عمان – «القدس العربي»: لا يحفل وزير المالية الأردني الدكتور محمد العسعس بما يمكن وصفه بالمكيدة التي زرعت في طريقه عندما يتعلق الأمر بإعفاءات على جمارك سيارات لمتقاعدين عسكريين برتب متدنية على الرغم مما تثيره المسألة من جدل واعتراض في الشارع، وتحديداً في صفوف المتقاعدين، ضد وزير المالية في الحكومة.
عملياً برزت نقطة تجاذب هنا، فرئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز يرسل عريضة موجهة إليه تطالب بإعفاءات جمركية لتلك الشريحة من المتقاعدين العسكريين إلى الوزير المختص، حسب المألوف البيروقراطي. طبعاً كان يمكن للرزاز عدم إرسال كتاب رسمي بذلك المطلب التزاماً منه بقرار اتخذه مجلس الوزراء بإجماع في وقت سابق يمنع الإعفاءات بكل أنواعها بسبب الضائقة الاقتصادية والأزمة المالية.
مكيدة في مساحة العسعس ونميمة ضد التلهوني ونجومية جابر تتقلص
يعرف الرزاز ذلك. لكن جهة مقربة، وحكومية على الأرجح، سربت كتاب رئيس الوزراء للإعلام ولمنصات التواصل، ولاحقاً تم تسريب رد وزير المالية الخشن عملياً، الذي يرفض مطلقاً الموافقة على الإعفاء المطلوب التزاماً بقرارات مجلس الوزراء. بدا للرأي العام أن تلك المخاطبات بين الرئيس ووزيره كان ينبغي أن تبقى في سجلات ومحاضر الحكومة، فهي ليست للإعلام والرأي العام، وجهة ما على الأرجح قررت إلقاء الضوء على المسألة بحيث ظهر رئيس الوزراء رحيماً ومعتدلاً وينقل إلى الوزير المختص ما تطلبه فئة من المواطنين المحترمين، فيما ظهر الوزير العسعس – وبصفته محاسباً للحكومة ومسؤولاً عن الخزينة- أميل إلى الخشونة والافتقاد للتعاون مع أنه وزير قرر من البداية، وكما فهمت «القدس العربي» منه عدة مرات، مباشرة الالتزام الحرفي بالنص والواجب.
في كل حال، الوزير العسعس حضر إلى الحكومة بعد سنوات من العمل في القصر الملكي بقي فيها في ظل المشهد، وتلك صفة يبدو أنها وبصورة مرجحة مبرر سياسي محتمل للحرص الغامض على تسريب وكشف مراسلات رسمية بيروقراطية عادية. طبعاً لا يمكن التحدث عن خلافات علنية أو كبيرة استناداً إلى ما حصل بين رئيس الحكومة ووزير المالية. لكن يمكن ومن باب التحليل السياسي، التأشير على أن الكيمياء لا تبدو فعالة ونشطة بين الوزير ورئيسه، على الأقل خلال الأسابيع القليلة الماضية، حيث شعور عند الطاقم الوزاري الذهبي، والمحظوظ المقرب من رئيس الحكومة بأن العسعس مهنياً أقوى مما ينبغي، ولديه قدرات على التواصل مع دوائر القرار عابرة للحكومة أحياناً. وبالعادة يتخذ بعض الوزراء موقفاً باطنياً من أي زميل لهم يحضر من القصر الملكي.
مطبخ الرزاز
وفي الواقع، العسعس لن يغادر هذه المعادلة وإن كان الجديد فيها أن حسابات التموقع البيروقراطي لا تجعله قريباً بصفة وشيكة من مطبخ الرزاز الأساسي الآن.
وتلك صفة يبدو أنها تنطبق أيضاً على وزراء آخرين، لكنهم ليسوا في عباءة رئيسهم؛ فإصرار بعض المنصات على ذكر اسم وزير العدل بسام التلهوني كلما توقع الشارع احتمالات التغيير الوزاري، جعل التلهوني -وهو شخصية معتدلة لا تحب الأضواء ولا تتحالف معها- هدفاً للنهش والنميمة بين الحين والآخر.
التلهوني ملتزم بمتطلبات وظيفته وواجبه، ولا تبدو الكيمياء نشطة أيضاً بينه وبين رئيس الوزراء، ويمكن القول إن تلك الكيمياء تحسنت إلى حد ملموس للمراقبين مؤخراً بين الرزاز ووزير الداخلية المخضرم سلامة حماد.
حماد قد يكون الوزير الوحيد الذي يحفظ كل زوايا وثنايا وزارته السيادية عن ظهر قلب، والتعامل معه ضروري بحكم الملفات التي يحملها.
لكن في المقابل، يلحظ الجميع أن كل أصناف المشكلات وحتى الأخطاء التي يتحدث عنها الرزاز خلال أزمة كورونا الحادة والمنفعلة ظهرت هنا وهناك، باستثناء أنها لن تظهر فعلاً على جبهة واحدة أساسية، وهي جبهة وزارة المياه، حيث لا انقطاع في المياه ولا مشكلات بيئية أو صحية نتجت عن أزمة لها علاقة بهذه الوزارة الحساسة.
وحيث أيضاً لا شكاوى على الحكومة من خاصرة المياه، وإن كان بعض الوزراء لا يعجبهم ذلك من المقربين جداً من الرزاز.
في الأثناء ظهر تباين في اللهجة والمفردات والتعبير بين الرزاز وصديقه وزير العمل نضال البطاينة، على هامش الإعلان مؤخراً عن مشروع خدمة العلم لمعالجة البطالة.
وفي الوقت نفسه، تثير تصدعات في الجسد الوزاري الأنظار بين الحين والآخر، والقول يتزايد عن وجود عدة أجنحة داخل مجلس الوزراء؛ فوزير الصحة الدكتور سعد جابر، وبعد سلسلة من المبالغات الدرامية في الظهور الإعلامي وتسجيل أخطاء فادحة في المعركة مع الفيروس كورونا، يفقد نجوميته بالتدريج.
وهذا وضع تكتيكي يجعل العلاقة بين رئيس الحكومة ووزير الصحة الحالي متأثرة بدرجة الحرارة، حيث تصبح تحالفية أحياناً ومحايدة أحياناً أخرى، خصوصاً مع تزايد تذمر الوزراء أنفسهم من تشدد وفردية وطريقة عمل زميلهم جابر.
كيمياء مفقودة
الكيمياء أيضاً مفقودة على مستوى الرئاسة مع وزير الشباب الدكتور فارس بريزات، وتغيب وتحضر مع لاعب محنك مثل وزير التنمية السياسية موسى المعايطة، وتصبح حميمية أحياناً مع الخبير والمختص بملف الإدارة المحلية وليد المصري، والعلاقة غائبة مع وزير الخارجية أيمن الصفدي. والعلاقة نفسها تصدعت قليلاً، لكنها تعود للتحالف مع وزيرتي الطاقة هالة زواتي، والسياحة مجد شويكة. ولا تبدو إلا عبئاً مع وزير النقل خالد سيف، وبقيت علاقة رئاسة الوزراء في أعلى مستويات الكيمياء مع وزير الريادة مثنى الغرابية، واستمرت ملتبسة مع وزير التعليم العالي محيي الدين توق، ولا تزال بالقطعة ولها علاقة بمستوى الامتثال مع وزير التربية والتعليم تيسير النعيمي.
لكن العلاقة تحت السيطرة تماماً مع وزير التخطيط الذي لا يظهر وسام الربضي، وتبدو مناكفة أحياناً مع حامل حقيبتي البيئة والزراعة صالح الخرابشة، ومستقرة إلى حد ما مع وزير الثقافة الدكتور باسم الطويسي، ولصيقة إلى حد كبير مع نجم الوزراء في هذه المرحلة وزير شؤون رئاسة الوزراء سامي الداود. هذا الوضع قد يؤشر عموماً على تركيبة وزارية لا تناسب في وضعها الحالي تحديات المرحلة.
يعني ذلك أن فكرة التعديل الوزاري الموسع، التي أطل شبحها مجدداً بعدما ضجر الراغبون في رحيل الرزاز من الانتظار والترقب وطالت إقامته في الدوار الرابع، منطلقة من تلك الفراغات والاصطفافات في مجلس الوزراء، مع أن ثلاثة وزراء على الأقل لا يزالون تحت ضغط البوصلة، والخيارات والمقاربات الحساسة ما بين خيارات الدولة واتجاه رئيسهم.