقتحم»
أحد الحاضرين بمعية خالد مشعل سأل باستغراب وحماسة: نحن لا نفهم قواعد اللعبة الأردنية، لماذا لا يتعاملون معنا حتى كورقة سياسية؟ نقلت «القدس العربي» في الواقع خلال مرحلة العدوان الإسرائيلي قبل الأخير على قطاع غزة السؤال إلى مسؤول أردني رفيع المستوى، فضل عدم ذكر اسمه، فكان جوابه بصيغة تشير إلى أن الأردن لديه قرار عميق وسيادي مسبق بأن لا يلعب بورقة المقاومة الفلسطينية لأسباب تتعلق بإمكانات وهوامش الحركة المتاحة إليه دون غيره.
المسؤول الرفيع نفسه أشار إلى أن الأردن في المعادلة الفلسطينية ليس مصر، وليس قطر بالتأكيد، ولا حتى تركيا، فالأردن متورط تماماً بكل التفاصيل ويستضيف أكبر كتلة من اللاجئين، وعلاقاته جذرية وعميقة ودائمة مع مؤسسات السلطة الفلسطينية؛ بمعنى وباختصار وبالخلاصة، ما تستطيع دولة مثل مصر أن تفعله في إطار حركتها في هوامش قطاع غزة وحركتي حماس والجهاد الإسلامي، لا تستطيع عمان أن تفعله.
استغراب شديد
لكن ذلك مزعج إلى حد كبير حتى بالنسبة للعديد من الشخصيات الوطنية التي ترفع صوتها مطالبة بإنصاف المصالح الأردنية؛ بمعنى تنويع الأوراق بين يدي اللاعب الأردني وعلى أساس أن المقاومة تمثل اليوم إن لم يكن غالبية الشعب الفلسطيني فنصفه على الأقل، وليس من الحكمة ولا من الانسجام مع مصالح الدولة الأردنية أن يبقى هذا النصف خارج إطار الاتصال والتواصل.
قال شيئاً من ذلك القطب البرلماني خليل عطية تحت القبة وأمام «القدس العربي»، وأشار إليه السياسي البارز طاهر المصري، وتحدث عنه كثيرون تحت ستار الاستغراب الشديد من عناد دبلوماسي وسياسي أردني له علاقة بعدم الاقتراب ولو إلى مسافة قصيرة من أي حالة استثمار في ورقة المقاومة الفلسطينية، حتى إن الجانب الأردني لا يريد استثمار أي اتصالات أو علاقات مع فصائل المقاومة الفلسطينية في تعزيز معادلته في عمق اليمين الإسرائيلي.
سؤال أقرب إلى «لغز» ومحير، وهو إزاء مقايسات ومقاربات السياسي الفاعل مروان الفاعوري، لغز يتقاطع ويتعاكس ليس مع طموحات ومصالح الشعب الأردني فقط، لا بل مع إرادته الحرة التي يعبر عنها ومع موقفه الحقيقي، خلافاً لأن البقاء في حالة إقصاء وجفاء مع الحركات المقاومة الفلسطينية أقرب إلى جدع الأذن والتطوع بمهمة نعتقد أحياناً أنها غير مطلوبة.
وهو كان مع الإسلاميين وغيرهم من الليبراليين أحياناً في إطار الصف الداعي إلى تفعيل الاشتباك، دبلوماسياً وسياسياً أردنياً، مع كل القوى الفلسطينية التي يعتبرها الفاعوري مؤثرة في معادلة الإقليم، وأيضاً في المعادلة الفلسطينية الداخلية.
طبعاً هنا تطرح الأسئلة كلما برز أو ظهر تصعيد وعدوان إسرائيلي جديد على قطاع غزة أو على الشعب الفلسطيني، لكن الحكومة الأردنية الرسمية تصمت على هذه التساؤلات، لا بل تتجاهل تلك المطالبات؛ مما يعيد استنساخها خصوصاً وسط اعتقاد السياسيين المحليين بأن حكومتهم تتبرع وتتطوع بالتأسيس لحالة جفاء وتعاكس مع المقاومة الفلسطينية تحديداً أكثر من أن المسألة لها علاقة بالتزاماتها الحيوية مع الإسرائيليين ومع عملية سلام غير موجودة أصلاً. والجواب البيروقراطي الوحيد اليتيم الذي يمكن رصده عند طرح مثل هذه التساؤلات هو أن الهامش المتاح لدول أخرى بعيدة عن تفاصيل القضية الفلسطينية مثل مصر وقطر وتركيا، غير متاح للأردن.
اعتبر العالم الحر منظمة التحرير حركة منبوذة ملاحقة دولياً لعقود حتى عدلت نهجها والتزمت بشرعية دولية فحصلت على دعم دولي اضطر إسرائيل لترك المنظمة تعود لفلسطين من تونس وتقيم حكومة فلسطينية معتدلة معترف بها دولياً بالضفة وغزة وإنشاء بنية تحتية ومطار وميناء واقتصاد دولة وتطوير صحة وتعليم وبرلمان منتخب، فجند محور إيران حماس والجهاد لتدمير ما تم بناؤه فصنفهما العالم الحر حركات منبوذة محاصرة دولياً وتتخذ السكان رهائن ولن يتغير تصنيفهما لحين مغادرتهما محور إيران وإنضمامهما لمنظمة التحرير ولشرعية دولية.
لم تكن إسرائيل ترغب في السلام يوما من الأيام وهي منذ احتلت الضفة و غزه وهي تعتبر القدس موحدة وبدأت في الاستيطان كيفما يحلو لها ولو أرادت السلام لتحقق منذ مؤتمر مدريد حيت لم تكن إيران ولا ما يحزنون وكانت حماس والجهاد في بداية الطريق فأي مطار وميناء يتحدتون عنه وهناك حصار مشدد يريدون أن يستسلم الشعب الفلسطيني وهو لن ولن يكون