تعالوا معا كأردنيين نمارس عملية تفكير خارج الصندوق ولو لمرة واحدة فقط، دون أن يزايد أحد على جهة أو على مواطن أو تيار.
من الضروري الوقوف عند مساحة تحظى بالتوافق، مواصفاتها ومقاييسها المطلوبة الحرص على حماية الوطن الأردني أولا، وتجنب مخاطر وشرور أجندة اليمين الإسرائيلي ثانيا. الأمر الذي يعني حكما وحتما تأطير وتوطين التضامن مع الشعب الفلسطيني تحت عنوان المصير المشترك وكمائن الجغرافيا. كما يعني أن لا يحتكر رأي أو تصور الحقيقة والاتجاه خلافا لضرورة تبادل الاحترام والإجابة على بعض الأسئلة العالقة بصبر ووضوح وشفافية مع ازدراء علبة الاتهامات.
لا بد حتما عندما يتعلق الأمر بتداعيات القضية الفلسطينية على الأردن شعبا وحكما وحكومة من البحث عن قاسم مشترك بين جميع الأطراف وهو الوطن بكل حال.
ومن الواجب الأخلاقي والوطني قراءة الإمكانات والموارد كما هي، وعدم المجازفة بأمن واستقرار الشعب أثناء التفاعل والاشتباك، وإظهار الحكومة قدرا أكبر من الاحترام لمشاعر ومواقف واتجاهات الشعب، خصوصا وجريمة الإبادة متواصلة في غزة.
حتى يتحلق المواطن خلف مؤسساته الدستورية على رموز تلك المؤسسات أن يشرحوا له الوقائع. من غير المنطقي ولا المعقول مطالبة الشعب الأردني بالهدوء والاسترخاء والثقة، فيما يذبح الجار حتى لا نقول الشقيق الفلسطيني، وفيما تعربد إسرائيل فتقصف في العراق وسوريا واليمن وتهدد بإعادة بيروت الى العصر الحجري.
لا بد من التأسيس لصلابة الجبهة الداخلية برواية صلبة ومتماسكة موحدة على الأقل حتى تم تحشيد قوى المجتمع خلف الرواية الرسمية أو المرجعيةالمعارضة الحزبية
المسؤولون السياسيون في عمان يتحدثون عن «مخاطر مجانين تل أبيب» هذه الأيام، وأصحاب الخبرة والمعرفة والعلم من خارج الدولة وداخلها يؤمنون تماما بأن مشروع اليمين الإسرائيلي عنوانه في الحد الأدنى حل القضية الفلسطينية على حساب الأردن والأردنيين. لكن هؤلاء في ذات الوقت يتهامسون ولا يشرحون للناس ما هي القراءة المركزية ولا ما هو واجبهم في المرحلة الدقيقة والمحرجة القادمة.
لا بد من تحدث الحكومة والمؤسسات مع الناس. لا بد من التأسيس لصلابة الجبهة الداخلية برواية صلبة ومتماسكة موحدة على الأقل حتى يتم تحشيد قوى المجتمع خلف الرواية الرسمية أو المرجعية.
لا يمكنك تخفيف شعور الأردنيين بالمخاطر فقط هذه الأيام عبر الاسترسال في توجيه خطاب إعلامي كلاسيكي بيروقراطي بعنوان القوة والصلابة بدون شروحات وتفصيل.
ولا يمكن مطالبة المواطنين في الشارع بالوقوف مع رواية رسمية لا أحد يحدثهم عنها لا في أذرع الإعلام الرسمي ولا في النخب والحلقات الوسيطة التي لم يعد المواطن العادي يعلم من هي وما الذي تريده أو تمثله.
الحلقات الوسيطة خاملة والنخب التي يعتد بخبرتها لا تقدم رواية بديلة والإصرار على الشكوى والتضجر من انفعال المواطنين ومخاوفهم لا يمكنه أن يبقى الحل الموضوعي الأساسي ولا يقود حتما إلا لنتائج معاكسة لما تريده السلطات.
لا يمكن للحكومة في ظل أزمة اقتصادية معيشية أن تسترسل في خطاب الوعظ والإرشاد والتحذير وأحيانا استخدام عضلات وهراوات السلطة القانونية وغير القانونية في ظل عدم وجود سردية وطنية في مسار الأحداث بعد يوم 7 أكتوبر المجيد.
احكموا على الناس سواء كانوا في تيارات الولاء التقليدي أو المعارضة الحزبية، لكن بعد إبلاغهم بما يجري وبعد وضعهم بصورة نص وطني حتى يلتزم به الصغير قبل الكبير، وحتى يمكن للدولة والقانون أن يذهبا باتجاه المساءلة لمن يغرد خارج النص، خصوصا في زمن الحرب وبعدما أصبحت عملية السلام الآن أقرب الى نكتة جماهيرية، فيما الدولة وليس أنصار حركة حماس والمقاومة الفلسطينية هي التي تصف اتفاقية وادي عربة بأنها مجرد ورقة في متحف يعلوها الغبار.
غادر الإسرائيلي كل موقع ومنطق التعايش والشراكة مع الأردن حتى قبل يوم 7 أكتوبر.
ومجانين تل أبيب قادة منتخبون على أساس برنامج يميني إجرامي دموي معلن، فيما النظام العربي الرسمي برمته يزحف هنا وهناك ديمقراطيا وانتخابيا تحت وابل من ستائر تزوير الانتخابات أو التلاعب بها أو هندستها.
مجانين الكيان ينفذون على أرض الواقع طموحاتهم وأطماعهم والمخبول الذي يتولى ما يسمى بوزارة الأمن القومي في الكيان بدأ قبل عام ونصف بضرب أفراد طاقم الأوقاف الأردني في القدس وهو يتجه نحو الصلاة داخل المسجد الأقصى دون أن تستطيع منعهم لا الإدارة الأمريكية الصديقة ولا المجتمع الدولي الحليف ولا حتى بقايا الدولة العميقة في كيان الاحتلال التي طالما بيعت أوهام الشراكة والرهان عليها في أسواق السذج وكنا دوما منهم. لا أحد يريد المجازفة بالأردن والأردنيين. لا أحد ينشد حربا أو إعلان حرب. أقله مجرد حوار للمختصين والخبراء تحت لافتة وطنية، وأقله تقديم رواية للناس حتى يحاسبوا عليها لاحقا مع طرح سردية وطنية مقنعة معلوماتيا بدون لف ودوران.
إعلامي أردني من أسرة «القدس العربي