الأردن “الجدلي” بين “الإقصاء والإصغاء”: من يتحدث لمن بين النخب الحائرة؟

بسام البدارين
حجم الخط
0

يتحدث تيار المعارضة التقليدي الكلاسيكي بوضوح ومنذ سنوات عن الإقصاء والتهميش وإقفال كبار المسؤولين الأبواب والنوافذ أمام واحدة من أهم وأفضل القيم الأردنية المتوارثة وهي “الإصغاء”.

عمان-“القدس العربي”: “هل نذبح أولادنا سيدي؟” تلك عبارة قالها أحد رجال الدولة الأردنية معلقا على الجدل الضخم الذي اثير في الشارع والبرلمان حول تعيين نجل رئيس وزراء سابق براتب اعتبره المعترضون كبيرا.

“من هتفوا عام 2011 على دوار الداخلية لإسقاط النظام أصبح بعضهم اليوم مسؤولين ووزراء ويرسمون المساحات لا بل يحددون من ينجح أو يسقط في الانتخابات”.

تلك أيضا عبارة سياسية حارة وحادة قيلت من أحد الرموز المقربين من دوائر القرار وفي اجتماع سيادي مغلق. وهي على الأرجح عبارة تعكس مفارقة يقر الجميع من سكان الطبقات العليا في النخبة الأردنية بانها لم تعد مفهومة، فموجة الربيع العربي أعادت تقسيم الخريطة النخبوية، وأعادت إنتاج الأدوار وتيار الموالاة الصلب المتهم من الحراك الشعبي بكل علبة الاتهامات، يشتكي ويترنح تحت وطأة السؤال عن استراتيجية الوجوه الجديدة، لا بل أحيانا عن أطقم الإدارة والسكرتاريا التي توضع بين أحضانها المواقع والوظائف العليا فيما يغيب المفكرون والمثقفون وفي الكثير من الأحيان يغيب السياسيون من المحسوبين على طبقة رجال الدولة.

في كل حال الجميع يتذمر في الحالة السياسية الأردنية.

وخلف الستارة والكواليس قيلت عبارة ثالثة مهمة حاولت التذكير بأن أرفع وأكبر رموز الدولة الأردنية وفي عام 2011 وعندما كانت تسقط الأنظمة المجاورة، كانت تتجول مشيا على الأقدام وسط الأردنيين المخلصين في مخيم البقعة للاجئين الفلسطينيين وفي رواية أخرى في مخيم الوحدات.

يسمع مثل هذا الكلام ضمن الأطر المرجعية لصالح بعض الذين تم اختبارهم طوال سنوات من رموز الموالاة.

لكن المفارقة ان من يشتكي اليوم على الدوام هم رموز الموالاة الكبار وأيضا كبار المعارضين مما يقود إلى السؤال الأصعب: إذا كانت المعارضة مع الموالاة برسم الشكوى والتذمر والتضجر وشعور بالإقصاء فمن الذي يدير الأمور نخبويا أصلا؟ من هم هؤلاء الذين يتولون مواقع الصف الأول في الإدارة العليا؟

طبعا بالمقابل يجد سياسي رفيع المستوى ومخضرم مثل طاهر المصري نفسه حائرا وهو يسأل وبصورة لم تعد هامسة: عندما يكون لنا رأي أو وجهة نظر في خدمة الوطن والدولة، مع من نتحدث اليوم؟

قالها وسمعتها “القدس العربي” في الحالتين قبل المصري وزير البلاط الأسبق الدكتور مروان المعشر وفي منزل الوزير الأسبق المسيس والمثقف الدكتور طالب الرفاعي وأمام حشد من الشخصيات الوطنية المتنوع: لا يوجد من يسمعنا أو نستطيع التحدث معه.

الأغرب أن تيار المعارضة التقليدي الكلاسيكي القديم الموثوق ممثلا بقادة ورموز الإخوان المسلمين يتحدث بوضوح ومنذ سنوات عن الإقصاء والتهميش وإقفال كبار المسؤولين الأبواب والنوافذ أمام واحدة من أهم وأخطر وأفضل القيم الأردنية المتوارثة وهي “الإصغاء”.

الإصغاء واجب وطني ونمط أردني نبيل في رأي شخصية وطنية إسلامية معتدلة جدا وحريصة مثل الشيخ عبد الرحيم العكور، لكن عندما يزيد الإقصاء ينمو إلى جانبه وبحرص وكفاءة تجنب الإصغاء.

من يتحدث لمن؟ أحد أكثر الأسئلة الأردنية النخبوية حساسية والحاحا وبلا جواب، فالمفارقة وعلى رأي الدكتور المعشر ان الحكومات عندما يتوفر لها خيارين أو سيناريوهين للتصرف ازاء إشكال واحد بدأت تذهب تلقائيا وعشوائيا إلى “السيناريو الأسوأ” مع ان السيناريو الآخر الأقل سوءا متاح أيضا.

شرح المعشر في باب التوضيح وفي جلسة مغلقة بحضور “القدس العربي”: في أزمة كورونا مثلا ثمة خياران متاحان لكن ذهبنا إلى الأسوأ منهما وهو السيناريو الأمني البوليسي عبر أوامر الدفاع والإغلاق بهدف التحكم. ولم يحصل لا تحكم  فيروسي ولا فائدة أو إنتاجية في تحقيق الهدف بعد الاحتياج.

 مجددا من يتحدث لمن؟ ومجددا يشخص رئيس المجلس الاقتصادي الاجتماعي الخبير الدكتور محمد الحلايقة المشهد على أساس ضرورة ملحة للعودة إلى بناء “محتوى سياسي وطني” يمكن ان يقود الفرقاء جميعا إلى الحد الأدنى من التوافق في إطار مشروع أفقي مسؤول لتخفيف الخسائر وتحقيق بعض المكاسب على الأقل.

سيناريو مختصر وفعال اقترحه الحلايقة علنا عدة مرات. لكن مشكلته تكمن في ان ماكينة القرار في الدولتين العميقة وشقيقتها التي على السطح تعلم مسبقا بأن مثل هذا السيناريو يتطلب الإقرار بأن المحتوى السياسي الوطني في المجتمع والنقابات المهنية والأحزاب السياسية تم تفريغه منهجيا بدون اتجاه.

 والأهم بدون إنتاج مشروع بديل مما راكم في الارتجال والعشوائية وفي أزمة المصداقية بين الدولة والناس.

رغم ذلك يحذر القيادي البارز في الحركة الإسلامية الشيخ زكي بني ارشيد من ترك الخندق الوطني، فالوطن أغلى والدولة لجميع أولادها وعلينا جميعا الجلوس على الطاولة للتحدث بنوايا حسنة وبدون أحكام مسبقة، الأمر الذي يمكن اعتباره رومانسيا في المطلب السياسي لكنه محطة ملحة وضرورية عند الرغبة في التعاطي مع الواقع الموضوعي.

الأهم وفي الخلاصة ان هذا النمط من التعليقات ضمن حوارات شهدتها “القدس العربي” بالجملة الأسبوع الماضي على الأقل أصبح أكثر رواجا والأسئلة نفسها تتكرر بدون إجابة فيما يعكس هذا التنميط تمدد الأزمة وعنوانها اليوم ان المعارضة غاضبة والموالاة تتذمر.

وبالتالي الكرة طائشة والملعب مفتوح وأوامر الدفاع التي كان الهدف منها التصدي لكورونا أصبحت عبئا على الدولة والوطن والشعب أيضا، طبعا تلك قصة أخرى.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية